عزز ازدهار سوق الوظائف، وارتفاع عائدات الضرائب الجدل بين الاقتصاديين، بشأن البيانات المخيبة للآمال، التي لم تعكس بدقة سرعة تعافي إسبانيا من أعمق ركود شهدته منطقة اليورو.
أدّتْ أرقام النمو، التي جاءت دون التوقعات في الربعين الماضيين إلى تحويل الاقتصاد الإسباني من قائد محتمل للانتعاش في المنطقة بعد الجائحة إلى اقتصاد متباطئ، متخلفاً عن فرنسا وإيطاليا القريبتين.
ومع ذلك، فإن العديد من الخبراء غير مقتنعين، حيث يُجادلون بأن البيانات والمؤشرات "عالية التردد"، مثل الطلب على مواد البناء، وقفزة الإنفاق ببطاقات الائتمان، ترسم صورة أكثر وردية لرابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
سيكون الأمر على أرض الواقع أكثر حيوية بالنسبة للحكومة، التي تدافع عن توقعات هذا العام للتوسع بنسبة 6.5%، وهي أسرع وتيرة منذ عام 1973.
اقرأ أيضاً: هل تستطيع منتجعات إسبانيا صناعة حقبة جديد بعد إغلاقات كورونا؟
وقال جوردي سيفيا، وزير سابق في الحكومة وكبير مستشاري شركة "لورينتة إي كوينكا" (Llorente y Cuenca) الاستشارية، التي يقع مقرها في مدريد: "اقترب خلق الوظائف من مستويات قياسية، كما أن تحصيل الضرائب يفوق التوقعات، وبالتالي كيف يمكن أن ينخفض الاستهلاك؟ هناك حلقة ناقصة هنا".
أضاف سيفيا: "ما يُفسّر هذا الواقع الغريب، هو أننا قد نقلل من تقدير الناتج المحلي الإجمالي، وسيكون هناك تصحيح صعودي في المستقبل".
فضلاً عن ذلك، يُرجع الاقتصاديون تناقضات البيانات إلى المنهجية الصارمة في المعهد الوطني للإحصاء -المعروف باسم "آي إن إي" (INE)- إلى جانب العقبات التي يفرضها فيروس كورونا في جمع المعلومات وقياس المخرجات.
اقرأ أيضاً: الجزائر توقف تصدير الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب بعد انتهاء اتفاق مدته 25 عاماً
وقال مسؤولو المعهد الوطني للإحصاء للمحللين، الثلاثاء الماضي، خلال اجتماع إن المؤشرات التي نُشرتْ منذ تقدير الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث تظهر وضعاً أكثر ملاءمة. كما قال المكتب الإعلامي للمعهد رداً على الأسئلة التي أعقبت تقريراً في صحيفة "الباييس" إن المعهد أشار إلى أنه سيعدل الرقم بالزيادة.
الرياح السياسية
في وقت سابق، صرّح المعهد الوطني للإحصاء لـ"بلومبرغ" أنه لم يكتشف مشاكل في كيفية تجميع المعلومات، وأن النسبة التي تم جمعها مرتفعة للغايةً.
لكن عندما خفّض المعهد رقم الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني إلى 1.1% في سبتمبر، حذّر من أنه يجب مراعاة "الصعوبة الكامنة في قياس الظروف التي نواجهها منذ الربع الأول من عام 2020"، حيث جعلت هذه المراجعة المفاجئة تحقيق توقعات الحكومة للعام بأكمله أمراً شبه مستحيل.
علاوةً على ذلك، يعتمد رئيس الوزراء، بيدرو سانشيز، الذي يواجه أيضاً رياحاً سياسية معاكسة نتيجة التضخم القياسي، على انتعاش قوي يدعمه ما يقرب من 200 مليار يورو (224 مليار دولار) من الإنفاق المحتمل في الميزانية في عام 2022 لمساعدته على الفوز بالانتخابات في العام التالي.
اقرأ أيضاً: "سوفت بنك" تجري محادثات للاستثمار في محتوى إعلامي بالإسبانية
كما يجادل فريقه بأن قياس النشاط باستخدام المؤشرات التقليدية ينطوي على تأخر واضح، وهو أكثر عرضة من أي وقت مضى للمراجعات بسبب الجائحة.
تم خفض توقعات المحللين منذ التخفيض الذي قام به المعهد الوطني للإحصاء. ومن المتوقع أن يرتفع الاقتصاد بنسبة 4.6% في عام 2021، في أحدث استطلاع لـ"بلومبرغ". وفي حين أن هذا الرقم أعلى بكثير من متوسط 2.8% في السنوات الخمس التي سبقت "كوفيد"، لكنه مخيب للآمال، حيث ما يزال الناتج أقل بنحو 6.5 نقطة مئوية من مستويات ما قبل الأزمة.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
ترى ميفا كوزين، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة اليورو في "بلومبرغ إيكونوميكس"أن " الانتعاش في قطاع البناء والصناعة كان مخيباً للآمال، بأكثر مما كان متوقعاً من القراءات الشهرية بالنظر إلى استخدام أموال التعافي التي وفّرها الاتحاد الأوروبي. وقد يوفر هذا بعض المساحة للمراجعات التصاعدية المحتملة"
هناك بالتأكيد معوقات في النمو. وفي حين أن السياحة الأجنبية تشهد تحسناً سريعاً، لكنها لا تضاهي السياحة المحلية، كما أن تجديد الإغلاق في أوروبا قد يؤدي إلى تقييد الرحلات بشكل أكبر. و على الصعيد المحلي، يُهدد التضخم الذي يقع بالقرب من أعلى مستوى له في 30 عاماً بتقويض ثقة المستهلك، بينما تتدفق حوافز الاتحاد الأوروبي البالغة 9 مليارات يورو (10.1 مليار دولار) ببطء إلى الاقتصاد.
يمكن القول إن هناك المزيد من الأخبار الجيدة، حيث تم خلق ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون وظيفة بين مايو ونوفمبر، بمساعدة انتعاش السفر المحلي. وفي مكان آخر، يتزايد الإنفاق على بطاقات الائتمان بأرقام مضاعفة مقارنة بعام 2019، في حين أن تطبيقات الرهن العقاري، ومبيعات المنازل، وعائدات ضريبة الدخل تجاوزت جميعها مستويات ما قبل الأزمة. وتعتمد الحكومة على تلك المؤشرات كأساس للحفاظ على نظرتها المستقبلية.
من جانبها، قالت وزيرة الاقتصاد، نادية كالفينو، في مقابلة تلفزيونية حديثة معها: "سألتزم بتطوير سوق العمل، وهو ما يهم حقاً". وأشارت إلى أن وزارتها تستخدم مؤشراً مركباً، يشمل بيانات مثل استهلاك الكهرباء وشراء بطاقات الائتمان لقياس "النبض الحقيقي للاقتصاد بغض النظر عن المؤشرات الأخرى المهمة، لكنها متراجعة قليلاً".
تدهور مُحير
بالنسبة إلى خوسيه لويس كالفو، أستاذ الاقتصاد الرياضي بجامعة يونيد في مدريد، قد تكمن الحقيقة في مكان ما بين التوقعات المتفائلة لمجلس الوزراء والإحصاءات الرسمية المخيبة للآمال.
وقال: "من المحتمل أن يكون الانتعاش أقوى مما تظهره بيانات الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه ليس بالقوة التي تقولها الحكومة، فالاقتصاد الإسباني ليس قاطرة أوروبا، ولا الشاحنة التي تقف خلف الصف".
اقرأ أيضاً: "غولدمان ساكس" يستغل أزمات الدوري الإسباني بإبرام صفقات تمويل جديدة
وسيتضح مدى ارتياح المعهد الوطني للإحصاء إزاء تقديراته السابقة للتوسع الاقتصادي بشكل أكبر في 23 ديسمبر، عندما ينشر الأرقام النهائية للربع الثالث.
ويعتقد أنجيل تالافيرا، رئيس قسم الاقتصاد الأوروبي في "أكسفورد إيكونوميكس" (Oxford Economics)، أن الشكل الحقيقي لانتعاش إسبانيا لن يتضح إلا عند إعادة فحص البيانات الرسمية، وقد يثبت أنه أقوى مما تم الإبلاغ عنه حتى الآن. ويستشهد "تالافيرا"، على وجه الخصوص، بالتدهور المحير في كمية ما ينتجه العمال.
وقال في تقرير: "هذا الانهيار الواضح في إنتاجية العمل، والذي ليس لدينا إجابة اقتصادية واضحة له، يجعلنا نشك في وجود مشكلات في القياس من نوع ما. كما نعتقد أنه من المحتمل أن نرى مراجعات".