ولّى شتاء العملات المشفرة إثر ارتفاع أسعارها، والموافقة التي طال انتظارها على صناديق "بتكوين" المتداولة في البورصة. لكن فئة رئيسية في قطاع الأصول الرقمية تخلفت عن الركب على الرغم من كونها كانت في السابق واحدة من أهم ركائز هذا القطاع.
انخفضت مبيعات الرموز غير القابلة للاستبدال، والتي تعتمد على تقنية "بلوكتشين"، وتمثل ملكية فريدة للأصول مثل الصور أو حتى الأشياء المادية، بنسبة 63% عالمياً لتصل إلى 8.7 مليار دولار في العام الماضي، وفقاً لشركة "كريبتو سلام" (CryptoSlam) المتخصصة في تتبع البيانات. حدث ذلك رغم زيادة حجم هذه الفئة بأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 918 مليون دولار بين أكتوبر ونوفمبر. في الوقت نفسه، ارتفعت عملة "بتكوين" الرائدة في هذه الصناعة بنحو 160% على مدى عام 2023.
يمثل هذا تغييراً حاداً عما كان الأمر عليه عندما ساعدت مبيعات رموز غير قابلة للاستبدال بقيمة ملايين الدولارات في تحديد معالم سوق العملات المشفرة الصاعدة في عام 2021. اعتُبرت الرموز المشفرة التي اشتهرت بمجموعات مثل "بورد إيب ياكت كلوب" (Bored Ape Yacht Club)، على أنها وسيلة لهو، ويمكن للمستهلكين العاديين الوصول إليها بسهولة للاستفادة من عالم العملات المشفرة، بالإضافة إلى كونها مؤشراً على حالة معينة يسترشد منها أولئك الذين يرغبون في استثمار ثروات صغيرة في عملة ترمز إلى "قرد كرتوني" لجعلها صورة ملفاتهم الشخصية على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقاً). وقد أنهت "إكس" دعم صور الملفات الشخصية للرموز غير القابلة للاستبدال في الأسبوع الماضي.
الهيمنة في سوق التشفير
يرى ديفين فينزر، الرئيس التنفيذي لمنصة "أوبن سي" (OpenSea)، وهي سوق للرموز غير القابلة للاستبدال، أنه من المنطقي أن تتحرك الصناعة إلى ما هو أبعد من اعتبار الرموز غير القابلة للاستبدال مجرد صور يتم تجميعها. يقول إنه ينظر إلى أكثر من مجرد أرقام المبيعات عند تحديد النجاح لصناعة الرموز غير القابلة للاستبدال ولشركته.
قال فينزر في مقابلة: "أحد الأمور التي كنا متحمسين لها أكثر ليس بالضرورة كيفية تحقيق أكبر قدر من الحجم، بل كيف يمكنك بناء نوع من حالات الاستخدام الأكثر إلحاحاً للرموز غير القابلة للاستبدال".
أصبحت "أوبن سي"، ومقرها في نيويورك، أكثر أسواق الرموز غير القابلة للاستبدال هيمنة خلال سوق التشفير الصاعدة، وحصلت على تقييم بقيمة 13 مليار دولار بعد جمع 300 مليون دولار في يناير 2022.
لكن بعد بداية شتاء العملات المشفرة في الآونة الأخيرة، تدهورت ثروات الشركة الناشئة. ففي أغسطس الماضي، أُدين رئيس المنتجات السابق لدى "أوبن سي" بتهمة التداول بناء على معلومات داخلية، وواجهت الشركة انتقادات شديدة لإلغاء الإتاوات الإلزامية لمنشئي الرموز غير القابلة للاستبدال عبر منصتها.
وفي نوفمبر الماضي سرّحت الشركة الناشئة 50% من موظفيها، أما المنصات الجديدة مثل "بلور" (Blur) و"أو كيه إكس" (OKX NFT) لتداول الرموز غير القابلة للاستبدال، و"ماجيك إيدن" (Magic Eden)، فقد سجلت حجم تداولات أعلى بكثير من "أوبن سي" على مدار الثلاثين يوماً الماضية، وفقاً لـ"داب رادار" (DappRadar) التي تتابع بيانات العملات المشفرة.
