يُخفي معدل البطالة الثابت في الصين الكثير من الآلام في سوق العمل، التي سيجد القادة صعوبة في تجاهلها وهم يتطلعون نحو تحفيز الاقتصاد في عامٍ حاسم سياسياً.
تشير المؤشرات البديلة، وتقارير دراسة الحالة، إلى أن البطالة أسوأ مما تظهره الأرقام الشهرية الرسمية. ويقول الاقتصاديون إن سوق العمل تتعرض لضغوط كبيرة، بدءاً من الإنفاق الاستهلاكي الضعيف إلى الإجراءات الصارمة لكبح فيروس "كورونا"، وصولاً إلى الحملة التنظيمية الحكومية على صناعات التعليم والتكنولوجيا والممتلكات.
يعد التوظيف الأولوية الرئيسية للمسؤولين الحكوميين، حيث يستعد الحزب الشيوعي في وقت لاحق من هذا العام لاجتماع قيادي ينعقد مرتين كل عقد.
وأظهرت بكين بالفعل تحيزاً مؤيداً للنمو في سياساتها، حيث يتوقع الاقتصاديون خفض أسعار الفائدة وزيادة الإنفاق المالي في وقت مبكر من العام.
من المتوقع أن يظل معدل البطالة في المناطق الحضرية الذي شمله الاستطلاع الحكومي، والبالغ 5% - أفضل قليلاً من مستويات ما قبل الوباء - دون تغيير عندما تنشر الحكومة بيانات ديسمبر في 17 يناير.
مع ذلك، فإن هناك العديد من المشاكل في الاستطلاع، و التي باتت صارخة خلال فترة الانكماش الحالي، حيث إن الأرقام لا تتسم بحساسية تجاه التغيرات في عدد المهاجرين من المناطق الريفية في الصين، و الذين يعملون في المدن؛ كما أنها لا تحدد عدد الأشخاص الذين خرجوا من سوق العمل لأكثر من ثلاثة أشهر، أو أولئك الذين لا يستطيعون بدء العمل، على سبيل المثال، لأنهم مضطرون للخضوع للحجر الصحي.
كما سلط وزير المالية السابق لو جيوي الضوء مؤخراً على المخاوف بشأن الإحصاءات الصينية، قائلاً إنها لا ترصد التغييرات الاقتصادية السلبية بشكل صحيح. وفيما يتعلق ببيانات الوظائف على وجه التحديد، قال إن الإحصاءات الرسمية تحصي الوظائف الجديدة التي تم خلقها، ولكن لا تتابع ما إذا كان هؤلاء الأشخاص قد تم تسريحهم بعد ستة أشهر أو أكثر.
وفيما يلي بعض الأسباب الرئيسية التي تجعل الاقتصاديين يعتقدون أن سوق العمل الصينية تتعرض لضغوط:
الخدمات المضطربة
تعد صناعة الخدمات أكبر مصدر للوظائف في الصين، حيث توظف حوالي 47% من القوة العاملة. وكان إنفاق المستهلكين على الخدمات التي تتضمن تواصلاً كالسفر وتناول الطعام ضعيفاً باستمرار العام الماضي، ما جعل الشركات في تلك القطاعات مترددة في توظيف عمال جدد. وأدى أيضاً إغلاق الأعمال بسبب فرض الصين قيوداً صارمة للقضاء على عدوى "كوفيد" إلى انخفاض الطلب.
ظل المؤشر الفرعي للتوظيف لمؤشر مديري المشتريات غير التصنيعي في الصين، الذي يتتبع نوايا التوظيف في قطاع الخدمات والبناء، دون مستويات ما قبل الوباء لمعظم الأشهر الـ 12 الماضية. وخلق الاقتصاد 12 مليون وظيفة حضرية جديدة في أول 11 شهراً من عام 2021، وفقاً للبيانات الرسمية، أي أقل من الـ 12.8 مليون وظيفة التي تم خلقها خلال نفس الفترة من عام 2019.
حركة الهجرة
تضم الصين حوالي 180 مليون عامل مهاجر يقيمون جزءاً من العام في مناطق ريفية فقيرة، لكنهم يعملون معظم العام في المدن. قبل الوباء، زاد عدد هؤلاء العمال بمقدار 2-3 مليون كل عام، وفقاً لبيانات رسمية. ولا يتم تضمين المهاجرين الذين يغادرون المدن في مسح البطالة الصيني في المناطق الحضرية.
