تراجع الأرباح مدفوع باستخدام الوسطاء وانهيار حجم التداول الفوري 74% في أغسطس

علامة تحذيرية.. صناع سوق العملات المشفرة يعانون من تدهور الربحية

كومة من المسكوكات ترمز إلى عملة "بتكوين" المشفرة - المصدر: بلومبرغ
كومة من المسكوكات ترمز إلى عملة "بتكوين" المشفرة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كانت صناعة السوق في العملات الرقمية ذات يوم مصدراً للأرباح الهائلة. لكن المشهد اختلف بشكل كبير في الفترة الحالية، مع القفزة التي حدثت في التكاليف، وعزوف المستثمرين عن قطاع التشفير بعد التأثير الذي خلفه الانهيار الذي محا تريليوني دولار من قيمة العملات المشفرة.

أسفر انهيار أسعار العملات المشفرة عن موجة إفلاسات، كما حدث لمنصة "إف تي إكس" للتداول، وترك عدداً ضخماً من العملات حبيسة المنصات المفلسة، وأثار المخاوف من استمرار الأزمة.

قام صناع السوق بتكثيف جهودهم للحد من مخاطر الوقوع ضحية لأزمة مستقبلية، وهو تغير وصفوه بأنه يضعف هامش الربح. أشار مزودو السيولة "أوروس" (Auros) و"جي إس آر ماركتس" (GSR Markets Ltd.) و"وينتر ميوت تريدينغ"، إلى الاتجاهات العامة، مثل تنويع النشاط عبر المزيد من البورصات. كما يقومون بشكل متزايد بتخزين الأصول الرقمية بعيداً عن أماكن التداول واستخدامها كضمان لاقتراض الرموز المميزة لنشرها على منصات التشفير.

يُحفظ الضمان لدى أمناء الحفظ أو الوسطاء الرئيسيين، وعند إخفاق منصة تداول، لا تنكشف إلا العملات التي حُصل عليها من جهات الإقراض فقط. وبالنسبة لقطاع صناعة السوق ككل، فإن استخدام الوسطاء يساهم في انخفاض الربحية بنسبة 20% إلى 30% مقارنة بإيداع العملات والاستفادة منها مباشرة من موقع التداول، بحسب "أوروس".

قال لي شي، مدير التداول بشركة "أوروس": انهيار (إف تي إكس) كان إشارة تحذيرية لهذا القطاع. ولم تعطَ الأولوية قط للمخاطر الناجمة عن ترك الأصول على منصات التداول، لكن ذلك الوضع تغير، ونتفهم أن ارتفاع التكلفة سيكون سبيلاً لإنجاز الأعمال في الفترة الحالية".

وأضاف شي أن استخدام مقدمي خدمات الحفظ المتخصصين خارج منصة التداول قد يحد من نطاق الرافعة المالية، في الوقت الذي يفرض فيه مقدمو خدمات الإيداع رسوماً، وشدد على أن التأثير الدقيق على هامش الربح يتباين بشكل كبير من شركة لأخرى.

جنى الوسطاء مكاسب هائلة من نشاط إتاحة تداولات العملات المشفرة والتربح من الفارق بين سعري البيع والشراء خلال المسار الصعودي المدفوع بالتحفيز في فترة الجائحة في 2021. ففي ذلك العام، بلغ حجم تداول "وينتر ميوت" 1.5 تريليون دولار، وحققت إيرادات بقيمة 1.05 مليار دولار، وأرباحاً تبلغ 582 مليون دولار بثلاثة وخمسين موظفاً فقط، وفقاً لأحد التقارير.

في تلك الفترة، تجاوزت القيمة السوقية للعملات المشفرة 3 تريليونات دولار، لكنها انهارت إلى 1.1 تريليون دولار، متأثرة بارتفاع أسعار الفائدة الذي قضى على الحماس المتوقع. انسحبت شركتا "جين ستريت غروب" (Jane Street Group) و"جامب كريبتو" (Jump Crypto) للوساطة من الأصول الرقمية وسط انخفاض حجم التداول وتراجع التذبذب في الأسعار، إلى جانب تضييق الجهات التنظيمية الأميركية الخناق على منصات التداول، مثل "بينانس هولدينغز" و"كوين بيس غلوبال".

الفرار إلى الجودة المرتفعة

قال منغ هوي نيو، المدير الإداري للتداول والمدير المشارك بشركة "جي إس آر ماركتس" بسنغافورة: "يسعى الوسطاء بشكل متزايد إلى تقليص تعرضهم على منصات التداول المركزية بغرض خفض المخاطر".

