الأسواق تتسابق لفهم آخر التفافة حول "محور باول"

جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

شهدت الأسواق التفافة جديدة على "محور باول". لطالما تبنى رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول رؤية متفائلة إزاء الإرتفاع الحاد في التضخم في الولايات المتحدة هذا العام. لم يكن يلقي بالاً لارتفاع التضخم، معتبراً أنه "انتقالي"، بمعنى أنه خلل يصلح نفسه بمضي الوقت. كما عرض فكرة أحادية الجانب عن أسباب عدم القلق من ضغوط ارتفاع الأسعار في كلمته التي كانت مُرتقبة بتلهف في مؤتمر "جاكسون هول" في أغسطس.

لم يدع مجالاً للشك حول موقفه الحالي في مسألة التضخم، قبل أسبوع من موعد اختيار الرئيس جو بايدن له لقيادة البنك المركزي للولايات المتحدة لأربعة أعوام أخرى. لقد بات مستعداً لتحويل موقف الاحتياطي الفيدرالي لوضعية محاربة التضخم.

نثر باول في شهادته أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ الأمريكي تلميحات بارعة على أن مواجهة التضخم تحظى بأولوية عظمى. بيّن في كلمته مسبقة الإعداد أن "العوامل الدافعة لارتفاع معدل التضخم ستمتد لفترة طويلة من العام المقبل" وأن البنك المركزي يدرك الأعباء التي يفرضها ذلك على الأسر منخفضة الدخل. غير أنه كذلك بذل جهداً أكثر من اللازم ليوضح أن نطاق ضغوط الأسعار يتسع ليشمل أكثر من مجرد أعداد قليلة من السلع. حتى عند سؤال يتعلق بنسبة مشاركة قوة العمل، طرح مجدداً مسألة استقرار الأسعار. وأضاف أيضاً أن "الوقت الآن ملائم لنبذ" كلمة انتقالي، وهو اعتراف ضمني بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد فاتته اللحظة.

بلا غموض

رغم ذلك بالنسبة للأسواق، كان رد باول الصريح بلا أي غموض على سؤال بشأن خطط الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض عمليات شراء الأصول هو، وشى، بأن شيئاً تغير بوضوح في البنك المركزي:

"إن الاقتصاد في هذه اللحظة قوي جداً والضغوط التضخمية مرتفعة، لذلك من المناسب في وجهة نظري أن نفكر باستكمال تخفيف شراء الأصول في وقت أقرب ربما بأشهر قليلة. أنا أتوقع أن نناقش ذلك في اجتماعنا المقبل في غضون أسبوعين".

تذكر أنه منذ أسابيع فقط اتفق مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي على أن تخفيض شراء السندات بقيمة 15 مليار دولار شهرياً كان ملائماً، ما يعني انتهاء عمليات شراء السندات في منتصف 2022. كتبتُ آنذاك أن باول وزملاءه منحوا أنفسهم ثمانية أشهر منعوا فيها المتعاملين بالسندات من المراهنة على زيادة أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقعة.

يبدو الآن أن هناك إجماعاً داخل البنك المركزي على أن الانتظار حتى يونيو أطول مما ينبغي. كان جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي لمدينة سانت لويس، أول من اقترح الانتهاء من عمليات شراء السندات بحلول مارس، ثم تبعه في ذلك حاكم البنك كريستوفر وولر ونائب الرئيس ريتشارد كلاريدا. قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رفائيل بوستيك إنه "منفتح جداً على تسريع وتيرة تخفيض شراء السندات" في مقابلة الجمعة، محافظاً على ثباته في موجهة أسواق المال المضطربة. حتى أن رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو ماري دالي، التي لا تميل لتشديد السياسة، قالت إنها تؤيد تسريع تخفيض شراء السندات إن استمرت البيانات الاقتصادية على حالها.

كلمة منبوذة

لكن كلمات باول لها وزن وأهمية أعلى بكثير حتى من عدد كبير من رؤساء البنوك الإقليمية والأعضاء الآخرين في مجلس الإدارة. يبدو ذلك مثل شبيه متشدد لالتفافه في يناير 2019، حين تحول فجأة من التلميح بمزيد من تقشف السياسة النقدية إلى الدعوة للصبر بعد التراجع الواسع في الأصول الخطرة حتى نهاية 2018، حيث غيّر موقفه الآن من قائد "الفريق الانتقالي" إلى نبذ هذه الكلمة كليةً.

لاحظ متعاملو سوق السندات ذلك بسرعة، فقفز عائد السندات أجل 5 سنوات بنحو 14 نقطة أساس في غضون نصف ساعة فقط بعد الساعة 10:23 صباحاً في نيويورك.

أصبح منحنى العائد من عامين إلى عشرة أعوام الأكثر استواءً منذ يناير، عند حوالي 90 نقطة أساس، بينما انخفض عائد السندات لأجل 30 عاماً إلى 1.78%، وهو أدنى مستوى منذ يناير. يشير كل ذلك لتوقعات بزيادة أسعار الفائدة في الأعوام المقبلة، وليس إلى نمو اقتصادي سريع أو تضخم منفلت. تتراجع أسعار التعادل في منحنى العائد بعد صعودها مع ظهور الأرقام التي كشفت عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.2% في أكتوبر مقارنة بنفس الشهر من السنة الماضية.

تتسق هذه التحركات اتساقاً كاملاً مع التفاف باول نحو وتيرة أسرع في تخفيف سياسة التيسير الكمي، تماماً مثل تراجع أسعار الأسهم، فهي أيضاً تعكس الرسالة الجديدة التي يبثها الاحتياطي الفيدرالي: نحن لن ندع الأسعار تخرج عن سيطرتنا.

لا ينبغي أن يغيب عن أحد أن باول كان يدلي بشهادته الثلاثاء أمام مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ بالولايات المتحدة ينتمون للحزبين، وهو يحتاج تأييدهم ليثبتوه في رئاسة الاحتياطي الفيدرالي لدورة جديدة. تعتمد حظوظهم السياسية في نفس الوقت جزئياً على التطورات التي تطرأ على اقتصاد الولايات المتحدة وتحديداً على التضخم.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
الآراء الأكثر قراءة