لقد كان 2020 الذي أوشك على الانتهاء عاماً مضطرباً في الأسواق العالمية التي دمَّرها الفيروس، لكنَّ المستثمرين في تركيا واجهوا الكثير من الأحداث غير المتوقعة أكثر من معظم المستثمرين.
وكان هبوط الليرة الأشد حدَّة في الأسواق الناشئة بعد البيزو الأرجنتيني، وتسببت الجهات التنظيمية في قلق المستثمرين بسبب التدخل في السوق، بما في ذلك القيود على البيع على المكشوف، التي ساعدت على تحفيز التدفقات المالية القياسية للخارج.
وكانت المخاطر الجيوسياسية وفيرة أيضاً، من خلال موقف تركيا من التنقيب عن الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، والصراعات في سوريا، وليبيا، وبين أرمينيا وأذربيجان، وقيامها بشراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس-400".
وحدثت أكبر صدمة على الإطلاق في نوفمبر، مع إعلان تركيا عن إصلاح شامل للإدارة الاقتصادية مصحوباً بالتزام باتخاذ قرارات مواتية للمستثمرين.
وقال أوجيداي توبكولار مدير المحافظ الاستثمارية في " أر ايه إم كابيتال إس أيه RAM Capital SA"، إنَّه بعد التطورات غير المتوقَّعة المتعددة في 2020، فإنَّ ما تحتاجه تركيا والمستثمرون بعد ذلك، يتحدد في السياسات الااقتصادية القوية، والعلاقات الدولية الجيدة، واستقلالية البنك المركزي.
وأضاف توبكولار: "حتى لو تمَّ تطبيق تلك العوامل، فالأمر يحتاج إلى عملية طويلة الأمد، وجهد مستمر لتعويض الضرر الذي أصاب المصداقية .. سيكون عام 2021 في الغالب حول إجراءات المتابعة بعد الوعود الأخيرة".
و نغرض في الآتي بعض المجالات ذات الأهمية الرئيسية لمديري الأموال والاستراتيجيين إزاء تركيا في عام 2021:
سياسة البنك المركزي
وعد الرئيس رجب طيب أردوغان باستعادة ثقة المستثمرين بعد رحيل صهره وزير الخزانة التركي بيرات البيرق، وإقالة محافظ البنك المركزي مراد أويسال، حتى لو كان ذلك يعني ابتلاع " الدواء المر".
وأدى ذلك إلى ارتفاع الأصول التركية، لكنَّ المستثمرين سيظلون متشككين على المدى القريب، ويرغبون في رؤية "إجراءات مستمرة بدلاً من الأقوال"، إذ تظلُّ الاختلالات الكلية مصدر قلق، وفقاً لـِ بول جرير، مدير المحافظ الاستثمارية في " فيديليتي انترناشيونال Fidelity International " بلندن.
وقال كريستيان ماجيو، رئيس قسم الأسواق الناشئة في " تي دي سيكوريتيز TD Securities" بلندن، إنَّ المستثمرين يشعرون بالقلق إزاء التحولات في السياسة النقدية والمالية بتركيا خلال السنوات الأخيرة.
وقد يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة بشكل أكبر في إجراء تقليدي لمواجهة التضخم.
لكنَّ ماجيو قال: "في النهاية، أعتقد أنَّ الرئيس أردوغان سيحاول إعادة ضبط السياسة النقدية" لتكون ملائمة ومشجعة للنمو، حتى لو كان هذا يهدِّد استقرار الأسعار على المدى الطويل. وتوقَّع ماجيو أن يلاحظ المستثمرون تغييراً في اتجاه السياسة في النصف الثاني من عام 2021.
إعادة بناء الاحتياطيات
أنفقت تركيا أرصدتها من العملات الأجنبية بشكل أسرع من أيِّ اقتصاد نامٍ رئيسي آخر خلال 2020، وكان تراجع الاحتياطيات الدولية إلى أدنى مستوى في 15 عاماً السبب الرئيسي لتراجع الليرة. ويتطلب إعادة بناء الاحتياطيات الدولية، إما أسعار فائدة أعلى، أو رفع معنويات المستثمرين، بما يحفِّز تدفقات رأس المال الأجنبي.
وقال فونيكس كالين، مدير استراتيجية الأسواق الناشئة في بنك "سوسيتيه جنرال" بلندن، إنَّ السلطات التركية قد تركز على إعادة بناء الاحتياطيات خلال فترات قوة الليرة، وعلى إصلاح الثقة مع المستثمرين من خلال الخفض المنظم في محاولة جذب أموال الحافظة.
التضخم
ظلَّ معدَّل التضخم بأكثر من 10% على مدار 2020، بسبب الليرة الضعيفة ، وارتفع أكثر من المتوقَّع في نوفمبر، مما زاد الضغط على محافظ البنك المركزي الجديد ناجي إقبال لمواصلة تشديد السياسة النقدية (رفع أسعار الفائدة).
وقال كريستيان ماجيو، رئيس قسم الأسواق الناشئة في " تي دي سيكوريتيز" :" التضخم لا يزال شوكةً في " جسد " الاقتصاد التركي" ، واستقلال البنك المركزي،
لا ينبغي لأحد أن يأخذه كأمر مسلَّم به .. سنراقب عن كثب مدى جهوده لإعادة التضخم نحو المعدَّل المستهدف".
القضاء على الدولرة
يرتبط التحول إلى الدولار بعيداً عن الليرة التركية، بشكل وثيق بالقلق من التضخم، ولذا يفضّل الأتراك الأصول المقومة بالدولار لحماية مدخراتهم.
وبحلول الرابع من ديسمبر، ارتفعت ودائع المقيمين الأتراك بالعملات الأجنبية بنسبة 19% تقريباً هذا العام إلى 231 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي، مقابل صعود بنسبة 20% في عام 2019 ، حتى عندما حثَّ أردوغان المواطنين على استخدام العملة المحلية في المعاملات والاستثمار.
ومع وجود فريق اقتصادي جديد وتفاؤل بشأن تحسُّن معنويات المخاطرة العالمية، هناك شيء آخر يمكن أن يساعد العملة المحلية، بحسب ما قال بيوتر ماتيس المحلِّل الاستراتيجي في "رابوبنك".
وأضاف ماتيس "العنصر المفقود الذي من شأنه أن يمنح الليرة زخماً صعودياً أقوى هو جني الأرباح من المراكز الطويلة بالدولار الأمريكي بين الأسر والشركات التركية".
ومع ذلك ، من غير المرجَّح أن يخفف الأتراك تخليهم عن العملة الصعبة، بما أنَّ لديهم شكوكاً حول استقرار السياسات الحكومية، كما قال محمد غيرز، كبير مسؤولي الاستثمار في " عطا بورتفوي Ata Portfoy".
العلاقات الأمريكية التركية
وقال هنريك جولبرج ، خبير الاقتصاد الكلي للأسواق الناشئة في " كوكس بارتنرز ليمتد Coex Partners Ltd" بلندن، إنَّ الخلاف الأكبر الذي يؤدي إلى تفاقم العلاقات بين أنقرة وواشنطن يمكن أن " يبدد الفوائد التي تجلبها السياسة النقدية الأكثر تقليدية".
وتوترت العلاقات بين الدولتين الحليفتين في حلف شمال الأطلسي"ناتو" بسبب شراء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخية " إس-400 "، وسجن قس أمريكي، والعقوبات الأمريكية ضد أنقرة المعلنة هذا الأسبوع، وقضية جنائية في نيويورك ضد بنك تركي مملوك للدولة.
وبدا الرئيس دونالد ترمب وأردوغان على علاقة طيبة، إلى أن وقَّع الأخير على الإجراءات ضد تركيا.
وصف الرئيس المنتخب جو بايدن أردوغان بأنَّه "مستبد" وقال إنَّ الولايات المتحدة يجب أن تدعم المعارضين الذين يسعون للإطاحة به في صناديق الاقتراع. ومع ذلك ، فإنَّ ماتيس من " رابو بنك" من بين الذين لا يتوقَّعون أن يتبنى بايدن على الفور موقفاً عدائياً. وقال ماتيس: "من المعقول أن نفترض أنَّه في بداية رئاسته، سيعطي بايدن الدبلوماسية فرصة أخرى".
اللقاح والسياحة
وتراجعت أعداد السياح الأجانب الوافدين إلى تركيا بأكثر من 70% على أساس سنوي في الأشهر العشرة الأولى من عام 2020 ، بحسب أرقام وزارة السياحة.
وقال أونور إيلجن، رئيس الخزانة في "بنك إم يو إف جي MUFG Bank Turkey" بتركيا، إنَّ هناك حاجة ماسة إلى الأخبار السارة حول كوفيد-19 وعلاجه، مضيفاً أنَّ الاستخدام الفعَّال للقاحات، وتباطؤ الوباء سيكونان من العوامل المهمة للاقتصاد الكلي.
ومن جهته، قال فيكتور زابو، كبير مديري الدخل الثابت في "أبردين أسيت مانجمنت" بلندن، إنَّ توفُّر اللقاحات قد لا ينقذ الموسم السياحي المقبل، "ولكن هناك احتمال لمفاجأة صعودية".