تظاهر عشرات الآلاف من الأرجنتينيين أمس السبت ضد إعادة التفاوض بشأن الديون التي تحاول حكومتهم الحصول عليها من صندوق النقد الدولي، وتثير مخاوف لديهم من دمار اجتماعي ما زالوا يتذكرونه، نجم عن خطط إصلاح سابقة.
واجتاح متظاهرون من منظمات يسارية راديكالية، وطلاب، ونقابات السبت ساحة مايو التي يعبّر فيها السكان تاريخياً عن فرحهم أو غضبهم أمام القصر الرئاسي، رافعين لافتات، ومرددين هتافات من بينها "لا لصفقة مع صندوق النقد الدولي"، و"الدين للشعب وليس لصندوق النقد الدولي"، و"تسديد الدين هو تصحيح".
اقرأ أيضاً: في انتصار للأرجنتين.. بيان مجموعة العشرين يتناول الرسوم الإضافية لصندوق النقد
بين الموسيقى، وإطلاق الدخان، والمفرقعات النارية التي تصم الآذان، ودخان بائعي المشاوي في الشارع؛ هاجم المتظاهرون صندوق النقد الدولي، وكذلك حكومة يسار الوسط المتهمة بالموافقة على الاستدانة لتسوية ديونها البالغة 44 مليار يورو بحلول 2024.
في المقابل ستتبنى الحكومة سياسة ميزانية صارمة في بلد يشكل فيه الفقراء 40% من السكان.
قالت آنا كريستينا خايمي (70 عاماً) لوكالة "فرانس برس" بغضب: "إنَّه لأمر مروع أن نرى في المستشفيات أطفالاً ببطون صغيرة منتفخة من الجوع. هذا موجود اليوم في الأرجنتين!".
اقرأ المزيد: صندوق النقد الدولي يرفض إعفاء الأرجنتين من رسوم قرض
ملاحقة رؤوس الأموال الهاربة
وأضافت أنَّ هذا الوضع "يتكرر كل ثماني أو تسع سنوات، و(يتم بيعنا) لصندوق النقد الدولي". وتابعت أنَّ "الخيار الوحيد الذي أراه هو عدم الدفع بل ملاحقة رؤوس الأموال التي فرت إلى الخارج. يجب على هؤلاء أن يدفعوا".
طوال الأسبوع عقد وفد أرجنتيني (حكومي ومن المصرف المركزي) اجتماعات في واشنطن مع فريق من صندوق النقد الدولي. بحلول نهاية العام؛ سيكون على السلطة التنفيذية أن تقدِّم إلى البرلمان "برنامجاً اقتصادياً لسنوات عدة" يمكن أن يصادق عليه الصندوق.
في ختام جولة المحادثات قال صندوق النقد الدولي في بيان الجمعة، إنَّ "المزيد من المناقشات" مطلوبة قبل التوصل إلى اتفاق.
كان حشد أكبر قد تجمّع مساء الجمعة في ساحة مايو، لكنَّه ضم قطاعات قريبة من الحكومة البيرونية، للاحتفال في حفل موسيقي بالذكرى الثامنة والثلاثين لعودة الديموقراطية في الأرجنتين بعد الحكم الديكتاتوري (1976-1983).
طالع المزيد: الأرجنتين تشدد قواعد سوق الصرف للحد من تدفق الدولار للخارج
حنين إلى الديموقراطية
في القصر الرئاسي، اجتمع الرئيس الحالي ألبرتو فرنانديز، والرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (المرشح المحتمل للرئاسة في 2022)، ورئيس الأوروغواي خوسيه "بيبي" موخيكا.
وكان موضوع المساء، مسألة "الحنين" بحسب ماذكر لولا إلى "عصر أفضل للديموقراطية" في أمريكا الجنوبية، عندما كانت سلطات تنفيذية تنتمي إلى يسار الوسط أو الاشتراكية أو البوليفارية تحكم من سانتياغو إلى كراكاس في العقد الأول من القرن 21. لكن هنا لا شكَّ أبداً في العدو الذي يرد اسمه في كل الخطب؛ صندوق النقد الدولي.
اقرأ أيضاً: وفاة كارلوس منعم الزعيم الأرجنتيني الذي كبح جماح التضخم عن 90 عاماً
علا تصفيق حاد عندما قال ألبرتو فرنانديز، إنَّ "التعديلات (الهيكلية) في الأرجنتين تنتمي إلى التاريخ"، وإنَّ تسديد الدين "لن يكون على حساب الصحة، والتعليم العام، والرواتب، والمعاشات التقاعدية"، وإنَّ حرصنا على التأكيد بأنَّنا "سنتحمل التعهدات التي قطعها آخرون"، أي القرض الذي حصل عليه سلفه ماوريسيو ماكري (2018).
كان التصفيق أكثر حرارة عندما دانت كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، رئيسة الدولة من 2007 إلى 2015، ونائب الرئيس الحالية والتي ما زالت تتمتع بشعبية كبيرة، صندوق النقد الدولي "الذي يتحكم بالحياة منذ فترة طويلة في الأرجنتين".
قالت متوجهة إلى الرئيس فرنانديز: "ليساعدنا صندوق النقد الدولي على استرداد مليارات الدولارات التي لا تفتقر إليها الأرجنتين، بل نقلها (أرجنتينيون) إلى ملاذات ضريبية! فلتكن هذه نقطة تفاوض مع الصندوق".
طالع المزيد: الأرجنتين تسعى لتجنب التعثر عن سداد ديون حان أجلها لـ"نادي باريس"
الأزمة الكبرى
تجري هذه المفاوضات بينما يحل موعد الذكرى السنوية لـ"الأزمة الكبرى" التي هزت البلاد في ديسمبر 2001.
فقد أدى الانفجار الاجتماعي للأرجنتين التي كانت عالقة بين هرب رأس المال، وأزمة سيولة، بعد سنوات من خطط التقشف بناء على طلب صندوق النقد الدولي، إلى أعمال شغب ونهب وعنف أفضت إلى سقوط نحو أربعين قتيلاً.
قال البستاني خوان سوتو (30 عاماً): "أتذكر جيداً عام 2001.. نهب سوبرماركت على زاوية شارعي، وكان الناس بلا عمل، وكان الجوع".
وأضاف أنَّ "التاريخ يعيد نفسه كما تعلم. إذا كان هناك اتفاق (مع صندوق النقد الدولي)، فهناك تصحيح. ولكن من يصحح؟ العمال، الفقراء، الذين يخرجون من وباء ضاع بسببه الكثير من الوظائف؟".