تُظهر البيانات الرسمية أنه لم يكن هناك نمو في عدد العمال المهاجرين منذ الوباء. ويقدر لو فنغ، الاقتصادي في جامعة بكين وجود فجوة تبلغ 6 ملايين بين عدد المهاجرين الذين يعملون حالياً في المدن، وأعداد ما قبل الوباء.
يقول فنغ: "الانخفاض النسبي لملايين العمال المهاجرين في عامين قد يتسبب في خسارة مئات المليارات من الرنمينبي الصيني في الداخل".
يعتقد البعض أن التدفقات إلى الخارج قد تكون أسوأ مما تشير إليه البيانات الرسمية. ووجد الاقتصاديون في شركة "غويلان سيكيوريتيز" (Guolian Securities) أنه خلال الأشهر الأخيرة، كانت مبيعات التجزئة في المقاطعات، التي عادةً ما يكون فيها صافي تدفقات المهاجرين إلى الخارج، أقوى مما كانت عليه في المقاطعات التي تشهد عادةً تدفقات مهاجرين إلى داخلها، وهو ما يشير إلى بقاء أعداد كبيرة من المهاجرين في مناطقهم.
وكتب الاقتصاديون: "نعتقد أن البيانات الخاصة بمبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية تقدم دليلاً على عودة العمالة إلى مناطقها الأصلية".
تقلص الصناعة
ازدهرت صادرات الصين خلال الوباء، وواجه العديد من المصانع صعوبات في العثور على عمال. ومع ذلك، أظهرت البيانات الرسمية اتجاهاً لتقلص التوظيف في التصنيع، ويرجع ذلك جزئياً على الأرجح إلى زيادة الأتمتة.
انخفض متوسط عدد العاملين في المؤسسات الصناعية التي تزيد إيراداتها عن 20 مليون يوان (3.1 مليون دولار) إلى 7398 في نوفمبر 2021 من 7419 في نوفمبر 2020، وفقاً للإحصاءات الرسمية. وشهدت شركات المنسوجات والملابس أكبر انخفاض بهذا المقياس.
تسببت الحكومة في حالة من الذعر بالأسواق المالية العام الماضي، عند حظرها للشركات التي تقدم دروساً خصوصية بعد المدرسة بهدف الربح، وتحركاتها لكبح جماح قطاع العقارات الضخم. وكان لكلا التحركين تأثير سلبي على سوق العمل. و كشفت واحدة من أكبر شركات التدريس في الصين هذا الأسبوع أنها فصلت 60 ألف عامل العام الماضي، كما تراجعت الأجور في قطاعات التعليم والسياحة والعقارات في الربع الأخير من عام 2021، وفقاً لسوق العمل عبر الإنترنت "جاوبين" (Zhaopin).
قال لي شي، الخبير الاقتصادي في جامعة بكين للمعلمين، إن حملة بكين على قطاع العقارات يجب تخفيفها لأنها تضر بالعمال ذوي الدخل المنخفض. وأضاف أن: "تشديد السياسة في قطاع العقارات مفرط بعض الشيء.. عمال البناء في هذا القطاع جميعهم عمال مهاجرون".
تاركو الوظائف
يعرِّف مسح البطالة الرسمي العاطلين عن العمل على أنهم أولئك الذين سعوا بشكل نشط للعثور على وظيفة خلال الأشهر الثلاثة الماضية وسيكونون قادرين على بدء عمل جديد في غضون أسبوعين. وضعت الصين مئات الآلاف من الأشخاص في الحجر الصحي، عادةً لأسابيع في كل مرة، كجزء من جهود مكافحة فيروس كورونا منذ الصيف - هؤلاء الأشخاص لن يستوفوا الشرط الثاني، ولن يتم احتسابهم من بين العاطلين عن العمل.
كتب اقتصاديون من شركة "مينشنغ سيكيوريتيز" (Minsheng Securities) في مذكرة، إنه بسبب ضعف سوق العمل، تستعد أعداد قياسية من فئة الشباب لخوض الامتحانات للتأهل لدورات الدراسات العليا أو للالتحاق بالخدمة المدنية. وارتفعت أعداد الخاضعين لهذه الامتحانات في عام 2021 بأكثر من 1.6 مليون مقارنة بعام 2019.
وأضافت المذكرة، أنه بما أن أولئك لن يُحسبوا كباحثين عن عمل، فإن "ضغط التوظيف الفعلي لطلاب الجامعات أعلى مما يظهره معدل البطالة".