تُحجز الطاولات في مطعم "غايا" (Gaia)، أحد أكثر أماكن تناول الطعام شهرة في دبي، قبل أسبوعين، كما أنَّ ازدحام رجال الأعمال الخارجين من المكاتب المحيطة يُبقي الموظفين في حالة تأهب دائماً.
قال يفيني كوزين، رئيس مجلس الإدارة والشريك المؤسس لمجموعة "بولدوزر غروب"، التي تمتلك وتدير العديد من المطاعم بما في ذلك "غايا": "كل يوم يبدو وكأنَّه يوم جمعة". وهم يقومون بتعيين موظفين لمواكبة الطلب المتجدد.
مع تفشي معدلات الإصابة في أوروبا، وتشديد الحكومات للقيود مرة أخرى؛ يتعافى اقتصاد دبي بشكل أسرع من المتوقَّع.
وصلت مبيعات العقارات إلى أعلى مستوياتها خلال عقد من الزمان، وتكتظ الشوارع بحركة المرور، ومن الصعب العثور على سيارة أجرة فارغة.
جرى تأجيل معرض إكسبو 2020، مع انتشار كوفيد- 19 حول العالم العام الماضي، وهو أحد أكبر الفعاليات في العالم منذ الوباء، فقد بدأ الآن في اجتذاب كل من سكان دبي وزوارها الفارين من عمليات الإغلاق الجديدة التي أثارت الاضطرابات في النمسا، وهولندا، ودول أوروبية أخرى.
التوسع في توزيع اللقاح
حتى الآن، تجنبت الإمارات العربية المتحدة، التي تضم دبي، موجة جديدة من الوباء. تمَّ تلقيح حوالي 90% من سكانها بشكل كامل، ويجري تقديم الجرعات المعززة للأفراد المعرَّضين لمخاطر عالية.
بقي الاقتصاد مفتوحاً منذ شهور، لكنَّ الحالات الجديدة استمرت عند أقل من 100 حالة يومياً منذ أكتوبر. تندر حالات الوفاة، ويأتي هذا نتيجة النسبة العالية من الشباب بين السكان مع نظام صحي جيد التجهيز.
قال سكوت ليفرمور، كبير الاقتصاديين في "أكسفورد إيكونوميكس الشرق الأوسط" في دبي، الذي رفع توقُّعاته للنمو بحوالي نقطة مئوية واحدة لتصل إلى 5% لعام 2021: "حدث الانتعاش أسرع مما توقَّعنا. لعب إكسبو دوراً في ذلك إلى جانب النجاح الذي حقَّقته دبي في تجنب موجة سلالة دلتا، مما سمح للاقتصاد المحلي بالعودة إلى طبيعته".
أسرع من التوقعات
الوضع بعيد كل البعد عما كان عليه في العام الماضي، عندما أغلقت حكومة دبي- مثل الكثيرين في جميع أنحاء العالم- المدينة لوقف انتشار كوفيد- 19.
حتى عندما بدأت الأمور بالانفتاح؛ كان الناس مترددين في الخروج وسط قواعد صارمة للتباعد الاجتماعي. اختارت العديد من المطاعم ذات الخمس نجوم خدمة التوصيل للمنازل لتبقى مستمرة في العمل، في حين أغلق آخرون.
بسبب اعتماده الكبير على السياحة؛ فقد تقلص اقتصاد دبي بنسبة 11% العام الماضي. أوقفت شركة طيرانها الرئيسية "طيران الإمارات" رحلاتها الجوية، وسرَّحت الموظفين، وخفَّضت رواتبهم في الوقت الذي ساد فيه السكون أكثر المطارات الدولية ازدحاماً.
تعافي نشاط الضيافة
بدأ الإقبال على المطاعم، والمقاهي، ومراكز التسوق، ودور السينما في الارتفاع في نهاية سبتمبر بعد أن انخفض خلال العام، وفقاً لبيانات التنقل من "غوغل". وازدادت وتيرة الارتفاع منذ افتتاح "إكسبو".
أظهرت البيانات الأولية أنَّ معدلات إشغال الفنادق في أكتوبر بلغت 82% تقريباً في زيادة بنسبة 60% عن العام الماضي، وأعلى بحوالي 6% من مستويات المقارنة لعام 2019، وفقاً لبيانات شركة الأبحاث "إس تي أر غلوبال".
قفز النشاط التجاري غير النفطي إلى أعلى مستوى له في عامين خلال أكتوبر، مدعوماً بحالة التفاؤل من "إكسبو"، وفقاً لمؤشر مديري المشتريات الذي تصدره شركة "آي إتش إس ماركتس". استقطب معرض "إكسبو دبي" أكثر من مليوني زائر حتى الآن، ويستمر حتى نهاية مارس.
قال فيليب وولر، مدير منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في "إس تي آر غلوبال": "للمرة الأولى منذ فترة طويلة - منذ 2015 على الأقل - هناك عامل الشعور القوي بالارتياح في سوق الضيافة في دبي".
هل ينتهي الكساد الاقتصادي؟
يعود سبب الانتعاش جزئياً إلى ارتفاع أسعار النفط التي تؤثر ارتفاعاتها وتدفُّقاتها بقوة في سوق العقارات في دبي، وهو عامل كبير آخر يساهم في الاقتصاد.
تراجعت أسعار العقارات بأكثر من الثلث عن مستوياتها المرتفعة القياسية في 2014، عندما انهارت أسعار النفط الخام، مما أدى إلى تفاقم تخمة المعروض.
ارتفعت أسعار المساكن هذا العام بأسرع وتيرة لها منذ عام 2015، فقد ارتفع حجم المعاملات بنسبة 77% في أغسطس مقارنة بالعام السابق، و56% عن مستويات 2019.
لكنَّ إيجارات الشقق تراجعت بنسبة 5% مع استمرار البناء، مما يسلط الضوء على هشاشة السوق التي ما تزال تدين بالكثير من جاذبيتها إلى مكانة دبي كملاذ يقوم بإعفاء الأثرياء من الضرائب من أجل وضع الأموال.
هناك أيضاً خطر أن يلحق الوباء بالمدينة التي تحررت منه. خففت دبي القيود في الشتاء الماضي مع ارتفاع مستويات التلقيح، مما أدى إلى جذب السائحين الراغبين بتبديل عمليات الإغلاق بأشعة الشمس الشتوية.
وسرعان ما ارتفعت الحالات إلى 4 آلاف حالة في اليوم، مما أجبر دبي على فرض قيود جديدة. تم إغلاق ممر السفر مع بريطانيا بعد أن واجهت الحكومة انتقادات بشأن قيام المصطافين بنشر المرض.
يمكن أن يتباطأ النشاط أيضاً بمجرد انتهاء معرض "إكسبو"، وفتح بقية العالم.
[object Promise]المنافسة مع السعودية
كما ظهرت المنافسة المتزايدة من المملكة العربية السعودية، التي تفتح اقتصادها بسرعة، وتضع نفسها كمركز استثماري، كتحدٍّ طويل الأجل لدبي.
مع انطلاق "إكسبو"، انطلقت فعاليات موسم الرياض، وهي سلسلة من الفعاليات والحفلات الموسيقية التي اجتذبت الآلاف، وتصدرت عناوين الصحف.
وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري: "لدى السياحة السعودية الكثير لتقدّمه. لكنَّ دبي تتمتع بضجة لا لبس فيها".