في ظل استمرار تجاوز معدل التضخم لنسبة 6%، بجانب التهديدات المحيطة بالأجندة التشريعية للرئيس الأمريكي جو بايدن، يمكن القول إن هذا هو موسم إعادة التفكير فيما حدث.
لذلك؛ أود التركيز على الخطيئة الكبرى فيما ارتكبته إدارة بايدن، بالتعاون مع الأغلبية الديمقراطية المحدودة في الكونغرس، وهي القرار الصادر في فبراير الماضي برفض عرض الجمهوريين في مجلس الشيوخ تمرير مشروع قانون الإغاثة من كوفيد بقيمة 600 مليار دولار، وبدلاً من ذلك المضي قدماً في خطة إنقاذ أمريكية بـ1.9 تريليون دولار، التي وقع عليها بايدن مارس الماضي.
خلاف الديمقراطيين يؤجل خطة بايدن الاقتصادية إلى 2022
حينها، فوجئت برفض البيت الأبيض لخطة الجمهوريين، بل وتفاجأت أكثر من موافقة الديمقراطيين المعتدلين في مجلس الشيوخ على الرفض. لكنها كانت مفاجأة سارة، حيث اعتبرت ذلك إشارة إلى أن التجمع الحزبي الديمقراطي المعتدل، بما في ذلك: كيرستن سينيما، وجو مانشين، كان مستعداً لسن أجندة اقتصادية أكثر جرأة. لكن رغم ذلك، وعند استعادة ما حدث فعلياً، لم يرق الواقع الفعلي إلى حد التوقعات، إذ تولى بايدن رئاسة البيت الأبيض وهو محاط بقدر كبير من حسن النية بين الديمقراطيين، وعندما أخبرهم أن خطة الإنقاذ الأمريكية ضرورية؛ صدقوه.
نتائج عكسية
بدلاً من دعم قوة الدفع اللازمة لتحقيق مزيد من الانتصارات التشريعية، جاءت هذه الخطة بنتائج عكسية.
يشعر العديد من التقدميين بالإحباط لأن مانشين يواصل الإشارة إلى مخاوف التضخم كأحد مصادر قلقه بشأن أجندة مشروع قانون "إعادة البناء بشكل أفضل". بالفعل، وحسبما يجادل المستشار الاقتصادي السابق لأوباما جيسون فورمان، فإن هذه المخاوف في غير محلها. وقد يؤدي مشروع القانون -في أسوأ الأحوال- إلى ارتفاع طفيف في معدلات التضخم على المدى المتوسط، في عالم تكون فيه أسعار الفائدة منخفضة للغاية بالفعل.
كاميلا هاريس: البيت الأبيض لن يستسلم بشأن حزمة "بايدن" الاقتصادية
تكمن المشكلة في أن العديد من الديمقراطيين -باستثناء فورمان حتى أكون منصفاً بحقه- كانوا يقدمون نفس التأكيدات بشأن خطة الإنقاذ الأمريكية. ومن الواضح الآن (خاصة عند مقارنة الولايات المتحدة بأوروبا) أن القانون ساهم بالفعل في تعزيز التضخم.
في الأصل، لا يملك البيت الأبيض أي نفوذ على مانشين، ولم يكن له ذلك مطلقاً. ما يملكه فقط هو حسن النية والمصداقية، لكن الدور الذي لعبه في خطة الإنقاذ الأمريكية قضى على جزءٍ من الاثنين.
فاتورة "ائتمان الأطفال"
إذا تجاوزنا البعد النفسي لذلك، سنجد أن المشكلة الأكبر هنا هي أن الديمقراطيين حصلوا على القليل من المخصصات بشكل مفاجئ مقابل حزمة الـ1.9 تريليون دولار. وذهب جزء كبير من فارق هذه الأموال إلى نسخة موسعة مدتها عام واحد من الائتمان الضريبي للأطفال القابل للاسترداد بالكامل.
كسياسة طويلة الأجل، يعتبر هذا الائتمان الضريبي ممتازاً، حيث يقلل فقر الأطفال إلى النصف تقريباً، ويعالج السياسة الوطنية المخزية طويلة الأمد، المتمثلة في الحرمان المادي واسع النطاق بين الأطفال في واحدة من أغنى البلدان في تاريخ البشرية.
لكن إذا نظرنا للأمر من حيث كونه حافزاً قصير الأجل أو مجرد إغاثة من الوباء، سنجد أن هذا الائتمان لم يكن ضرورياً على وجه التحديد، أو موجهاً بشكل جيد. وإنما جاء كرهان على أنه سيحظى بتأييد كبير بما يكفي للاستمرار في تمديد العمل به، وهذا الرهان لم يؤت ثماره.
متطلبات العمل
يبدو أن مانشين -بشكل خاص- مؤمن بوجهة النظر القائلة بأن المزايا النقدية يجب أن تكون مصحوبة بمتطلبات العمل، وهو موقف مزعج للتقدميين الآن، لكنه ظهر في التيار الديمقراطي السائد في الفترة الأخيرة، على غرار ما شهدته الانتخابات التمهيدية لعام 2020.
في غضون ذلك، كان عامة الناس غير ممانعين لهذه الفكرة. وإذا تم سن مشروع قانون "إعادة البناء بشكل أفضل" بأي صيغة مهما كانت، فمن شبه المؤكد أنه لن يتضمن مداً للائتمان الضريبي للطفل.
كان الفارق الكبير الآخر بين خطة الإنقاذ الأمريكية والمقترح الجمهوري هو رغبة الديمقراطيين في تضمين مئات المليارات من الدولارات لدعم حكومات الولايات والحكومات المحلية.
ظهر هذا الطلب لأول مرة عندما كتب الديمقراطيون "قانون الأبطال" في ربيع 2020، وأصر الجمهوريون على رفضه، ووصفوه بأنه "خطة إنقاذ حكومية زرقاء".
تنبؤات خاطئة
كان الديمقراطيون يستجيبون لواقع أن النقص المالي على مستوى حكومات الولايات والحكومات المحلية شكل عائقاً كبيراً للاقتصاد خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما الأولى، وسعوا لتجنب تكرار هذه النتيجة في مواجهة التوقعات الوخيمة بوقوع كوارث في ميزانية حكومات الولايات والحكومات المحلية بسبب الوباء. لكنهم لم يعدلوا موقفهم عندما ثبت خطأ هذه التنبؤات.
أدت سياسة الاقتصاد الكلي الفعالة، جنباً إلى جنب مع ازدهار أسواق العقارات والأسهم، إلى الحفاظ على قوة إيرادات حكومات الولايات والحكومات المحلية. ومن المفارقات أن أكبر المشاكل كانت في الغالب في الولايات المحافظة التي لا تفرض ضرائب على الدخل، التي انخفض فيها استهلاك أشياء مثل وجبات المطاعم، وظهر ذلك حتى في الولايات التي تطبق إجراءات وبائية أقل تشدداً.
ما التالي في مشروع قانون الديمقراطيين الضخم؟
رغم ذلك، وبشكل عام، فالولايات ما تزال غنية، وفي ولايات مثل تكساس، يتم استخدام أموال الإغاثة من كوفيد لخفض ضرائب الأملاك.
يتمثل الاختلاف الكبير الأخير بين خطة الإنقاذ الأمريكية وخطة الإغاثة الجمهورية في أن الجمهوريين عرضوا شيكات تحفيز أصغر قيمة (1000 دولار مقابل 1400 دولار)، ووسائل اختبار أضيق نطاقاً. وكان من الممكن تماماً أن يضيقوا الفجوة بين الرقمين، وعلى أي حال فإن الأمر صغير نسبياً، مقارنة بالفارق الشاسع بين الطرفين بشأن الائتمان الضريبي للأطفال، ودعم ميزانيات حكومات الولايات والحكومات المحلية.
التقريب بين الحزبين
في ذلك الوقت، كان هذان العنصران يشكلان أهمية بالغة لمعظم التقدميين. لكن لو استرجعنا الأحداث؛ سنجد أن كلاهما لم يكن ليمثل مشكلة كبيرة.
على النقيض من ذلك، لو كان بايدن استطاع التوليف بين مشروعات قوانين الحزبين الخاصة بإغاثة كوفيد، والبنية التحتية (الذي وقع عليه ليصبح قانوناً)، وتمويل العلوم (الذي يُنظر الآن أمام مجلسي النواب والشيوخ)؛ كان سيتمكن من التفاخر الآن بأنه أوفى بوعده بعيد الاحتمال بتوحيد البلاد. ربما كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيتباطأ وقتها إلى حد ما، مع تدفق أموال أقل، لكن التضخم كان سيتراجع بدوره أيضاً.
تفاصيل خطة بايدن الاقتصادية بعد تمريرها في مجلس النواب
على الرغم من أن نجاح توحيد الحزبين كان سيؤدي على الأرجح إلى تقويض الاهتمام بدفع مشروع قانون "إعادة البناء بشكل أفضل" المدعوم من حزب واحد فقط، إلا أن مانشين غالباً كان سيشعر بارتياح أكبر نحو البيت الأبيض في مناخ يتسم بانخفاض التضخم، وتوقعات اقتصادية أكثر اعتدالاً. بالطبع لم يكن سيصدر الائتمان الضريبي المؤقت للأطفال لمدة عام واحد في هذه الحالة، لكن على أي حال، وفي ضوء ما تم إقراره حالياً، أصبح الائتمان بصدد انتهاء صلاحيته.
أغلبية هشة
الأهم من ذلك كله، لو كان توقيع بايدن الأول على مشروع القانون لصالح تشريع إغاثة من الحزبين؛ لكان قدم توقعات أكثر ملامسة للواقع من إدارته، حيث فاز الرئيس الأمريكي في الانتخابات بهامش قوي ولكن غير مدهش، وكان فارق فوز الديمقراطيين بانتخابات الكونغرس أقل قليلاً من أرقامه، مما أعطى الحزب أغلبية محدودة للغاية.
لو اعتمدنا على المقارنة بالأرقام، سنجد أنه لم يكن متوقعاً حصول بايدن والديمقراطيين على مكاسب تشريعية كبيرة تعادل ما حققه الرئيس الأمريكي الراحل ليندون بينز جونسون.
البيت الأبيض يؤكد مواصلة بايدن لجهود تمرير خطته الاقتصادية
كان الديمقراطيون على استعداد لتجاهل إمكانية الشراكة بين الحزبين، سعياً وراء تشريعات بعيدة المدى، مما يشير إلى أنهم كانوا متأهبين للقتال من أجل المزيد من الإنفاق الاجتماعي، بالرغم من أغلبيتهم المحدودة. هذا الاستعداد يبدو الآن كحماقة. فالمشقة الحالية تعكس الواقع السياسي الكامن بشكل أكبر، ومن شبه المؤكد أن بايدن وحزبه كانوا سيصبحون اليوم أفضل حالاً لو اعترفوا بهذه الحقيقة منذ البداية.