أطلقت هونغ كونغ إطاراً تنظيمياً حديثاً للعملات المشفرة في محاولة لتأسيس مركز للأصول المشفرة، وهو تحوّل أثار الاهتمام لكنه لم يظفر بعد بتعهدات استثمارية كبيرة من قطاع ضربه تراجع السوق السنة الماضية.
يبدأ اليوم الخميس تطبيق اللوائح التي تسمح لبورصات العملات المشفرة بتوفير خدمات التداول للأفراد والمؤسسات، إذا حصلت على التراخيص وامتثلت للقواعد المصمَّمة لحماية المستثمرين من ممارسات خطرة كشف عنها انهيار 2022.
يُطرَح إطار العمل، الذي استغرق إعداده شهور، بوقت تجوب فيه شركات التشفير العالم بحثاً عن قواعد تنظيمية ملائمة في ظلّ الحملة التنظيمية الصارمة في أميركا. تسعى ولايات قضائية على غرار هونغ كونغ ودبي لاجتذاب الشركات، فيما تعتزم سنغافورة تقليص مشاركة المستثمرين الأفراد. اعتمد الاتحاد الأوروبي خلال أبريل الماضي أكثر القواعد التنظيمية للأصول المشفرة شمولية مقارنة بأي دولة متقدمة.
تقديم الطلبات
تسلمت لجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة في هونغ كونغ عشرات الطلبات من الأطراف المهتمة، في حين كشفت شركات من بينها "هوبي" (Huobi) و"أو كيه إكس" (OKX) و"أمبر غروب" عن عزمها على التقدم بطلب للحصول على تراخيص بموجب إطار العمل الحديث.
أعلنت هونغ كونغ عن تحوُّل في نهجها السنة الماضية في إطار محاولتها استعادة مكانتها باعتبارها مركزاً مالياً متطوراً. لا توفر المدينة سوقاً محلية فقط، بل أيضاً ممرّاً للثروات الصينية، لا سيما إذا خففت بكين حظراً استمرّ 20 شهراً فرضته على تداول العملات المشفرة بالبر الرئيسي.
رغم ذلك امتنعت 15 شركة أصول مشفرة معروفة، بما فيها بورصات تداول ومقرضو عملات مشفرة ومصدّرو عملات مشفرة مستقرة، عن الخوض في تفاصيل خطط استثمارية معينة تجاه هونغ كونغ عندما سألتها "بلومبرغ نيوز" عنها. يأتي من بين البورصات على سبيل المثال "بينانس" و"كوين بيس" و"بايبت" (Bybit) و"هوبي" التي تمثل معاً أغلب حجم التداول بالعملات المشفرة.
أوضح فينس توركوت، مدير وحدة الأصول المشفرة في شركة التكنولوجيا التنظيمية "إيفنتوس" (Eventus)، التي تتعاون مع بعض الشركات التي تسعى للحصول على الترخيص، أنه "يمضي المستثمرون المحتملون بشكل متحفظ في إجراءات تأسيس منصات تداول الأصول الافتراضية في هونغ كونغ، ويريدون ضمان أن الأمر لن ينتهي بهم بخسارة أموالهم".
التحديات
تتضمن التحديات متطلبات تقييمات مخاطر المستثمرين، والتغطية التأمينية، والاحتفاظ بالأصول، التي قد ترفع التكاليف. أكد الرئيس التنفيذي لسلطة النقد في هونغ كونغ، إيدي يوي، توافر الحماس إزاء تأسيس منظومة للأصول الافتراضية، فيما أضاف أن "هذا لا يعني وضع عملية تنظيمية غير صارمة".
علاوة على ذلك، لم يتضح بعدُ عدد بورصات العملات المشفرة التي يمكن لسوق هونغ كونغ المحلية دعمها فعلاً، وما إذا كان المسؤولون سيُبقون العملات المشفرة ضمن أولوياتهم في الأجل البعيد، بخاصة أن القطاع عرضة لموجات من الفضائح.
من جانب آخر، ما زالت أحجام التداول الفورية للأصول المشفرة منخفضة عالمياً، إذ تعافت السوق جزئياً فقط من تراجع كلّفها 1.5 تريليون دولار السنة الماضية، إذ أسفر تفجُّر الأوضاع عن وقوع حالات إفلاس على غرار "إف تي إكس" وتسريح آلاف الموظفين، بما فرض قدراً كبيراً من الحيطة والحذر بالقطاع.
قالت أنجيلا أنغ، كبيرة مستشاري السياسات في شركة تحليل بيانات بلوكتشين "تي آر إم لابس" (TRM Labs) والعضو المنظم السابق بالسلطة النقدية في سنغافورة: "علينا مراقبة ما إذا كانت توقعات القطاع والجهات التنظيمية تتماشى مع الواقع، على سبيل المثال، وتيرة منح التراخيص وتطبيق برامج الامتثال للقواعد".
على صعيد البورصات، استثمرت منصة "أو كيه إكس" المعروفة، التي لديها مكتب في هونغ كونغ، في المدينة بالفعل قبل الكشف عن الإطار التنظيمي الجديد للعملات المشفرة.
قال لينيكس لاي، الرئيس التجاري العالمي لشركة "أو كيه إكس": "لقد استثمرنا ملايين الدولارات في استقطاب المواهب وتطوير المنتجات المالية والامتثال وتأمين النظام، لمواءمة منصتنا للأسواق التقليدية على غرار بورصة هونغ كونغ".
تعتزم شركة "ريفال بايبت" (Rival Bybit) التقدم للحصول على تصاريح، لكنها ستتحفظ حيال استثمارها المبدئي في هونغ كونغ، وبيّن رئيسها بن تشو أن "الأمر يحتاج إلى قليل من الصبر لبناء حضور قوي بأسواق جديدة، وهذا ما سنفعله".
من جهتها، دعت شركة "بينانس"، أكبر منصات العملات المشفرة، إلى وضع قواعد "مرنة وشاملة"، مشيرة إلى أنها "تطمح إلى رؤية عملية تطوير متواصلة في هونغ كونغ".
اشتراطات "صعبة"
بينما يسمح نظام الترخيص الإلزامي في هونغ كونغ بتداول المستثمرين الأفراد، فإن نشاطهم يقتصر على عملات كبرى على غرار "بتكوين" و"إثيريوم" مُدرَجة بمؤشرَين على الأقلّ معتمَدَين وقابلَين للاستثمار من مقدِّمَي خدمات مستقلَّين، أحدهما يتمتع بخبرة في القطاع المالي التقليدي.
شدّدَت لجنة الأوراق المالية والعقود الآجلة الشهر الماضي على أن المنصات المرخصة يتعين أن "تلتزم مجموعة تدابير تكفل حماية قوية للمستثمرين تغطي عمليات التسجيل والإدارة والإفصاح والفحص النافي للجهالة للرموز المشفرة وقبول الالتحاق، قبل توفير خدمات التداول للمستثمرين الأفراد".
يبدو أن بعض الاشتراطات الخاصة بوصول المستثمرين الأفراد إلى الخدمات أصعب من أي منطقة أخرى بالعالم تقريباً، وفقاً لجوي غارسيا، رئيس الشؤون القانونية والتنظيمية بمصرف "زابو بنك" (Xapo Bank)، الذي اختتم بأنه غير مقتنع بأن المنصات "ستهرع إلى هونغ كونغ لاستغلال إطار العمل الجديد".