انتعشت عملة "بتكوين" مرة ثانية مع توقعات ببدء موجة دخول مستثمرين جدد للقطاع، عشية ظهور مؤشرات على أن الولايات المتحدة الأميركية تستعد للموافقة على إصدار صناديق متداولة في البورصة تستثمر مباشرة في العملة المشفرة. أصبحت صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة، المعروفة اختصاراً بـ"ETFs"، تحظى بشعبية هائلة بين المستثمرين الأميركيين. على مدى أعوام، رفضت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية بطريقة روتينية هذه الأنواع من المنتجات المالية التي تركز على العملات المشفرة، محذرة من التقلبات والتلاعب المحتمل. لكن على ما يبدو فإن مقاومة الهيئة بدأت في التراخي، وكانت السوق تترقب بشدة الموعد النهائي الذي يحين اليوم -10 يناير- لاتخاذ الجهة التنظيمية إجراء بشأن طلب واحد على الأقل.
1. أين وصلت الأمور؟
قدمت شركة "بلاك روك" -أكبر شركة إدارة أصول حول العالم- طلباً لإطلاق صندوق "بتكوين" فوري متداول في البورصة يونيو الماضي. وأسفر ذلك عن صعود كبير لسوق العملات المشفرة وموجة من طلبات مشابهة لتدشين صندوق متداول في البورصة وإعادة تقديم طلب من شركات مصدرة من بينها "فيديليتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments) و"إنفيسكو" و"ويزدوم تري". تصاعدت القوة الدافعة عندما فازت غرايسكيل إنفستمنتس" (Grayscale Investments) بحكم قضائي بتاريخ 29 أغسطس ضمن مساعيها لتحويل صندوق إئتماني لـ"بتكوين" إلى صندوق متداول في البورصة.
وفي 13 أكتوبر الماضي، قالت الهيئة إنها لن تستأنف على الحكم، وبعدما أنهت محكمة الاستئناف الفيدرالية القضية، صعدت "بتكوين" إلى 35 ألف دولار لأول مرة منذ مايو 2022. ينتظر المستثمرون والمحللون ومراقبو السوق التحرك التالي من جانب الهيئة.
2. ما هي صناديق "بتكوين" المتداولة في البورصة؟
تعتبر صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة -وهو قطاع بقيمة 7 تريليونات دولار- جزءاً من مجموعة أكبر من المنتجات المالية المعروفة باسم المنتجات المتداولة في البورصة، رغم أن الأشخاص كثيراً ما يستخدمون مصطلح "صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة" للإشارة إليها جميعاً لأنها تشير إلى الفئة الأكبر والأكثر شعبية.
تحاول الشركات المحلية للعملات المشفرة والمؤسسات المالية الكبرى في "وول ستريت" على حد سواء تدشين نوع من صناديق الاستثمار المتداولة التي تملك عملة "بتكوين" فعلياً، على عكس المنتجات التي تستثمر بعقود "بتكوين" المستقبلية. وباتت صناديق "بتكوين" المتداولة في البورصة المدعومة بالعقود المستقبلية متاحة للعملاء الأميركيين منذ 2021، لكن الهيئة لم توافق على أي طلبات لإطلاق صناديق "بتكوين" الفورية المتداولة في البورصة من قبل. وتدعو شركات الإصدار والمستثمرون إلى أن تكون صناديق "بتكوين" الفورية المتداولة في البورصة متاحة للمستثمرين الأفراد والمؤسسيين في الولايات المتحدة الأميركية، في تطور يُنظر إليه على أنه يمكنه توسيع نطاق المشاركة بصورة كبيرة بقطاع العملات المشفرة.
3. ما الذي كان متاحاً في السابق؟
أصبح "بروشيرز بتكوين استراتيجي إي تي أف" (ProShares Bitcoin Strategy ETF) أول صندوق متداول في البورصة لعقود "بتكوين" المستقبلية المتاحة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث أطلق في 19 أكتوبر 2021، وسط مستوى قوي من الطلب. طُرح صندوق "بربوس بتكوين إس تي أف" (Purpose Bitcoin ETF) - رمز تداوله (BTCC)- للتداول للمرة الأولى في بورصة تورنتو أوائل 2021 والذي يستثمر مباشرة في "عملة بتكوين الحقيقية والرقمية"، بحسب شركة إصداره "بربوس إنفستمنتس" (Purpose Investments).
خلال يونيو، أطلقت شركة الإصدار " فولاتيليتي شيرز" (Volatility Shares) صندوق متداول في البورصة لعقود "بتكوين" المستقبلية. طُرحت العديد من صناديق عقود "إيثيريوم" المستقبلية للتداول للمرة الأولى في أكتوبر الماضي. في غضون ذلك، كانت صناديق ائتمان استثمارية عديدة في الولايات المتحدة الأميركية تتعقب "بتكوين" بطريقة مشابهة لصناديق الاستثمار المتداولة في البورصة لكن في إطار قيود محددة. ويعد صندوق "غرايسكيل بتكوين ترست" (Grayscale Bitcoin Trust) -الذي يحمل رمز التداول GBTC- مدعوماً فعلياً، أي أنه يملك ضمن حيازاته عملات بتكوين.
4. لماذا نبذت الجهات التنظيمية صندوق "بتكوين" المتداول في البورصة لمدة طويلة؟
علاوة على مخاوفهم من حدوث أزمة سيولة وعمليات تلاعب، أعربت الجهات التنظيمية عن قلقها إزاء إمكانية أن تكون تقلبات "بتكوين" شديدة للغاية بالنسبة للمستثمرين العاديين، حيث شهدت عائدات آخر ثلاثة أعوام كاملة لـ"بتكوين" ارتفاعات 305% خلال 2020، بزيادة 60% أخرى مقارنة بـ2021، أعقبتها خسارة 64% خلال 2022.
كما أثارت الهيئة الأميركية شكوكاً أيضاً حول ما إذا كانت هذه الصناديق ستحتوي على المعلومات اللازمة لتقييم الرموز المشفرة على غرار "بتكوين" بصورة كافية، بما في ذلك إمكانية التحقق من هوية من يملك العملات المشفرة الأصلية. وخلال 2021، أدلى رئيس الهيئة، غاري غينسلر، بشهادته أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ، حيث أفاد بأن انعدام الرقابة التنظيمية والإشراف على أسواق العملات المشفرة أثار "المخاوف تجاه احتمال حدوث احتيال وتلاعب".
في محاولة للتخفيف من بعض مخاوف الهيئة، اقترحت "بلاك روك" وبعض جهات الإصدار الأخرى التي تحذو حذوها تطبيق ما يطلق عليه اسم "اتفاقيات المراقبة المشتركة"، وهي طريقة للحد من مخاطر التلاعب بالسوق والاحتيال. وبرزت شركة "كوين بيس"، بورصة التداول العلنية الوحيدة، والتي تعمل فقط بمجال التداول الفوري للعملات المشفرة في الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها شريكاً مفضلاً لمراقبة السوق بالنسبة لشركات إصدار صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة.