أعلنت المملكة العربية السعودية موزانة العام الجديد 2021، التي جاءت بتقديرات متفائلة بعودة النشاط الاقتصادي للتعافي من الآثار السيئة لجائحة فيروس كوفيد-19 التي أطاحت بالأخضر واليابس العام الجاري؛ في حين تمكَّنت المملكة من الحفاظ على اقتصادها من الانكماش الحاد الذي عانت منه أكبر اقتصادات بالعالم، ووصل إلى 10% في عدد من الدول.
وشدَّدت الحكومة السعودية في بيان موازنة العام المقبل 2021 على أنَّها "لن تقترب" من سقف الدين الذي سبق أن رفعته من30% إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
تراجع متوقع للديون مع انخفاض العجز
وبحسب تقديرات موازنة 2021، سيرتفع الدين مع نهاية العام الحالي بقيمة 176 مليار ريال ليسجل 854 مليار تشكل 34.3% من الناتج المحلي الإجمالي؛ قبل أن تنخفض نسبته إلى 32.7% مع تسجيله 937 مليار ريال بنهاية العام المقبل.
وستأتي زيادة الدين العام في السعودية خلال العام 2021 لتمويل عجز الموازنة الذي يُقدَّر بـ141 مليار ريال مقارنةً بـ298 مليار ريال متوقَّعة في ميزانية العام الجاري؛ إذ يُنتظر أن تبلغ نفقات الموازنة 990 مليار ريال مقابل 849 مليار ريال إيرادات متوقعة، بحسب المرسوم الملكي الذي أصدره العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اَل سعود أمس الثلاثاء.
توقعات حكومية متحفظة لمعدل زيادة الإيرادات
قدَّرت المملكة الإيرادات في العام المقبل بنحو 849 مليار ريال بارتفاع نسبته 10.3% بالمقارنة مع إيرادات العام الجاري 2020 التي يتوقَّع أن تبلغ حوالي 770 مليار ريال.
إلا أن شركة بلتون المالية قالت، عقب إعلان الميزانية، إنها تتوقع أن يبلغ عجز الموازنة السعودية 126 مليار ريال، بنسبة 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بتقديرات الحكومة البالغة 141 مليار ريال؛ حيث تفترض تقديرات بلتون ارتفاع إجمالي الإيرادات بنحو 30% لتسجل 969 مليار ريال مقابل 849 مليار ريال تتوقعها الحكومة السعودية بزيادة 10.3% فقط عن 2019.
بلتون: الضرائب والجمارك ورسوم الوافدين والنفط تدعم زيادة الإيرادات
وتوقعت بلتون أن تبلغ إيرادات المملكة 969 مليار ريال سعودي في عام 2021، أي بارتفاع 14% عن الإيرادات المقدّرة في الميزانية،
نظراً لارتفاع متحصلات الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 67% على أساس سنوي مسجلة 250 مليار ريال سعودي وارتفاع الرسوم الجمركية بنسبة 30% مسجلة 23 مليار ريال ، أي بزيادة عن المقدّر في الميزانية عند 209 مليار ريال و 17 مليار ريال على الترتيب.
أضافت أنها تأخذ في اعتبارها تقديرات زيادة رسوم الوافدين اعتباراً من عام 2020 لتصل إلى 700 ريال شهرياً للعامل الوافد، فضلاً عن أثر الزيادة السنوية لضريبة القيمة المضافة إلى 15% والزيادة التي تم فرضها للرسوم على الواردات والتي تصل إلى 25% اعتباراً من نهاية يونيو 2020 على سلع معينة.
وتوقعت ارتفاع إيرادات البترول بنسبة 21% على أساس سنوي إلى 514 مليار ريال بناءً على السعر المقدّر للبترول عند 55.2 دولار للبرميل، مقارنة بالتقديرات الحكومية المتحفظة عند سعر أقل من 50 دولار للبرميل.
السعودية من أقل دول مجموعة العشرين ديوناً
كما تتوقَّع وزارة المالية السعودية أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي مجدداً إلى 33.3% في 2022 مع تخطي حجم الدين حاجز التريليون ريال لأول مرة مسجلاً 1.011 تريليون، قبل أن تنخفض النسبة إلى 31.7% مع نهاية العام 2023، وفق الزيادة المتوقَّعة في حجم الناتج المحلي مقابل ارتفاع طفيف في حجم الدين ليبلغ 1.026 تريليون ريال.
وبالرغم من ذلك تعدُّ المملكة العربية السعودية من أقلِّ دول مجموعة العشرين من ناحية نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلي، التي تتخطى حاجز 100% في عدد كبير منها.
وقالت وزارة المالية السعودية في بيان الميزانية، إنَّه: "بالرغم من تعديل سقف الدين العام إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن علــى المـدى المتوسـط لا يُسـتهدف الاقتـراب مـن هـذا السـقف، وليـس فقـط عـدم تجـاوزه".
وعلى الرغم من التأثيرات الكارثية لجائحة فيروس كورونا على اقتصاديات دول العالم، وفي مقدمتها الاقتصادات المتقدمة والناشئة، والتوقعات المتشائمة لصندوق النقد الدولي لانكماش هذه الاقتصادات بمعدلات تتخطى 10% في بعض الحالات، إلَّا أنَّ السعودية تمكَّنت من حماية اقتصادها لينكمش مع نهاية العام الحالي بمعدل 3.7% فقط، بعد أن اتخذت عدَّة إجراءات، وأنفقت نحو 200 مليار ريال لتحفيز الاقتصاد.
ومن المنتظر أن تحصل الميزانية السعودية في 2021 على دعمٍ من الإيرادات غير النفطية، التي حقَّقت قفزة خلال العام الحالي لتبلغ 358 مليار ريال دفعة واحدة، وشكَّلت 46.5% من إجمالي الإيرادات في أكبر دولة مصدِّرة للنفط بالعالم.
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً : "في حال لم نقم برفع الإيرادات غير النفطية إلى نحو 360 مليار ريال هذا العام، ولو بقينا على مستويات 2015 المقدَّرة بـ100 مليار ريال تقريباً، لاضطررنا إلى تخفيض الرواتب للعاملين في القطاع العام بما يزيد عن 30%، وإلغاء البدلات والعلاوات بالكامل، وإيقاف الإنفاق الرأسمالي بالكامل، وعدم القدرة على تشغيل وصيانة أصول الدولة بالشكل المناسب، ولتوقفنا حتى عن دعم بند نفقات التمويل".
التضخم يرتفع بضغط من القيمة المضافة والجمارك
لكنَّ عدداً من الإجراءات التي ساهمت في زيادة الإيرادات غير النفطية، ومنها ضريبة القيمة المضافة، دفعت معدَّل التضخم للارتفاع. وتشـير توقُّعـات وزارة المالية إلـى تسجيله 3.7% خلال 2020 مقارنة بانكماشه 2.1% في العام الماضي، كمحصلـة لتأثيـرات مختلفـة علـى جانبـي العـرض والطلـب، مثـل رفـع نسـبة ضريبـة القيمــة المضافــة إلــى 15% بالإضافــة إلــى زيــادة الرسـوم الجمركيـة علـى بعـض المنتجـات، وذلك في مقابل توقُّعات صندوق النقد الدولي بتسجيل التضخم 0.8% في الدول المتقدمة، و5% في الدول الناشئة والنامية مع نهاية العام الحالي.
ومن المرجَّح أن ينخفض التضخم في العام 2021 إلى 2.9% بافتراض تلاشي أثر هذه الإجراءات، على أن يواصل التراجع إلى 2% في 2022، و2023.
نفقات التمويل.. صعود متواصل
في العام الحالي، ارتفعت نفقات التمويل في ميزانية السعودية 46.7% لتسجِّل 31 مليار ريال، نتيجـة زيـادة رصيـد الديـن، على أن تواصل الصعود إلى 37 مليار ريال في العام المقبل 2021 عندما يسجل الدين 937 مليار ريال.
ووفقاً لبيان الميزانية السعودية، مـن المتوقـَّع أن يتـمَّ إصـدار ديـون بقيمة 220 مليار ريال فـي العام الحالي، بارتفاع 100 مليار ريال عن الخطَّــة المعتمــدة، وتشمل ســـداد مدفوعـــات أصـــل الديـــن بحوالـــي 44 مليار ريال.
وتصاعد إصدار الديون في السعودية خلال العام الحالي بسبب الهبوط الذي تعرَّضت له الإيرادات النفطية، في ظلِّ انخفاض الطَّلب خلال العام، وانهيار الأسعار في مطلع الربع الثاني من 2020.
ماذا يفعل انخفاض النفط في ميزانية السعودية؟
قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، إنَّ انخفاض متوسط أسعار النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل؛ سيؤدي إلى زيادة بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي في العجز المالي. في حين أنَّ انخفاض الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً سيؤدي إلى زيادة العجز بنسبة 2% من إجمالي الناتج المحلي.
وقدَّرت "فيتش" سعر النفط الذي يحقق التعادل لميزانية المملكة العربية السعودية بمتوسط 67 دولاراً للبرميل في 2020-2022.
وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بلغت إصدارات الدين السعودية حوالـي 207 مليـــارات ريـــال، وقد شـكَّلت الإصـدارات المحليـة منهـا 78.3% مقابل 21.7% إصـدارات دوليـة.
وبذلك، باتت الديون المحلية تشكل 58.7% من إجمالــي محفظــة الديــن العــام، في حين تبلــغ الديــون الخارجيــة 41.3% حتــى شــهر سـبتمبر الماضي.
تنويع مصادر التمويل
تقـوم سياسـة التمويـل التـي تتبعهـا وزارة الماليـة علـى تنويـع مصـادر التمويـل بيـــن خيـارات إصدارات الدين، والسحب مـن الاحتياطيات الحكوميـة، وذلـك لتمويـل عجـز الميزانيـة والاحتياجات التمويليـة الأخرى خلال العام.
وهبطت الاحتياطيات الحكومية لدى البنك المركزي السعودي خلال العام الجاري بقيمة 124 مليار ريال دفعة واحدة، وذلـك لتغطيـة مـا تبقَّـى مـن الاحتياجـات التمويليـة لسدِّ عجـز الميزانيـة، وبعـض القـروض التابعـة لخطـة تحفيـز القطـاع الخــاص، لتصل إلى 346 مليار ريال مع نهاية العام بدلاً من 470 مليار ريال في العام الماضي 2019.
وتوقَّعت وزارة المالية أن تنخفض الاحتياطيات الحكومية لدى المركزي السعودي بقيمة 74 مليار ريال مجدداً مع نهاية العام المقبل 2021، لتصل إلى 265 مليار.
استغلال انخفاض تكلفة الاقتراض العالمية
من جهتها، قالت شركة "بلتون المالية القابضة" في تقريرها السنوي عن اقتصاديات المنطقة في العام الجديد، إنَّها راجعت تقديراتها للدين العام السعودي ليبلغ 823 مليار ريال (219.6 مليار دولار) مع نهاية العام الحالي ليشكل 31.5% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس عجز ميزانية أضيق قليلاً مما كان متوقَّعاً سابقاً.
ولاحظت بلتون أنَّ الحكومة السعودية أصدرت ديوناً بقيمة 113 مليار ريال (30 مليار دولار) خلال 9 أشهر من 2020، تضمَّنت 49.3 مليار ريال (13 مليار دولار) صكوكاً محلية، و64 مليار ريال (17 مليار دولار) سندات دولية بالاستفادة من انخفاض تكاليف الاقتراض العالمية.
إنفاق السعوديين مرشح للارتفاع في 2021
تراجع الإنفاق الاستهلاكي لسكان المملكة العربية السعودية بنحو 13% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي إلى 785.5 مليار ريال، نظراً لجملة من العوامل تتمثَّل في التداعيات السلبية لجائحة كورونا على الدخل، والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهته، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، وزيادة الرسوم الجمركية على عدد من السلع، وفرض 5% ضريبة تصرفات عقارية.
إلا أنَّ شركة "بلتون" المالية، توقَّعت أن يقبل السعوديون على الإنفاق الاستهلاكي خلال 2021 بعد تراجع خطر فيروس كوفيد-19، وبسبب عدد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية؛ من بينها تدابير الدعم الحكومية الأخيرة، وإعانات الأجور، وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 4 آلاف ريال ضمن برنامج نطاقات.
وأكَّدت وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني السيادي للمملكة العربية السعودية "A- / A-2" مع نظرة مستقبلية مستقرة؛ في حين خفَّضت وكالة "فيتش" للتصنيفات المستقبلية التوقُّعات للمملكة إلى سلبية، لكنها حافظت على التصنيف الائتماني السيادي عند "A".
البيانات الحكومية تخالف توقعات "فيتش" نسبياً
وفي منتصف نوفمبر المنصرم، أرجعت "فيتش" خفض نظرتها للاقتصاد السعودي إلى سلبية بسبب توقعاتها باتساع عجز الميزانية الحكومية إلى 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، من 4.5% في عام 2019، وبضغط من انخفاض بنسبة 33% في الإيرادات النفطية، وانخفاض بنسبة 5% في الإيرادات غير النفطية، وزيادة الإنفاق بنسبة 1% بالمقارنة مع عام 2019.
ولكنَّ البيانات التي أعلنتها المملكة خالفت توقُّعات "فيتش" نسبياً؛ إذ أعلنت الحكومة أنَّ عجز الموازنة سيبلغ 12% مع نهاية العام بدلاً من 6.4% في تقديراتها للموزانة قبل العمل، في حين ارتفعت الإيرادات غير النفطية بنسبة 7.8%.
في الوقت نفسه، أكَّدت "فيتش" أنَّه بالرغم من ذلك، ستظل المالية العامة السعودية أقوى من معظم الحكومات من الفئة "أ". وتوقَّعت الوكالة أن يصل الدين الحكومي إلى حوالي 35% من الناتج المحلي الإجمالي مع حلول نهاية عام 2020، و 41% مع حلول عام 2022. كما توقَّعت أن ينخفض الاحتياطي الحكومي، المكون من ودائع في البنك المركزي السعودي إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي مع حلول نهاية عام 2020، و12% في عام 2021.