يبدو أنَّ الخسائر الاقتصادية التي واجهتها الهند في الربع الثاني بعد تفشي الموجة الثانية الفتاكة من فيروس كورونا لم تكن سيئة كما كان يُخشى منها، إذ ما يزال المحللون يرون أنَّ الدولة تحقق أسرع نمو في العالم هذا العام.
ساعد أداء القطاع الصناعي الأفضل من المتوقَّع، والضرر الأخف لقطاع الخدمات، إلى جانب وتيرة التلقيح القوية، في إبقاء توقُّعات النمو السنوي للاقتصاد ثابتة عند 9.2%، بحسب استطلاع أجرته "بلومبرغ". هذه الوتيرة هي نفسها التي شوهدت في استطلاع أُجري الشهر الماضي، فضلاً عن أنَّها الوتيرة الأسرع بين الاقتصادات الكبرى.
ضرر أقل من المتوقَّع
قال راهول باجوريا، كبير الاقتصاديين الهنديين في بنك "باركليز": "يبدو أنَّ الضرر الاقتصادي أقل مما كان متوقَّعاً في السابق". وأضاف: "مع السيطرة على تفشي موجة الوباء الثانية، يبدو أنَّ هناك تعافياً سريعاً جارياً".
من المحتمل أن تُظهر البيانات أنَّ الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 21% في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو بالمقارنة مع العام الماضي، وفقاً لمتوسط 45 كتقدير من التقديرات التي جمعتها "بلومبرغ"، وهو ما يعدُّ بشكل أساسي ارتداداً من انهيار العام الماضي.
ومع ذلك، من المرجح أن يحجب هذا الارتفاع السنوي في النمو خلال الربع الثاني ما حدث من تباطؤ عند المقارنة بالربع الأول من العام الجاري، وذلك نتيجة قيود النشاط المفروضة للتصدي لموجة الوباء الثانية. وبرغم أنَّ الحكومة لا تعلن عن أي أرقام رسمية على أساس ربع سنوي، تقدِّر "بلومبرغ إيكونوميكس" أنَّ الاقتصاد الهندي تراجع بالربع الثاني بنسبة 12% عن الفترة من يناير إلى مارس في العام نفسه.
الطلب المكبوت
قال راغورام راجان، الأستاذ في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، والمحافظ السابق للبنك الاحتياطي الهندي، خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "الهند تواجه بعض الطلب المكبوت، لكنَّها تعاني أيضاً من قدر لا بأس به من الندوب الاقتصادية".
وأفاد راجان أنَّ الشركات الفقيرة والصغيرة الحجم "ستصبح كيانات مُجهدة، وسيصبح طلبها محدوداً بشكل أكبر بمجرد الخروج من الوباء".
في الأشهر الأخيرة، تحوَّلت توقُّعات النمو السنوي للهند من مجرَّد ترقية إلى أرقام مزدوجة، ثم جرى تخفيضها بمعدل مرتفع وسط حالة عدم اليقين التي تخيّم على التداعيات الاقتصادية لكوفيد، لكنَّ البيانات الحديثة من المؤشرات عالية التردد أظهرت أنَّ تأثير القيود الوبائية كان أقل حدَّة من العام الماضي مع استمرار مرونة الطلب.
كذلك، شهد مديرو المصانع في الهند ارتفاعاً في النشاط في يوليو، الأمر الذي يعكس انتعاش الطلبيات الجديدة، في حين أظهر استطلاع مماثل لمديري مشتريات قطاع الخدمات أنَّ القطاع كان يعود ببطء مرة أخرى نحو التوسُّع. وكانت الصادرات، التي تمثِّل نحو خُمس الاقتصاد، تسجِّل نموَّاً على مدى الأشهر الثمانية الماضية، مما يشير إلى قوة الطلب العالمي.
عن ذلك، قال غورا سين غوبتا، الخبير الاقتصادي لدى "أي دي إف سي فيرست بنك": "كان التعافي من الموجة الثانية أسرع وسط انتعاش مؤشرات النشاط مرة أخرى في أقل من ثلاثة أشهر مقارنة بـ 10 أشهر في الموجة الأولى".
وأضاف أنَّ "مؤشرات النمو عالية التردد تُبيّن أنَّ التكلفة الاقتصادية لعمليات الإغلاق كانت أقل".
مخاطر موجة كورونا الجديدة
تتزامن الضربة الاقتصادية الأكثر اعتدالاً مع ارتفاع معدل التلقيح في الهند خلال الأسابيع القليلة الماضية. ومع ذلك، ما يزال هناك مجال لتسجيل مزيد من التحسُّن، نظراً لتمكُّن الدولة من تلقيح ما يزيد قليلاً على 10% من سكانها– وهي أحد أوجه الضعف الرئيسية بالنظر إلى المخاطر الناجمة عن موجة العدوى الثالثة المحتملة.
قالت شوبهادا راو، مؤسسة شركة "كوانتيكو ريسيرش" في مومباي، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ، إنَّ الهند بدأت تشهد انتعاشاً سريعاً في يونيو، وكان الربع السنوي الممتد من يوليو إلى سبتمبر جيداً جداً حتى الآن، لكنَّ المخاطر تلوح على شكل موجة ثالثة وشيكة، وتظهر أيضاً إذا استمرت الرياح الموسمية في تخييب الآمال.
في الوقت نفسه، كان التهديد الناجم عن الوباء سبباً في منع البنك المركزي الهندي من إلغاء سياسته النقدية فائقة السهولة، فقد أكَّد محافظ البنك شاكتيكانتا داس، الأسبوع الماضي أنَّ صانعي السياسة لن يعكسوا المسار بشكل مفاجئ برغم الضغوط التضخمية المتزايدة.
ويعتزم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي استكمال الحوافز النقدية بالتدابير المالية، وتهدف حكومته إلى جمع 6 تريليونات روبية (81.9 مليار دولار) من خلال تأجير أصول البنية التحتية المملوكة للدولة على مدى الأعوام الأربعة المقبلة لتمويل الإنفاق الرأسمالي الجديد دون زيادة عجز الميزانية بشكل أكثر.