مزايا تحديث "أوبن سي"
عندما سُئل فينزر عن هذا التغير في الاتجاه، قال إن أحجام التداول يمكن أن تكون مضللة بعض الشيء في بعض الأحيان، نظراً لأن بعض أسواق التداول تحفز النشاط على منصاتها من خلال منح الرموز الخاصة بها كمكافأة. أضاف فينزر، الذي شارك في تأسيس "أوبن سي" خلال عام 2017: "نحن نميل إلى عدم التركيز كثيراً على نوع من ديناميكيات السوق قصيرة المدى". بصيغة أدق، تعمل الشركة على تطوير منصة معروفة باسم "أوبن سي 2" (OpenSea 2.0)، والتي قال فينزر إنها ستوفر للمستخدمين تجربة أفضل، وتحسّن قدرات التمييز بين فئات الرموز غير القابلة للاستبدال، مع تطور المزيد من حالات الاستخدام للرموز. وأوضح أن الرموز غير القابلة للاستبدال تُعرض حالياً بنفس الطريقة على "أوبن سي" والمنصات الأخرى، سواء كانت رمزاً للألعاب أو لفعالية ما.
تابع: "نريد حقاً أن تكون لدينا واجهة سوق يمكن تخصيصها بشكل أفضل لتناسب كل نوع من حالات الاستخدام"، مشيراً إلى أن "أوبن سي" تعمل على عرض بطاقة للرموز غير القابلة للاستبدال وفق جدول زمني، وفرزها حسب التاريخ.
اكتسبت منصات الرموز غير القابلة للاستبدال مثل "بلور" و"تنسور" (Tensor) أيضاً زخماً من خلال تقديم ما تصفه بأنها تجربة تداول أكثر احترافية، حيث يمكن للمستخدمين الاستفادة من التغيرات السريعة في الأسعار. قال فينزر إن تحديث "أوبن سي" سيسهل على العملاء الوصول إلى منصة التداول الاحترافية الخاصة بها.
التفاؤل بـ"إيثريوم"
بحسب فينزر فإن الشركة قامت أيضاً بتحسين قدرتها على اكتشاف مجموعات الرموز غير القابلة للاستبدال المزيفة، وعناوين المواقع الضارة، وهي عمليات الاحتيال التي يقوم فيها المستخدمون بربط محافظهم بمواقع الويب الضارة، ومن ثم سرقة العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال التي عصفت بهذه الصناعة. رفض فينزر التعليق على إنهاء الشركة للإتاوات المطلوبة من منشئي الرموز غير القابلة للاستبدال، أو ما إذا كانت "أوبن سي" تخطط لإعادة برنامج الإتاوات الإلزامي في المستقبل.
أما بالنسبة إلى الاتجاهات الأخرى، يتتبع فينزر الاستخدام المتزايد للرموز غير القابلة للاستبدال على منصة "سولانا" عبر تكنولوجيا "بلوكتشين"، بالإضافة إلى متابعة الانتشار المتزايد لـ"أوردنيالز" (Ordinals)، وهي أصول تشبه الرموز غير القابلة للاستبدال على شبكة "بلوكتشين" الخاصة بـ"بتكوين".
قال إنه لا يزال متفائلاً للغاية بشأن كون منصة "إيثريوم" هي "البلوكتشين" المفضل للرموز غير القابلة للاستبدال، خاصة بالنظر إلى أن سلاسل الطبقة الثانية الخاصة بها ساعدت في جعل المعاملات أرخص وأسرع. حتى في ظل الهوس بإطلاق الصناديق المتداولة الذي أدى إلى ارتفاع أسعار "بتكوين" فهو لا يعتبر أن "بلوكتشين" هي خيار رئيسي بالنسبة إلى الرموز غير القابلة للاستبدال في المستقبل.
قال: "أعتقد حقاً أن أنواع التطبيقات التي يمكنك بناؤها على بتكوين تقتصر ربما على الاستخدامات ذات الطبيعة الفنية، بدلاً من الحالات الأكثر تنوعاً".