يمهد جيروم باول -من خلال سحب أسرع لبرنامج التحفيز- الطريق أمام "احتياطي فيدرالي" أكثر مرونة في عام 2022، وهو يرغب في رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع من المتوقَّع إذا استمر التضخم، أو يتراجع إذا تفاقم الوباء.
استجاب باول، الذي جرى اختياره مؤخراً كرئيس لأربع سنوات أخرى، للقراءات الساخنة حول الاقتصاد التي فاجأت المسؤولين، بما في ذلك مؤشرات انتشار التضخم، ومحدودية المعروض من العمالة برغم انخفاض البطالة.
يمكن للمستثمرين توقُّع اتصالات مكثفة من الاحتياطي الفيدرالي بشأن آفاق متطورة للتوظيف والتضخم، والتي تؤكد على المرونة وسط حالة عدم اليقين بشأن الوباء، وسلالات الفيروسات الجديدة.
لا يعد التطبيع التدريجي للغاية الذي ميز تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن التحفيز بعد الأزمة المالية في عامي 2008-2009 نموذجاً لهذا الاحتياطي الفيدرالي، الذي يواجه أمراً لم يضطر صانعو السياسة إلى مواجهته منذ عقود: أي "النمو المزدهر، وارتفاع الأسعار".
أخيراً.. "التضخم ليس مؤقتاً"
قالت آنا وونغ، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في "بلومبرغ إيكونوميكس"، والموظفة السابقة في مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي: "إنَّهم يتغيرون. ما نراه هو زيادة وزن الجزء التقديري من صنع السياسة، نظراً إلى الأخطاء الكبيرة في التنبؤات بشأن التضخم".
قال باول للمشرِّعين الأمريكيين، الأسبوع الماضي، إنَّ الوقت قد حان لإحالة وصف الاحتياطي الفيدرالي للتضخم المرتفع بأنَّه "مؤقت" إلى التقاعد، وهو الموقف الذي تمسك به بشدة خلال معظم عام 2021، والذي تركه يوزع التحفيز حتى عندما دعا بعضهم إلى التراجع مع تسارع التضخم.
خلال جلسات الاستماع التي سمع فيها إلى شكاوى من الحزبين حول أضرار الأسعار المرتفعة، قال أيضاً، إنَّ المسؤولين الذين سيجتمعون في الفترة من 14 إلى 15 ديسمبر سينظرون في إنهاء العمل ببرنامج شراء الأصول الخاص بهم قبل بضعة أشهر مما كان مخططاً له عند منتصف عام 2022.
كما أنَّهم سيُصدرون توقُّعات جديدة بشأن الفائدة، الأمر الذي شهد في سبتمبر انقسامهم بالتساوي حول رفع أسعار الفائدة في العام المقبل.
رفع الفائدة
إنَّ محور السياسة العامة، الذي يأتي قبل الاجتماع بوقت قصير، قد دفع بالفعل بعض المحللين إلى تعزيز توقُّعاتهم لأسعار الفائدة في العام المقبل.
كتب كريشنا جوها، وبيتر ويليامز من "إيفر كور" في مذكرة يوم الجمعة الماضي: "إنَّنا ننتقل إلى خط أساس من ثلاثة ارتفاعات لعام 2022 مع زيادة 25 نقطة أساس في يونيو وسبتمبر وديسمبر".
قد يعتمد هذا المسار على تأثير سلالة "أوميكرون" المتحوِّرة من فيروس كورونا. في تقرير صدر في عطلة نهاية الأسبوع؛ خفّض الاقتصاديون في مجموعة "غولدمان ساكس" توقُّعاتهم للاقتصاد الأمريكي هذا العام والعام المقبل بعد أن قرروا أنَّ انتشار السلالة الجديدة من شأنه أن يُشكِّل عائقاً "هبوطياً متواضعاً" في وجه النمو.
تستجيب إشارة باول، بعد أسابيع فقط من اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في الثاني والثالث من نوفمبر الذي جرى الإعلان فيه عن التخفيض التدريجي، للتعافي الاقتصادي الذي فاجأ المسؤولين في كل منعطف. وقد تكثَّف ذلك في الأيام التي سبقت القرار وبعده بفترة وجيزة.
ارتفعت تكاليف التوظيف بوتيرة قياسية، وفقاً لبيانات قبل أيام فقط من اجتماع المسؤولين. وبعد أسبوع، أظهر تقرير حكومي أنَّ أسعار المستهلكين ارتفعت في أكتوبر بأسرع وتيرة في ثلاثة عقود.
جاء تقرير الوظائف لهذا الشهر قوياً أيضاً. لكنَّ سوق العمل استمرت في استيعاب عدد عمال أقل مما كان متوقَّعاً، برغم التوفر الواسع للقاحات فيروس كورونا، وإعادة فتح المدارس.
الطلب الأساسي قوي؛ فقد ارتفعت مبيعات التجزئة في أكتوبر إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 7 أشهر، مع بقاء تقديرات النمو في الربع الأخير قوية.
تراجع باول عن وصف التضخم بـ"المؤقت" هو مجرد بداية
التخلص من التحفيز سريعاً
بدأ مسؤولون آخرون في الاحتياطي الفيدرالي باقتراح الحاجة إلى إزالة دعم السياسة بشكل أسرع بعد فترة وجيزة من إعلان التناقص التدريجي.
قال نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، ريتشارد كلاريدا، والحاكم كريس والر، ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي- الذين يكونون عادة من حمائم السياسة- إنَّهم منفتحون على إزالة دعم السياسة بشكل أسرع.
وقال جيمس بولارد من سانت لويس، الذي كان يضغط لتسريع التناقص التدريجي لبعض الوقت، يوم الجمعة الماضي، إنَّه يفضل الانتهاء من الأمر في مارس.
لا وقت للحمائم
قال لورانس ماير، محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق، الذي شعر بالصدمة من سرعة المسؤولين في التشكيك علناً بقرارهم المتعلق بالسياسة: "عندما يكون التضخم مشكلة، فلا وجود للحمائم. هل يمكنك التفكير في وقت أعلنوا فيه عن قرار، ثم غيَّروه قبل أن يقوموا بتنفيذه بالفعل؟ أنا لا يمكنني ذلك".
وكان من الملاحظ خلال هذه الفترة صمت اثنين من محافظي البنوك المركزية الأمريكية البارزين: باول نفسه، والحاكمة لايل برينارد، وكلاهما كان مرشحاً لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي.
أعلن الرئيس جو بايدن في 22 نوفمبر أنَّه سيُعيد تكليف باول، في حين ستجري ترقية برينارد إلى منصب نائب الرئيس لتحل محل كلاريدا، الذي تنتهي فترة ولايته كمحافظ في يناير.
ثقة أسواق السندات في الاحتياطي الفيدرالي تواجه أكبر اختبار منذ 40 عاماً
احتواء التضخم
بعد ثمانية أيام، أضاف باول صوته إلى المناقشة، وقال لأعضاء مجلس الشيوخ، إنَّ الوقت قد حان لمناقشة ما إذا كان يجب على الاحتياطي الفيدرالي "إنهاء" عمليات شراء الأصول بشكل أسرع.
كما قال للجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، إنَّ استعادة العمال ستستغرق المزيد من الوقت نظراً إلى ما يجري في سوق العمل حالياً مع استمرار انتشار الفيروس. وأوضح أنَّ السيطرة على التضخم حالياً أمر بالغ الأهمية لتحقيق هدفه في سوق العمل.
قال باول: "سنحتاج إلى توسع طويل الأمد؛ لنفهم أنَّنا سنحتاج إلى استقرار الأسعار. وبمعنى ما؛ فإنَّ خطر التضخم المرتفع باستمرار هو أيضاً خطر كبير في العودة إلى سوق عمل مثل هذه".
ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي جعل الكثير من هدفه الأقصى للتوظيف "واسع النطاق وشاملاً" عندما قام بتحديث إطار سياسته العام الماضي، ومن المرجح أن يحاسب التقدميون باول على هذه الشروط مع اقتراب البنك المركزي من التشديد في عام 2022.
لكن على المدى القريب، يريد كلٌّ من الديمقراطيين والجمهوريين من باول أن يفعل شيئاً حيال التضخم. إنَّها هدية سياسية كبيرة للاحتياطي الفيدرالي، إذ يميل المشرِّعون تاريخياً إلى الضغط على البنك المركزي لإبقاء تكاليف الاقتراض منخفضة.
قال جون كينيدي السيناتور الجمهوري عن ولاية لويزيانا، لـ"باول" خلال جلسة الاستماع: "علينا السيطرة على التضخم. إنَّه يدمر شعبنا".