رجحت شركة الاستشارات الاقتصادية العالمية "فيتش سوليوشن" أن ينهار الاقتصاد الأفغاني في أعقاب الانسحاب السريع للقوات الأمريكية من البلاد وعودة حركة طالبان إلى السلطة.
تتوقع "فيتش" الآن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في أفغانستان بنسبة 9.7% خلال العام الحالي، مع انخفاض آخر بنسبة 5.2% العام المقبل، فيما كانت قد توقعت في السابق نمواً بنسبة 0.4% لهذا العام.
قال محللون في تقرير صادر عن "فيتش سوليوشن ،"الجهة البحثية لوكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني، إن "الطريقة المضطربة للغاية التي غادرت بها قوات الأمن الأمريكية البلاد، واستيلاء طالبان على السلطة، يعنيان أن البلاد ستعاني من مشكلات اقتصادية حادة على المدى القصير"، وفقاً لوكالة "رويترز".
أضافوا: "تميل المخاطر التي تشير إليها هذه التوقعات إلى الجانب السلبي، بالنظر إلى أن الاقتصادات الأخرى التي واجهت أنواعاً مماثلة من الصدمات السياسية أدت أيضاً إلى حدوث انهيار على مستوى المؤسسات".
تؤكد"فيتش" أن الاستثمار الأجنبي سيكون ضرورياً لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.
الصعوبات الاقتصادية أكبر تحد
ترى حركة طالبان أن الصعوبات الاقتصادية المتزايدة تمثل أكبر تحد يواجه الحركة وسط هبوط قيمة العملة وارتفاع التضخم بما يزيد المعاناة في بلد يعيش فيه أكثر من ثلث السكان على أقل من دولارين في اليوم، وحتى بالبسبة إلى ميسوري الحال نسبياً أصبح تدبير قوت اليوم الهمّ الشاغل في ضوء إغلاق كثير من المصالح والمتاجر وعدم صرف المرتبات منذ أسابيع.
في خطوة لإدارة عجلة الاقتصاد من جديد، صدرت أوامر للبنوك بإعادة فتح أبوابها بعد أن ظلت مغلقة منذ سيطرة طالبان على كابول، إلا أنه جرى فرض حدود أسبوعية صارمة على السحب النقدي، ولا يزال كثيرون يضطرون إلى الوقوف في طوابير لساعات للحصول على المال.
خارج كابول المدينة حذرت منظمات إنسانية من كارثة وشيكة، إذ تضرر المزارعون من جفاف حادّ، دفع الآلاف من فقراء الريف إلى اللجوء إلى المدن.
الضغوط تتزايد على العملة
وتزايدت الضغوط بشدة على العملة في اقتصاد يقوم على النقد السائل ويعتمد اعتماداً كبيراً على الاستيراد في توفير الغذاء والسلع الضرورية، وأصبح الآن محروماً من الاستفادة من مساعدات خارجية بمليارات الدولارات.
بلغ سعر العملة المحلية في الآونة الأخيرة من 93 إلى 95 أفغانياً مقابل الدولار في كابول، وفي مدينة جلال أباد الشرقية بالمقارنة مع نحو 80 أفغانياً قبل سقوط العاصمة. غير أن هذا السعر مجرد مؤشر، وذلك لأن التعاملات العادية في سوق النقد توقفت.
قال تاجر: "في السوق يمكنك تغيير العملة بما يزيد قليلا على 90 (أفغانياً للدولار)، لكن السعر يرتفع وينخفض لأنه ليس رسمياً. إذا فتحوا البورصات من جديد فسيرتفع عن 100، وأنا متأكد من ذلك".
مشكلات هيكلية
أدى انخفاض سعر الصرف إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع الغذائية الأساسية يومياً، مما زاد الضغط على الناس الذين فقدت مرتباتهم قيمتها وحال إغلاق البنوك بينهم وبين مدخراتهم.
قال تجار في سوق كابول إن جوال الدقيق (الطحين) زنة 50 كيلوغراماً يباع بمبلغ 2200 أفغاني، أي بزيادة نحو 30% عن سعره قبل سقوط المدينة، وإن أسعار ضروريات أخرى مثل النفط والأرز شهدت زيادات مماثلة، كما ارتفعت أسعار الخضراوات بما يصل إلى 50% والبنزين 75%.
توقفت التحويلات من الخارج بفعل إغلاق شركات تحويل الأموال مثل "ويسترن يونيون"، وتحاول أعداد متزايدة من الناس بيع الحلي وبعض المقتنيات المنزلية، حتى لو اضطروا إلى قبول جزء يسير من قيمتها مقابلها.
أكد مسؤولون من طالبان أن حدة المشكلات ستخف بمجرد تشكيل حكومة جديدة لإعادة النظام إلى السوق، وناشدوا الدول الأخرى الحفاظ على العلاقات الاقتصادية. غير أن المشكلات الهيكلية عميقة الجذور.
وبخلاف تجارة المخدرات المخالفة للقانون، لا تملك البلاد صادرات تذكر لتوليد الإيرادات. وفجأة توقفت المساعدات التي كان تمثل أكثر من 40% من الناتج الاقتصادي.
ورغم تعيين محافظ جديد للبنك المركزي فإن مصرفيين خارج أفغانستان قالوا إنه سيكون من الصعب تشغيل النظام المالي من جديد دون المتخصصين الذي انضموا إلى موجة النزوح من كابول.
في بادرة للضغط على احتياطيات البلاد النقدية أعلنت طالبان حظراً على إخراج الدولارات أو المقتنيات الثمينة من البلاد، وقالت إن المصادرة عقاب المخالف.
يوجد نحو 9 مليارات دولار من الاحتياطيات الخارجية مودعة خارج البلاد بعيداً عن متناول حكومة طالبان التي لم تعيَّن رسمياً بعد، ناهيك بالاعتراف الدولي بها.