حُكم على المؤسس المشارك والمروج الرئيسي لعملية احتيال "وان كوين" الهرمية (OneCoin) التي بلغت قيمتها 4 مليارات دولار بالسجن لمدة 20 سنة لدوره في واحدة من أولى وأكبر عمليات الاحتيال الإجرامية المرتبطة بعملة مشفرة.
جاء الحكم على كارل سيباستيان غرينوود -46 سنة- في نيويورك أمس، بعد اعترافه بالجرم في ديسمبر الماضي لإنشاء وترويج عملة مشفرة مزيفة. كان غرينوود هو الذراع الأيمن لروجا إغناتوفا، الشهيرة بـ"ملكة العملات المشفرة" أو (Cryptoqueen) وأكثر المطلوبين للعدالة من قطاع العملات المشفرة حول العالم.
منصة وهمية
وصف قاضي المحكمة الجزئية الأميركية إدغاردو راموس جريمة الاحتيال بأنها "جسيمة من نواح كثيرة"، مشيراً إلى أن "وان كوين" لا تملك منصة بلوكتشين ولا عملة مشفرة حقيقية ولا سوقاً للتداول. لم يستطع الضحايا سحب استثماراتهم ويواجه غالبيتهم إمكانية عدم استرداد أي من أموالهم مطلقاً.
بين القاضي: "بالأساس، لم يكن الأمر أكثر من عملية خداع بأسلوب قديم".
يغلق الحكم الصادر ضد "غرينوود" فصلاً واحداً من قضية "وان كوين"، التي يعتبرها المسؤولون واحدة من أكبر مخططات الاحتيال ذات التأثير الهرمي في التاريخ. طال المخطط 3.5 مليون ضحية في كافة أنحاء العالم وأثار حملة إجراءات تنظيمية صارمة أوسع ضد الجريمة في أسواق العملات المشفرة.
بلغت إيرادات "وان كوين" 4 مليارات يورو (4.3 مليار دولار) محققة 2.7 مليار يورو (2.93 مليار دولار) من الأرباح بين عامي 2014 و2016، لكن لم تكن لها قيمة حقيقية، بحسب المدعين العامين. تعمل المنصة بوصفها شبكة تسويق متعددة المستويات تدفع عمولات لملايين الأشخاص في كافة مناطق العالم لاستقطاب آخرين لشراء باقات "وان كوين".
وروج "غرينوود" و"إغناتوفا" للعملة المشفرة المزيفة بطرق براقة في كافة أنحاء العالم إذ أكدوا للضحايا أن "وان كوين" ستكون بمثابة عملة "بتكوين" التالية.
اعترافات
أوضحت الحكومة أن غرينوود جنى شخصياً 300 مليون دولار عن طريق الاحتيال، أنفق جزءاً منها على شراء عقارات في إسبانيا ودبي وتايلندا، ورحلات السفر الفاخرة على متن طائرة "وان كوين" الخاصة، وملابس فاخرة ودفعة مقدمة ليخت "صن سيكر". أمره راموس بالتنازل عن مبلغ 300 مليون دولار.
في أثناء الجلسة، قرأ غرينوود من بيان مُعد مسبقاً، وأخبر القاضي بأنه يأسف للضرر الذي تسبب فيه.
أضاف: "الألم الذي سببته للآخرين -الضحايا- لا يمكنني محوه، وأنا آسف للغاية".
تابع: "دمرت حياتي وألحقت ضرراً لا يمكن تداركه بالعديد من الأشخاص الآخرين".
توارت "إغناتوفا" -العقل المدبر الذي يقف وراء "وان كوين"- عن الأنظار في 2017 إذ أحاطت الشكوك بـ"وان كوين" وما زالت مختفية. وهي تواجه لائحة اتهام أميركية منذ 2019 تتضمن ارتكابها لجريمتي الاحتيال وغسيل الأموال. أُدرجت على قائمة مطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية تضم عشرة أشخاص، حيث عرضت السلطات مكافأة 100 ألف دولار مقابل تقديم معلومات تقود لاعتقالها.
القبض على غرينوود
قُبض على غرينوود من منزله بمدينة كوه ساموي في تايلندا، خلال 2018 قبل تسليمه للولايات المتحدة الأميركية. واجه أحكاماً بالسجن تصل إلى 60 سنة. اعترف بالمبالغة في طرح "وان كوين" باعتبارها منافسة لـ"بتكوين" رغم علمه أنها عملة مزيفة وضعت قيمتها بطريقة اعتباطية من قبل داعميها، وليس وفقاً لعمليات تداول بالسوق، واستخدمت لاستدراج الضحايا لعملية احتيال تسويقية متعددة المستويات.
استأنف غرينوود، وهو مواطن سويدي أب لأربعة أطفال، أمام القاضي لتخفيف الحكم، زاعماً أنه قبل الاعتراف بالمسؤولية عن جرائمه. أضاف غرينوود إنه عانى من "ظروف قاسية تماماً" داخل السجن في تايلندا والولايات المتحدة الأميركية منذ توقيفه.
يبدو أن محامينه حجبوا معلومات متعلقة بسجنه في ملف الدعوى القضائية. سبق له العمل لدى شركة "كيه بي إم جي" (KPMG) في ألمانيا ووكالة إعلان مملوكة لوالديه في السويد.
كشف ممثلو الادعاء أن غالبية ضحايا "وان كوين" لن يستردوا على الأرجح أياً من أموالهم، على النقيض من مستثمري مخطط برنارد مادوف الاحتيالي القياسي الذي بلغ 20 مليار دولار، حيث استعاد الضحايا غالبية أموالهم.
الأغبياء
أشار راموس إلى مادوف في تفسيره لعقوبته، حيث يظهر نقص الموارد المالية والتطور بالنسبة لمستثمري "وان كوين" على النقيض من العديد من ضحايا مادوف. نوه القاضي إلى رسالة بريد إلكتروني تعود لـعام 2016 وصف فيها غرينوود مستثمري "وان كوين" بأنهم "أغبياء".
أضاف: "لم يكن مادوف ليستهدف ضحايا من تلك النوعية في هذه القضية، حيث كانوا من صغار المستثمرين للغاية".
اعتمدت "وان كوين" على شبكة من مبيضي الأموال الذين حولوا النقود عبر مصارف موزعة على 21 بلداً على الأقل، بحسب الأميركي أدين مارك سكوت، الشريك السابق في شركة المحاماة "لوك لورد" (Locke Lord)، بعد إدانته 2019 بتهمة غسل 400 مليون دولار من إيرادات "وان كوين". زعم المدعون أن سكوت أسس صندوقاً استثمارياً وهمياً لمعالجة أموال إغناتوفا. لم يصدر ضده حكماً بالسجن.
حُكم على غيلبرت أرمينتا بالسجن 5 أعوام خلال فبراير الماضي، وهو صديق سابق لإغناتوفا اعترف بأنه مذنب في جريمة تبييض 300 مليون دولار من أموال "وان كوين".
سافر والدا غرينوود وأفراد أسرته الآخرون من السويد لحضور جلسة النطق بالحكم. مسح والده دموعه عند سماعه كلمة ابنه أمام المحكمة، إذ أعرب عن حزنه للفضيحة التي طالت الأسرة. عندما أعلن القاضي قراره بسجن غرينوود 20 سنة، دفنت والدته وجهها بين يديها.