وأضاف نيو أن الشركة، التي كانت تنشط من الناحية التاريخية في تداول العملات المشفرة الصغيرة، تركز حالياً بشكل أكبر على العملتين الأكبر، "بتكوين" و"إيثر" عبر استراتيجية "الفرار إلى الجودة المرتفعة"، وأن ذلك له تأثيره على هامش الربح، لكن العملتين تقدمان حجم تداول أكبر وفرص أكثر خلال الوضع الحالي في السوق.

تجري أغلبية التداولات الفورية في العملات المشفرة على منصات التداول المركزية، وهي أسواق تديرها شركات مثل "بينانس" و"كوين بيس" و"أو كيه إكس" (OKX)، التي تحتفظ بالأصول لتسهيل البيع والشراء. يوفر قطاع التشفير أيضاً منصات تداول غير مركزية من نظير إلى نظير، مثل "يونيسواب" (Uniswap) التي تتيح التداول عبر برنامج خوارزمي يعتمد على بلوكتشين، يعرف باسم العقود الذكية، مع احتفاظ المستخدمين بالعملات المشفرة بدلاً من تسليمها.

تدهور حجم التداول الفوري الشهري بمنصات التداول المركزية 74% ليبلغ 445 مليار دولار في أغسطس، مقارنة بشهر يناير من عام 2022، وفقاً للبيانات الصادرة عن شركة "سي سي داتا" (CCData). بخلاف التداول الفوري للعملات، يعمل الوسطاء أيضاً في العقود المستقبلية للأصول الرقمية الأكبر حجماً وقطاع عقود الخيارات. انخفض حجم تداول مشتقات العملات المشفرة أيضاً بما يقارب 50% ليبلغ 1.5 تريليون دولار خلال الفترة ذاتها.

إدارة المخاطر

عمق السوق، أو قدرة سوق الأصول الرقمية على استيعاب أوامر البيع والشراء الأكبر نسبياً دون التأثير على سعر الأصل بلا داعٍ، يوضح انسحاب مزودي السيولة، بحسب شركة "كايكو" (Kaiko) للبحوث التي ذكرت في أغسطس أن عدد التداولات الموجودة في نطاق 2% من متوسط سعر "بتكوين" على منصات التداول المركزية انخفض بأكثر من 60% في أكتوبر من العام الماضي.

وأضافت الشركة: "بينما مثلت الأسباب الهيكلية جزءاً من الدافع لهذا الانخفاض، فانسحاب الوسطاء من المجال بعد تكبدهم خسائر، أو تعديلهم لاستراتيجيات إدارة المخاطر بشكل دائم بعد انهيار (إف تي إكس)، وانخفاض فرص التقلب لها دورها في خروج مزودي السيولة من السوق".

آمال معلقة على الصناديق الفورية

تعافت الأصول الرقمية بشكل جزئي في 2023 من موجة البيع الكثيف الكبيرة في العام الماضي، لكنها ما تزال أقل بكثير عن أعلى مستوياتها المسجلة على الإطلاق. على سبيل المثال، ارتفعت "بتكوين" 55% منذ مطلع العام ليبلغ سعرها 25700 دولار، إلا إنه أدنى من السعر القياسي الذي وصلته في 2021 بمقدار 40 ألف دولار.

تأمل شركات العملات المشفرة في تحقيق مزيد من المكاسب، حال الموافقة على الطلبات المعلقة لإطلاق أول صندوق فوري متداول بالبورصة لـ"بتكوين" في الولايات المتحدة. تتجه بعض الشركات إلى آسيا بحثاً عن إنعاش النمو، مشيرة إلى أن القوانين الأكثر وضوحاً هناك ستساعد على زيادة الطلب الإقليمي على العملات المشفرة. كان يوآن توربين، المؤسس المشارك لشركة "وينتر ميوت"، قد قال في يوليو إنه يعتزم الانتقال إلى سنغافورة مع بعض موظفيه.

كل ما يحتاجه مزودو السيولة هو عودة المستثمرين إلى الأصول الرقمية، فقال نيو، من شركة "جي إس آر ماركتس": "دون دخول مصادر جديدة للتدفقات إلى قطاع العملات المشفرة، سيصعب توقع فصل جديد من نجاح العملات المشفرة في المستقبل القريب".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك