تحالف فرنسي إيطالي لقيادة أوروبا.. "ماكرون ودراغي" يستعدّان لملء فراغ "ميركل"

رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي من اليسار، يتحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل محادثات المائدة المستديرة خلال قمة القادة الأوروبيين في العاصمة البلجيكية بروكسل - المصدر: بلومبرغ
رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي من اليسار، يتحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل محادثات المائدة المستديرة خلال قمة القادة الأوروبيين في العاصمة البلجيكية بروكسل - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في الليلة التي سبقت عيد ميلاده الرابع والسبعين، أمضى ماريو دراغي ما يقرب من أربع ساعات مع إيمانويل ماكرون على شرفة تطل على البحر الأبيض المتوسط.

خلال مأدبة عشاء أعدت من سمك القاروص في مدينة مرسيليا الساحلية، تحدث رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق عن الأشياء المشتركة مع الرئيس الفرنسي، و الذي أصبح من أشد المؤيدين لتكامل الاتحاد الأوروبي. مع مرور الوقت بعد منتصف ليل الثاني من سبتمبر، ظهر النُّدُل ومعهم كعكة طلبها ماكرون. ابتهج المستشارون المنتظرون بجانب الرئيسين حتى يختتمون الاجتماع.

تعد المحادثات الثنائية الشخصية علامة على الروابط العميقة التي تشكلت بين الزعيمين منذ أن أصبح "دراغي" رئيساً لوزراء إيطاليا في فبراير. ومع استعداد أنغيلا ميركل للتنحي عن منصب المستشارة الألمانية بعد حوالي 16 عاماً في السلطة، أصبحت لدى الرجلين فرصة لملء الفجوة التي ستتركها "ميركل"، وممارسة المزيد من التأثير على سياسة الاتحاد الأوروبي في كل شيء من الاقتصاد إلى الدفاع.

أمضى "دراغي" ما يقرب من 10 ساعات في اجتماعات ثنائية مع "ماكرون"، وهي فترة أطول من تلك التي أمضاها مع أي زعيم آخر في "مجموعة العشرين"، واتفقا بشكل غير رسمي على التحدث قبل القمم الرئيسية لتنسيق المواقف، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر. وسيبحثان اليوم الجمعة مستقبل ليبيا في مؤتمر سيعقد في باريس.

تقول ناتالي توتشي، البروفيسورة الزائرة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، ومديرة "معهد روما للشؤون الدولية": "لدى دراغي وماكرون رأي متطابق بشأن التكامل الأوروبي، بما في ذلك الاتحاد المالي.. هذا هو خط الأساس، إنه يغذي التقارب بينهما. بناء على ذلك، يمكن أن يكونا مركز القوة الجديد بعد ميركل، ويمكن أن يمتد ذلك إلى المجالات الأخرى المتعلقة بالاقتصاد مثل الأجندة الخضراء والرقمية".

السياسات النقدية

يتفق الزعيمان على أن السياسات النقدية للاتحاد الأوروبي يجب أن تظل توسعية في السنوات القادمة، ويهدفان إلى ضم خليفة "ميركل"، على الأرجح الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز، لهذا التوجه، وفقاً لمسؤولين حكوميين طلبوا عدم ذكر أسمائهم.

على جبهة السياسة الخارجية، أعاد "دراغي" إيطاليا إلى الموقف الأوروبي- الأطلسي التقليدي، وهذا بدوره قد يؤدي إلى المزيد من الفاعلية الإيطالية - الفرنسية، وفقاً لـ"توتشي"، التي عملت أيضاً كمستشارة سابقة لمسؤولة السياسة الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني.

تتقارب أيضاً وجهات نظر الزعيمين بشأن الصين وروسيا، وأصبحا أكثر توافقاً بشأن ليبيا. وقال مسؤول في قصر الإليزيه إنهم ابتكروا فكرة استضافة مؤتمر لمناقشة سبل تحقيق الاستقرار في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا خلال إحدى أولى اجتماعاتهم. وستحضر هذا الاجتماع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس.

وبينما يستعد لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، سيحتاج "ماكرون" إلى كل الدعم الذي يمكنه الحصول عليه، نظراً لأنه تسبب بنفور قادة أوروبيين آخرين.

من المؤكد أن مسرح الاتحاد الأوروبي لن يكون لـ"ماكرون ودراغي" وحدهما، مع كون بولندا المتعبة هي اللاعب الرئيسي في شرق الكتلة، وهولندا غير المعجبة بالسخاء المالي. وقد لا تتمتع ألمانيا تحت قيادة "شولتز" وحلفائه الجدد في الائتلاف بتلك الجاذبية التي تتحلى بها "ميركل"، لكنهم متأكدون من رغبتهم في فرض أنفسهم على المستوى الأوروبي.

إذا أراد الزعيمان تحويل علاقتهما الودية إلى مكاسب ملموسة، فإن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن يبدؤوا منها.

الخلافات الأفريقية

في وقت سابق من هذا العام، تم إلغاء شراكة بين "فينكانتييري" (Fincantieri Spa) و"شانتيي دو لاتلونتيك" (Chantiers de l’Atlantique) لإنشاء قوة شحن عالمية اتفقت عليها الحكومتان في عام 2018، على الأقل بشكل جزئي، لأن الشركتين لم تتفقا على كيفية العمل سويةً. كما أن هناك شركة "أفيو أيرو" (Avio Aero) الإيطالية و"سافران" (Safran) الفرنسية، اللتان تتنافسان على العقد المربح لتصنيع محركات "يورودرون" (Eurodrone).

تعد الاختلافات حول أفريقيا جنوب الصحراء كبيرة. وأشاد أحد الدبلوماسيين بالمشاركة الكبيرة لإيطاليا في قوة "تاكوبا" التي تقودها فرنسا لمحاربة المتطرفين الإسلاميين، لكنه شدد على أن إحجام روما عن فرض عقوبات على المجلس العسكري في مالي يجعل جهود الضغط أكثر صعوبة. وقال المسؤول أيضاً إن "ماكرون ودراغي" لديهما وجهات نظر مختلفة بشأن إثيوبيا والصومال.

لم تكن العلاقات دائماً بهذه السلاسة بين إيطاليا وفرنسا.

أطاحت الحكومة الائتلافية التي انبثقت عن انتخابات 2018 في إيطاليا بإدارة إيطالية تحسب على التيار الرئيسي، و كانت متحالفة مع رؤية "ماكرون" بشأن تكامل أوروبي أكبر. عندها بدأت الصدامات على الفور تقريباً.

ألقى لويجي دي مايو، نائب رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك، باللوم على السياسات الفرنسية التي زعم أنها سببت الهجرة الأفريقية، والتقى بأعضاء حركة السترات الصفراء الاحتجاجية، التي تمثل شوكة في خاصرة "ماكرون". أما نائب رئيس الوزراء الإيطالي الآخر، وزير الداخلية ماتيو سالفيني، غالباً ما كان يتشاجر مع "ماكرون" بشأن الهجرة، حيث أطلق عليه ذات مرة لقب "صبي مهذب صغير يشرب الكثير من الشامبانيا".

وفي مرحلة ما، هددت الأحقاد بعرقلة المعارض الفنية باهظة الثمن التي كان مخطط لها للاحتفال بمرور 500 عام على وفاة ليوناردو دافينشي، إذ كان الرسام الإيطالي قد توفي في فرنسا وبعض أشهر أعماله، بما في ذلك الموناليزا موجودة في باريس.

يقول أحد الدبلوماسيين، إنه تاريخياً كان الفرنسيون يميلون لأن يكون لديهم نظرة دونية بعض الشيء تجاه الإيطاليين، لكن ذلك تغير مع "دراغي".

كان إعجاب ماكرون بدراغي واضحاً بالفعل في عام 2019 عندما ألقى خطاب وداع له في "البنك المركزي الأوروبي". أشاد عندها الرئيس الفرنسي برؤية "دراغي"، وأخلاقه، وسلطته الفكرية، وشبهه بكونراد أديناور، أول مستشار لألمانيا الغربية، وروبرت شومان، الذي يعتبر أحد آباء أوروبا.

بعد أن التقى الاثنان شخصياً في بروكسل في يونيو من هذا العام، بدأ الانسجام بينهما يتشكل.

تقول "توتشي": "حقيقة أن دراغي يأتي من نفس العالم، ألا وهو عالم الاقتصاد، يعني أنه كان من السهل بالنسبة له رؤية ماكرون كشريك طبيعي.. الطريقة التي يرى بها دراغي العالم اقتصادية أكثر من كونها موجهة نحو السياسة الخارجية. بالنسبة لماكرون، دراغي هو شخص ليس فقط يريد إعادة بناء العلاقة ولكن لديه أيضاً المؤهلات".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك