استسلم بوريس جونسون إلى مطالب الصناعة المتعلِّقة بإصدار تأشيرات لسائقي الشاحنات الأجانب بعد أنْ هددت الأزمة بتقويض حكومته، وأدت إلى تفريغ رفوف المتاجر، والاندفاع المذعور نحو شراء الوقود من المحطات.
وسط تحذيرات من استمرار النقص حتى عيد الميلاد؛ قالت الحكومة في وقت متأخر من يوم السبت، إنَّها ستصدر 5000 تأشيرة قصيرة الأجل لسائقي الشاحنات، و 5500 لعمال الدواجن، وذلك لمساعدة الشركات على التغلُّب على تفاقم نقص الموظفين بسبب حملة مرحلة ما بعد الـ"بريكست" على الهجرة من الاتحاد الأوروبي. وستنتهي التأشيرات المؤقتة بتاريخ 24 ديسمبر، عشية عيد الميلاد.
كما تمَّ تجنيد ممتحنين من الجيش لإجراء اختبارات قيادة الشاحنات خلال الأسابيع الـ 12 المقبلة.
يعدُّ هذا الاستسلام منعطفاً كبيراً بالنسبة لبوريس جونسون عن أحد الخطوط الحمراء الرئيسية لمشروع الـ"بريكست" الذي تحدَّث عنه رئيس الوزراء باعتباره فرصة لإعادة تشكيل الاقتصاد البريطاني بعيداً عن قواعد الاتحاد الأوروبي وتجمّعه العمالي. جادل الوزراء حول أنَّ الاعتماد على عمال الكتلة يُخفِّض الأجور المحلية، ويثبِّط التوظيف والتدريب.
بيد أنَّ الأزمة المتفاقمة فرضت نفسها، إذ من المحتمل أن تنطوي صور الطوابير الطويلة في المحطات الأمامية لمحطات الوقود على مخاطر سياسية أكبر من السماح لآلاف سائقي الشاحنات الأوروبيين بسدِّ فجوات العمالة في التأشيرات قصيرة الأجل.
مع ذلك؛ من غير المرجح أن تحل هذه الخطة المشكلة، إذ يوجد في بريطانيا ما يقرب من 100 ألف سائق مركبات بضائع ثقيلة، وقد رُخِّص لهم بتشغيل الشاحنات أو المقطورات، وفقاً لتقديرات جمعية النقل البري.
شتاء الغضب
يأتي نقص الغذاء والوقود على رأس التحديات الهائلة الأخرى التي تواجه حكومة جونسون، إذ يعاني البريطانيون من ارتفاع أسعار الكهرباء في الوقت الذي يتمُّ فيه إلغاء بعض إجراءات دعم الوباء الرئيسية.
وفي تغريدة لـ " بلومبرغ كويك تيك " على "تويتر": "يزداد نقص الوقود سوءاً في بريطانيا بعد الاندفاع المذعور لشراء الوقود بالمزيد من المحطات".
إلى ذلك، بدأت الصحف البريطانية في الإشارة إلى العبارة المشحونة سياسياً، "شتاء الغضب"، التي تستحضر ذكريات العام 1978-1979 عندما خضع الاقتصاد البريطاني إلى المظاهرات والطقس القاسي، مما أدى آنذاك إلى إسقاط حكومة حزب العمال، وتولي حزب المحافظين بقيادة مارجريت ثاتشر.
على أنَّ هناك تشابهاً محدوداً بين قوة حزب المحافظين بزعامة جونسون، و بأغلبية برلمانية تزيد عن 80 عاماً، مع تلك الحقبة في الوقت الحالي.
مع ذلك؛ تأتي الأزمة في توقيت سيئ بالنسبة لجونسون، لأنَّها تهدِّد بتقويض خطَّته الرامية إلى وضع حدٍّ للوباء، والتركيز على الوفاء بوعوده الانتخابية للعام 2019.
وستتسبَّب أي علامة اضطراب في أعياد الميلاد بضرر خاص، نظراً لأنَّ جونسون واجه منعطفاً جديداً من الانتقادات الواسعة، عندما قام بتشديد القيود الناتجة عن وباء كورونا في موسم العطلات الماضية.
تهديد عيد الميلاد
في بيان لإعلان الإجراءات الجديدة، قال وزير النقل غرانت شابس: "بعد 18 شهراً صعبة للغاية، أعرف مدى أهمية عيد الميلاد هذا بالنسبة لنا جميعاً، ولهذا السبب نتخذ هذه الخطوات".
قالت الحكومة أيضاً:
- تنطبق التأشيرات الجديدة لمدة 12 أسبوعاً، وتقتصر على سائقي شاحنات الطعام والوقود.
- استثمار 10 ملايين جنيه إسترليني (13.7 مليون دولار) لتدريب ما يصل إلى 3000 سائق إضافي لمركبات البضائع الثقيلة.
- تعليم 1000 سائق آخر في المراكز المحلية باستخدام ميزانية تعليم الكبار.
- إرسال ما يقرب من مليون خطاب إلى جميع السائقين الذين يحملون حالياً رخصة مركبات البضائع الثقيلة، وذلك لتشجيعهم على العودة إلى الصناعة.
تمَّ الإعلان عن تلك الإجراءات بعد تفاقم نقص الوقود، مما أدى إلى نفاد نوع واحد أو أكثر من الوقود في العديد من المحطات. كان للتقارير عن المشاكل تأثير متلاحق؛ إذ سارع السائقون لملء خزاناتهم، وأعلنت لافتات الطرق السريعة مناطق الخدمة التي نفدت فيها الإمدادات.
النقص
تمَّ إغلاق 1% من محطات الوقود، البالغ عددها 8380 محطة، في الوقت الحالي، إلا أنَّ تقديرات النقص تختلف من مورد لآخر، ويمكن أن تتغيّر سريعاً. ذكرت "بي بي سي" أنَّه تمَّ إغلاق حوالي 20 منفذاً أمامياً للمحطات، ونفد نوع واحد من الوقود على الأقل في 50 -100 محطة.
قالت الحكومة مراراً وتكراراً، إنَّ إمدادات الوقود وفيرة في بريطانيا، لكن أعاق نقص سائقي الشاحنات التوزيع بالساحات الأمامية.
على الناحية الأخرى، يرى اتحاد التجزئة البريطاني، أنَّ الإجراءات الجديدة ليست كافية للتخفيف من مشاكل سلسلة التوريد، داعياً الحكومة إلى توسيع برامج التأشيرات لسائقي الشاحنات الثقيلة في جميع قطاعات صناعة البيع بالتجزئة.
في غضون ذلك، انتقدت روبي ماكغريغور، رئيسة غرف التجارة البريطانية، الحكومة قائلة، إنَّه كان ينبغي لها الموافقة على خطة انتقالية بالتعاون مع الشركات لمساعدتها على الابتعاد عن الاعتماد على عمال الاتحاد الأوروبي بعد "البريكست".
إجراءات غير كافية
قال ماكغريغور سميث: "يأتي هذا الإعلان لتهدئة الأوضاع المشتعلة"، في حين قالت الحكومة من جانبها، إنَّها ما تزال ترى أنَّ دفع رواتب أعلى هو الحل طويل الأجل لمسألة نقص سائقي الشاحنات الثقيلة.
قال شابس: "نحن نتصرَّف الآن، ولكن يجب أن تلعب الصناعات دورها في ظل استمرار تحسُّن ظروف العمل، واستمرار زيادة الرواتب المستحقة، حتى تتمكَّن من الاحتفاظ بسائقين جدد".
مع ذلك؛ يهدد مصير إحدى كبريات مصافي النفط في البلاد، "ستانلو"، بمضاعفة مشاكل الوقود في بريطانيا، وذكرت صحيفة "ذا تايمز" في وقت متأخر من يوم السبت أنَّ المصفاة التي تنتج نحو سدس وقود الطرق في البلاد، قد تكون على وشك الانهيار. لم تستجب "ستانلو" على الفور للمكالمات خارج ساعات العمل العادية.