إيطاليا تستعد لأوقات عصيبة مع انحسار سلطة "دراغي" والانقسام السياسي

رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراغي متحدثاً خلال مؤتمر صحفي حول تفويض اللقاح الإلزامي في روما - المصدر: بلومبرغ
رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراغي متحدثاً خلال مؤتمر صحفي حول تفويض اللقاح الإلزامي في روما - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لم يعد الائتلاف الحاكم في إيطاليا ينحني لإرادة ماريو دراغي كما كان يفعل بالماضي. و يقول كبار مسؤولي الحزب المطلعين على الوضع إنَّه بعد أن قاد البلاد خلال أسوأ حالات الوباء، ووضع الأسس لانتعاشها الاقتصادي؛ يبدو أنَّ رئيس الوزراء قد وصل بتفويضه إلى أقصى حد ممكن.

في حين كانت إيطاليا تكافح لإعادة البناء من صدمة الموجة الأولى من العدوى؛ أبقى "دراغي" شركاءه في التحالف متماشين معه بواسطة سلطته الشخصية النابعة من حياته المهنية الطويلة، ومن خلال استجداء المصلحة الوطنية، لكن الآن بدأت الفصائل المتنافسة في حكومته بالنظر للانتخابات العامة المقررة العام المقبل على أبعد تقدير، والتنافس على خلافته، مما يجعل من الصعب السيطرة عليهم.

نتيجة لذلك، يشير "دراغي" إلى أنَّه يفضل التحول ليصبح رئيساً لإيطاليا عندما تنتهي ولاية سيرجيو ماتاريلا، التي ستصل إلى سبع سنوات في أوائل فبراير، بحسب ما قال المسؤولون.

في مؤتمر صحفي مساء الإثنين الماضي، قال "دراغي"، إنَّه لن يتطرق إلى الحديث عن "كيرينالي"، في إشارة إلى القصر الفخم الذي يقيم فيه الرؤساء الإيطاليون. وأصر على أنَّ الحكومة مستعدة للعمل معاً على الرغم من اختلاف وجهات النظر.

قال المسؤولون إنَّه بدلاً من الاستماع إلى آراء جميع الأطراف، ثم اتخاذ قرارات غير شعبية بمفرده كما فعل "دراغي" في كثير من الأحيان خلال 11 شهراً على رأس حكومة الوحدة؛ فإنَّه بات الآن أكثر استعداداً لتقديم تنازلات.

جاء أكثر مثال لافت خلال اجتماع مجلس الوزراء الساخن الأسبوع الماضي، عندما قررت الحكومة جعل التطعيم ضد "كوفيد-19" إلزامياً للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً.

صلاحيات مُقيدة

ما يزال "دراغي" يستطيع المُضي قدماً في سياساته، لكنَّه ليس في موقع يسمح له اتخاذ القرارات بالطريقة التي اعتاد عليها. أرادت "رابطة الشمال" التي يقودها ماتيو سالفيني تطبيق الإجراء فقط على أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، في حين أراد "الحزب الديمقراطي" أن ينطبق القرار على جميع السكان. في نهاية المطاف قسم "دراغي" الفرق بينهما فقط.

وقال المسؤولون، إنَّه في حين من المرجح أن تشكل الظروف السياسية الأكثر صعوبة خططه المستقبلية؛ فإنَّ طموحاته الواضحة في الرئاسة قد تجعله أيضاً أكثر تردداً في تنفير الحلفاء المحتملين.

خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الإثنين، قال "دراغي": إنَّ "الحكومة مستعدة للعمل سوياً على الرغم من اختلاف وجهات النظر"، وإنَّ "الوساطة لا ينبغي أن تكون بأي ثمن، ولكن بالنسبة لبعض الإجراءات؛ فإنَّ الإجماع مهم". وقال متحدث باسم "دراغي"، إنَّه ليس لديه أي تعليق أكثر مما قاله رئيس الوزراء.

منذ تعيينه من قبل "ماتاريلا" في فبراير الماضي؛ جمع "دراغي" الأحزاب الإيطالية المتخاصمة معاً، ووضع خطة إنفاق لحوالي 200 مليار يورو (230 مليار دولار) من أموال التعافي من الاتحاد الأوروبي، وقاد حملة تلقيح جريئة.

بصفته الرئيس؛ يمكنه أن يلعب دوراً طويل المدى لاستقرار البلاد، مما سيكون بشرى سارة للمستثمرين. إذ سيمكنه استخدام حق النقض ضد الوزراء وتعيين خليفته، مما يضمن استمرار برنامج الإصلاح الشاق المطلوب للحفاظ على تدفق أموال صندوق التعافي من الاتحاد الأوروبي على المسار الصحيح، واستمرار المعركة ضد الوباء، الذي لم ينتهِ بعد وفقاً للأرقام الأخيرة.

المُرشح المُفضل

لقد وُصف "دراغي" مراراً بأنَّه المرشح المفضل لمنصب الرئيس، لكن من غير المضمون حصوله على المنصب. إذ يتم التصويت من خلال سلسلة معقدة من عمليات الاقتراع السرية التي تشبه مجمع انتخاب البابا، بالإضافة إلى ذلك؛ فإنَّ مناورات الفصائل المختلفة، غالباً ما تؤدي إلى نتائج غير متوقَّعة.

إذا تم اختياره؛ فسيكون "دراغي" من صنّاع التاريخ، إذ لم يسبق أن انتقل أحد من مكتب رئيس الوزراء مباشرة إلى قصر "كيرينالي" الرئاسي.

ينظر إلى وزيرة العدل مارتا كارتابيا على أنَّها منافسة محتملة على هذا المنصب. ومن بين الآخرين بيير فرديناندو كاسيني، الرئيس السابق لمجلس النواب، ورئيس الوزراء السابق رومانو برودي.

يدافع يمين الوسط عن سيلفيو برلسكوني البالغ من العمر 85 عاماً، وهو رئيس وزراء سابق آخر يقود حزب "فورزا إيطاليا". ومهما كان الاختيار؛ فإنَّ إيطاليا مهيأة على المدى القصير لفترة من عدم الاستقرار السياسي.

تُظهر استطلاعات الرأي أنَّه لا يوجد حزب سياسي سيحظى بأغلبية في حالة إجراء انتخابات عامة مبكرة، على الرغم من أنَّ بعضهم، بما في ذلك "رابطة الشمال" التي يقودها سالفيني والمناهضة للمهاجرين، يحرصون على نجاح ترشيحه على أمل أن يفوزوا بالسلطة.

ما تزال العلاوة التي يطلبها المستثمرون لحمل الديون الإيطالية بدلاً من الألمانية – التي تعد مقياساً رئيسياً للمخاطر في سوق السندات - بالقرب من أعلى مستوياتها منذ أكثر من عام. و يرى الاستراتيجيون من "سوسيتيه جنرال" أنَّ هذا الفارق سيزداد اتساعاً إلى أقصى حد منذ يوليو 2020، في حال ازدياد التأزم السياسي الإيطالي لمستوى مماثل لفترة 2016-2017.

في الأسبوع الماضي، شهد بيع سندات إيطالية لأجل 30 عاماً طلبات تجاوزت 55 مليار يورو، أي أقل من ثلثي مبيعات سندات مماثلة في أكتوبر 2020، مما أظهر تلاشي الطلب على الديون مقارنة بذروة الوباء.

لا يريد "دراغي" الانتقال إلى "كيرينالي" فقط لمواجهة أزمة حكومية، كما يقول المسؤولون، بل إنَّه يريد تجنب انتخابات مبكرة واستبداله بشخص سيتمكّن من الاحتفاظ بالحصن أكثر منه ببضعة أشهر.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك