إرث "ترمب" المُزعج يطارد "بايدن" في شمال أفريقيا والتجاهل ليس حلاً

دونالد ترامب - المصدر: بلومبرغ
دونالد ترامب - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يمكن رؤية خطايا اثنين من الرؤساء الأمريكيين، التي حدثت بسبب ارتكاب أحدهما لها، وإغفال الثاني عنها، في شكل العلاقات بين الجزائر والمغرب، التي تدهورت إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، فبعد شهر من قطع الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع جارتها الغربية الشهر الماضي، أغلقت الحكومة الجزائرية الآن مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية.

قد تتطلب إعادة الدولتين الواقعتين في شمال أفريقيا إلى وضعهما السابق، المتمثل في السيطرة على انعدام الثقة المتبادلة، عودة الولايات المتحدة إلى سياسة الحياد المدروس بشأن قضية تهتم بها هاتان الدولتان بشدة، ألا وهي وضع الصحراء الغربية.

في البداية إليكم موجز حول كيفية وصول الأمور إلى هذا الوضع السيء. في ديسمبر الماضي، وفيما يمكن اعتباره آخر حماقاته في السياسة الخارجية، اعترف دونالد ترمب بادعاء المغرب بشأن سيادتها على المنطقة المتنازع عليها، تلك الغنية بالمعادن على طول المحيط الأطلسي، مقابل اعتراف الرباط بإسرائيل. بتغريدةٍ واحدة – كعادته - قلب الرئيس المنتهية ولايته رأساً على عقب الموقف الأمريكي المستمر منذ عقود، والمتمثل في عدم الانحياز المُتعمّد، مضيفاً ذلك إلى قائمة طويلة من المآزق التي تركها لخليفته.

أغضب ذلك الجزائر التي تريد استقلال الصحراء الغربية، وتعتبر نفوذ المغرب في المنطقة تحدياً لتفوقها في شؤون شمال أفريقيا. تدعم الجزائر جبهة البوليساريو، وهي جماعة انفصالية تدعي أنها تمثل الشعب الصحراوي الذي يقيم عبر حدود عدة دول في المنطقة، ويعيش عشرات الآلاف منه في مخيمات اللاجئين في الجزائر.

تقرير المصير

كان بإمكان جو بايدن تأييد تغيير السياسة الذي قام به سلفه، أو كان بإمكانه إعادة الوضع الذي كان قائماً في السابق، حيث تركت الولايات المتحدة حل النزاع للأمم المتحدة، التي تمتلك إجماعاً طويل الأمد على أنه لدى الصحراويين حق تقرير المصير.

لكن "بايدن" اختار التهرب، فلم تقم إدارته بالتصديق أو إلغاء قرار "ترمب". ربما يكون "بايدن" قلقاً من أن ترد الرباط على أي تغيير في موقف واشنطن بإلغاء اعترافها بإسرائيل. أو ربما يعتقد أن عدم وجود اعتراف رسمي بحكم الأمر الواقع بسياسة "ترمب" يترك الأمر قانوناً في يد الأمم المتحدة.

يرى كل من المغرب والجزائر أن ازدواجية "بايدن" تعد تصديقاً فعلياً عبر التقاعس عن العمل، ما شجع الرباط على انتقاد الجهود الأوروبية لفرض تفويض الأمم المتحدة على الصحراء الغربية. وأغضب الجزائر التي صعّدت من دعمها لحق تقرير مصير للقبائل، وهي أقلية تتحدث اللغة البربرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. واتهمت الجزائر المغرب بدعم جماعة انفصالية في القبائل تعرف باسم "الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل".

أعلنت الجزائر أن منظمة "الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل" هي منظمة إرهابية، وهي واحدة من مجموعتين تتهمها الجزائر بالتسبب بحرائق الغابات التي أودت بحياة أكثر من 90 شخصاً في التلال الشمالية في هذا الصيف، بالإضافة إلى مقتل ناشط.

العلاقات مع إسرائيل

كان موقف الرباط من منطقة القبائل أحد "الأعمال غير الودية والعدائية والخسيسة" التي ذكرها وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، الشهر الماضي كأسباب لقرار حكومته قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، كما أشار إلى علاقات المغرب بإسرائيل.

لكن إذا كان هناك أي شك في أن الصحراء الغربية تمثل صُلب النزاع بين البلدين، فقد تم إزالت هذا الشك خلال انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي، عندما كرر وزيرا الخارجية المغربي والجزائري مواقفهما بشأن المنطقة، ولم يشيرا إلى خلافهما الآخر.

عندما حدث ذلك، كانت أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة تُشارف على نهايتها، لذلك يمكن أن يُغفر للوفود مغادرتهم المكان. يأمل المرء أن إدارة "بايدن" كانت تُولي انتباهاً، لأن العداء المتزايد بين البلدين يُنذر بالسوء لشمال أفريقيا وللمصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة.

لا يمكن أن يكون تصعيد المواجهة الجزائرية المغربية أكثر شؤماً من ذلك، إذ أن الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط لديه بالفعل نصيب وافر من الأزمات، فالديمقراطية التونسية آخذة في التراجع، ولم تتجذر بعد في ليبيا، وفي أقصى الجنوب، كانت هناك سلسلة من الانقلابات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تواصل الجماعات الجهادية تحدي جهود مكافحة الإرهاب متعددة الجنسيات.

على الرغم من أنهما ليستا ديمقراطيتين مثاليتين، إلا أن الجزائر والمغرب لديهما حكومات يمكن نسبياً التنبؤ بتصرفاتها، وتلعب مجتمعاتهما العسكرية والاستخباراتية أدواراً مهمة في إبقاء الجماعات الإرهابية تحت السيطرة. تعد الجزائر مصدر مهم للغاز الطبيعي لجنوب أوروبا، ويتم نقل جزء منه عبر المغرب بواسطة خط أنابيب المغرب العربي. بالإضافة إلى ذلك، يُعوّل الأوروبيون أيضاً على الرباط والجزائر لوقف تدفق اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط.

طريق العودة

هل يمكن إعادة البلدين من حافة الهاوية؟. تنبع مرارة البلدين من مظالم تاريخية سبقت بوقت طويل استيلاء المغرب على الصحراء الغربية في منتصف السبعينيات، بعد انسحاب إسبانيا من المنطقة. ومن المرجح أن يظلّا عالقين خلال العقود القادمة في منافسة على الهيمنة في شمال أفريقيا. لكن أيضاً بإمكانهما أن يكونوا أصدقاء، حيث استطاع البلدان إظهار أنهما قادران على الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، وهو وضع يفضله الجميع.

ستتطلب إعادتهما إلى ذلك الوضع أن يتم عَكس قرار ترمب المتهور الصادر في ديسمبر الماضي؛ حيث يجب على "بايدن" أيضاً إعادة تقديم الدعم الأمريكي لحل تقوده الأمم المتحدة بشأن أزمة الصحراء الغربية. سيؤدي هذا بلا شك إلى إزعاج المغاربة، لكن هناك احتمال ضئيل من أن تنسحب الرباط من اتفاق "إبراهيم"، بعد أن لمست الآن الفوائد المرتقبة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل. في الوقت نفسه، ستحتاج واشنطن إلى الضغط على الجزائر للسماح لعملية الأمم المتحدة بالانطلاق، وللتوقف عن تسليح وتمويل الانفصاليين الصحراويين.

لن يكون هذا سهلاً، وستحتاج الولايات المتحدة إلى حشد الدعم الأوروبي من الدول التي تعتبر شركاء تجاريين رئيسيين مع المغرب والجزائر. فبعد أن كرر الأوروبيون دعمهم لعملية الأمم المتحدة، يجب عليهم أن يكونوا حريصين على المساعدة.

قد يشتكي "بايدن" من أنه ورث "مجموعة كاملة" من المشاكل من سلفه. لكن تركها دون حل، كما تظهر الأزمة في شمال أفريقيا، سيساهم فقط في زيادة سوء الأمور.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة