إن التحوّل المحتمل لماريو دراغي، ليصبح رئيساً لإيطاليا، يخاطر بتذكير المستثمرين كيف أن البلاد ليست بعيدة أبداً عن انعدم الاستقرار السياسي؟.
من شأن التحوّل المحتمل لرئيس البنك المركزي الأوروبي السابق أن يترك لخليفته في منصب رئيس الوزراء مهمة مواصلة عملية التوازن الدقيقة، التي قام بها منذ توليه هذا المنصب في حكومة الوحدة قبل 11 شهراً.
إيطاليا تخطط لزيادة الإنفاق بـ 27.5 مليار دولار في موازنة 2022
يشمل التحدي على جمع الأحزاب دائمة الشكوى في إيطاليا معاً، وتجنب المضاربة في السوق على كومة ديون تعادل 154% من الناتج المحلي الإجمالي، والاستمرار في برنامج إصلاح شاق مطلوب للحفاظ على تدفق أموال "صندوق التعافي الأوروبي".
على المحك أيضاً إرث دراغي، كرئيس للوزراء، بما في ذلك بلوغ إيطاليا لإحدى أعلى معدلات التطعيم في أوروبا، والصورة الدولية المحسنة التي نشأت على أسس تحالف جرى تشكيله حديثاً مع فرنسا.
توقعات بتعافي اقتصاد إيطاليا بأسرع من المتوقع في 2021
في حين أن الانتقال إلى قصر كيرينالي في روما يمكن أن يثبّت دراغي كركيزة للمصداقية لسنوات قادمة، إلا أنه سيجلب المخاطر التي تنبع من التغيير في القيادة.
قال غويدوجورجيو بودراتو، الخبير الاقتصادي في القسم اللندني لـ"بنك بيرنبرغ": "هناك تصور بأن دراغي هو حجر الزاوية لاستقرار الحكومة وأنه مُنفق حكيم لأموال صندوق تعافي الاتحاد الأوروبي... إذا انتقل دراغي إلى دور تشريفي أكثر، فهل سيكون لخليفته النفوذ للحفاظ على مجموعة الأحزاب السياسية المتنافرة والمشاكسة في إيطاليا معاً؟".
[object Promise]تهديد ثقة الأسواق
يبدأ التصويت الرئاسي في البرلمان يوم 24 يناير باستخدام سلسلة معقدة من عمليات الاقتراع السرية التي تشبه مجمع انتخاب البابا.
وبينما لا يوجد مرشحون رسميون، أشار دراغي إلى أنه قد يقبل المنصب إذا جرى انتخابه. وهو يعتبرحالياً الشخص الأوفر حظاً للفوز بالمنصب، على الرغم من أن تقلبات النظام تجعل من الصعب التنبؤ بأي نتيجة.
تتزامن حالة عدم اليقين هذه مع وقت حساس تمر به الأسواق المالية، حيث يستعد البنك المركزي الأوروبي لإنهاء برنامج شراء السندات في الحقبة الوبائية الذي بدأه في مارس 2020 لإبقاء عائدات السندات تحت السيطرة.
دراغي.. مخاطر كامنة تمنع الجد من خدمة إيطاليا وتعضد طموحه في أوروبا
وقد ساعد ذلك بالفعل في دفع الفارق بين عائد السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات وعائد السندات الألمانية بمقدار 30 نقطة أساس منذ منتصف أكتوبر.
تعزز تكاليف الاقتراض المنخفضة هذه ثقة السوق في قيادة دراغي، التي ضمنت تلبية جميع الإصلاحات اللازمة لإطلاق الدفعة الأولى التي تزيد على 200 مليار يورو (226 مليار دولار) من أموال "صندوق التعافي الأوروبي" العام الماضي.
خطط الإصلاح الاقتصادي
يجري التخطيط لمزيد من الإجراءات الملائمة للنمو والتغييرات في نظام المعاشات التقاعدية في بلد لم يتعافَ بعد من الوباء، وعانى طويلاً من البطالة المرتفعة المزمنة، وسوق الوظائف الجامدة، والروتين الذي يعرقل الأعمال التجارية، والحاجة إلى التحديث بمجالات من خطوط السكك الحديدية وصولاً إلى الرقمنة.
إن المزيج المؤلف من أجندة طموحة، وأزمة تكلفة الطاقة الحالية، وحالة السوق غير المستقرة يعني أن تشكيل الحكومة أمر بالغ الأهمية.
أسعار الطاقة ترفع التضخم في إيطاليا لأعلى مستوى لأكثر من عقد
لطالما قال رئيس الوزراء إن الطريقة الوحيدة لكي تقلل إيطاليا ديونها الضخمة أخيراً هي تعزيز النمو بشكل دائم، الأمر الذي تحتاج من أجل الوصول إليه إنفاق أموال الاتحاد الأوروبي بحكمة.
ذكرت صحيفة "لا ستامبا" يوم الجمعة أن إيطاليا تدرس بالفعل إضافة ما يصل إلى 20 مليار يورو إلى عجزها في 2022 لتمويل تحفيز جديد.
إن التحفيز، من بين تدابير أخرى، من شأنه أن يخفف من الضربة التي يتعرض لها المستهلكون من فواتير الطاقة المرتفعة، ويعيد تمويل الأعمال التي تضررت من الارتفاع الأخير في حالات كوفيد.
مخاوف من عدم الاستقرار
أشار قادة الأعمال الإيطاليون إلى أنهم يفضلون بقاء دراغي كرئيس للوزراء. حتى أن كارلو ميسينا، الرئيس التنفيذي للمجموعة المصرفية "إنتيسا سان باولو"، قال في نوفمبر إن رحيله "يمكن أن يضعف بلدنا إلى حد كبير".
إذا انتقل دراغي إلى الرئاسة، فإنه يخاطر بترك فراغ يمكن أن يتفاقم فيه عدم الاستقرار. إذ تظهر استطلاعات الرأي أنه لن يحظى أي حزب سياسي بأغلبية في حالة إجراء انتخابات مبكرة، على الرغم من أن البعض بما في ذلك رابطة "ماتيو سالفيني" المناهضة للمهاجرين حريصون على نجاح ترشيحه على أمل أن يفوزوا بالسلطة.
كانت مدة آخر فترة قضاها حزب "رابطة الشمال" في الحكومة 15 شهراً حتى سبتمبر 2019، وكانت فترة مليئة بالتوترات مع الاتحاد الأوروبي والمشاحنات السياسية المستمرة في الداخل الإيطالي، وهو رقم قياسي قد يثير احتمالية حدوث المزيد من المشاكل في المستقبل.
يمكن أن يساعد دراغي في تجنب أسوأ هذه النتائج حتى لو أصبح رئيساً، وهو منصب من شأنه أن يرسخه كحاكم سياسي لمدة سبع سنوات.
إن مكانته كرئيس سابق لـ"البنك المركزي الأوروبي"– إذ يُنسب إليه الفضل في إنقاذ اليورو - يمكن أن تمنحه الشرعية لاتخاذ نهج أكثر نشاطاً في دور يُنظر إليه تقليدياً على أنه منصب رمزي.
يمكن لرئيس الدولة حل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات مبكرة واختيار رؤساء الوزراء، ويسمح له برفض القوانين والمراسيم على أسس دستورية.
يمكن أن يحاول دراغي ممارسة هذه الصلاحيات ربما حتى لتجنب إجراء انتخابات مبكرة من خلال ترشيح رئيس وزراء تسيير أعمال حتى نهاية المجلس التشريعي في عام 2023.
لكن الجدول الزمني نفسه يظهر المخاطر في كلتا الحالتين. حتى لو لم يصبح رئيساً، فإن بقاء دراغي كرئيس للوزراء قد لا يجلب سوى مهلة محدودة لإيطاليا.
يقول روهان خانا، محلل أسعار الفائدة في"يو بي إس":"سيكون من المؤسف أن تؤدي حالة عدم اليقين السياسي إلى إخراج زخم النمو عن مساره".