عيّنت وزارة العدل الأمريكية مدعية عامة مخضرمة في مجال الأمن السيبراني، لقيادة فريق جديد مخصص في التحقيقات في مخططات العملات المشفرة غير المشروعة، التي ينفذها مجرمو الإنترنت وبعض الدول، بما في ذلك كوريا الشمالية وإيران، ومقاضاة مرتكبيها.
أعلنت نائبة المدعي العام ليزا موناكو الخميس، أن إيون يونغ تشوي، ستكون أول مديرة للفريق الوطني لإنفاذ قوانين العملات الرقمية، والذي سيكون بمثابة نقطة محورية لجهود تحديد وتفكيك إساءة استخدام العملات المشفرة والأصول الرقمية الأخرى.
اقرأ أيضاً: "الخزانة الأمريكية" تتجه لإعفاء مستثمري العملات المشفرة من شروط "تعجيزية
قالت موناكو في مقابلة: "إذا كنا سنرى -كما أعتقد- اكتساب العملة المشفرة للمزيد من الجاذبية، واكتسابها اعتماداً على نطاق أوسع، هذا يعني أنه علينا التأكد من إمكانية الوثوق بالبيئة التي تعمل فيها، وبصراحة، يمكن مراقبتها.. سنجعل من عملنا ملاحقتهم (القراصنة) واستعادة تلك العائدات، ونوضح لهم أنهم لا يستطيعون الاختباء".
اقرأ المزيد: خلاف بين يلين والبيت الأبيض يبطئ التوصل لاستراتيجية بشأن العملات المشفرة
ازدهر سوق العملات المشفرة البالغة قيمته تريليونيْ دولار، حيث تتطلع الشركات والمستثمرون إلى جني عوائد أعلى والحصول على موطئ قدم في تقنية يُنظر إليها على أنها لا تزال في أيامها الأولى.
يسارع المدعون العامون والجهات التنظيمية إلى تحديد كيفية مراقبة هذا الفضاء -وكذلك سوق الأصول الرقمية الأخرى مثل الرموز غير القابلة للاستبدال- والتي أصبحت ساحة جديدة للمجرمين والدول المارقة لسرقة وغسل مليارات الدولارات من خلال طرق مجهولة، مثل معاملات البلوكتشين والتشفير والمحافظ الرقمية.
طفرة المعاملات غير المشروعة
قفزت المعاملات غير المشروعة بنحو 80% في عام 2021 إلى 14 مليار دولار، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، وفقاً لشركة تحليل البلوكتشين "تشاين أناليسيس" (Chainalysis). ومع ذلك، قالت الشركة إن الجريمة شكلت حصة أصغر بكثير من إجمالي حجم المعاملات المشفرة، والتي زادت بشكل كبير العام الماضي.
قالت تشوي في مقابلة إن إحدى النقاط الرئيسية التي يركز عليها الفريق الجديد، تتمثل في القضاء على النشاط غير القانوني في عمليات تبادل العملات الافتراضية، بالإضافة إلى خدمات العملات المشفرة أو المزج، والتي تُستخدم لإخفاء الأموال الملوثة أو الفاسدة.
عملت تشوي مؤخراً، والتي تُعرف بين زملائها بأحرف اسمها الثلاثي (EYC)، مستشارة أولى لموناكو في مسائل الأمن السيبراني. يقع مقر فريق التشفير داخل القسم الجنائي لوزارة العدل، ولديه أكثر من عشرة مدعين عامين من ذوي الخبرة، مع خطط لتوظيف المزيد من الموظفين.
قالت تشوي البالغة من العمر 41 عاماً: "نحاول التركيز على المركزية، لكي نكون فريقاً شاملاً لجميع الخبراء المتخصصين داخل الوزارة".
دعاوى قضائية
عندما تم الإعلان عن إنشاء فريق العملات المشفرة في أكتوبر، قالت موناكو إن التركيز الرئيسي سيكون على تحريك دعاوى قضائية ضد بورصات العملات المشفرة وغيرها من الكيانات التي يتضح أنها تنتهك القانون وتساعد في حركة التمويل غير المشروع.
سيضيف الفريق دعماً للتحقيقات الحالية أثناء متابعة تحقيقات جديدة.
على الرغم من أن تشوي لم تحدد أي منصات تداول بالاسم ، ذكرت "بلومبرغ" سابقاً أن وزارة العدل، ودائرة الإيرادات الداخلية، تحققان فيما إذا كانت "بينانس هولدينغز" (Binance Holdings)، أكبر منصة تداول عملات رقمية في العالم، تقوم بعمليات غسل الأموال والتهرب الضريبي.
قالت تشوي إن فريقها يتواصل مع شركات العملات المشفرة التي لديها سياسات قوية لمكافحة غسيل الأموال وبرامج امتثال قوية، بالإضافة إلى شركات تحليلات بلوكتشين. وأضافت: "المعلومات التي بحوزتها ضرورية لاستئصال إساءة استخدام العملات المشفرة، لأنها هي من يمكنه رؤية الأنشطة المشبوهة التي قد تحدث في أنظمتها".
في مؤشر على حجم التحدي الذي يواجه أجهزة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة، صادرت وزارة العدل خلال الشهر الجاري وحدات من عملة "بتكوين" بقيمة حوالي 3.6 مليار دولار، تمت سرقتها خلال اختراق عام 2016، في أكبر عملية مصادرة لأصول مالية على الإطلاق.
بالإضافة إلى ذلك، كانت دائرة مسؤولي الأمن القضائي في الولايات المتحدة، الحارس الأساسي للأصول المصادرة لوزارة العدل، تمتلك 919 مليون دولار عبر 22 عملة مشفرة مختلفة في نهاية عام 2021.
مدعية عامة من ذوات الخبرة
يأتي تعيين تشوي بعد سنوات أمضتها في مطاردة القرصنة وهجمات العملات المشفرة.
في واحدة من أولى قضاياها الرئيسية، قادت تشوي الملاحقة القضائية الناجحة لاختراق في عام 2014 استهدف "جيه بي مورغان" والذي شهد سرقة مئات الملايين من الدولارات على يد قراصنة ومتآمرين في أكثر من عشرة بلدان.
كما تولت نظر الاستئناف في القضية المرفوعة ضد روس أولبريشت، مؤسس ورئيس إدارة موقع "سيلك رود" المغلق حالياً، لتجارة المخدرات.
قال إدوارد إمبيراتور، الذي كان زميل تشوي في وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة لمكتب المدعي العام الأمريكي في مانهاتن: "ما يُظهره تعيينها هو أن العملة المشفرة تقع حقاً في محور التحقيقات المالية المعقدة والأمن السيبراني ومكافحة غسل الأموال والاتجار بالمخدرات، والتنفيذ عبر الحدود.. لديها خبرة في كل من تلك المجالات".
نظراً لأن العملات المشفرة أصبحت أكثر شيوعاً، فقد زادت احتمالية ارتكاب الأخطاء بشكل كبير.
قالت تشوي، إن الاحتيال في العملات المشفرة يشمل الآن مجموعة من الأنشطة، بما في ذلك الجرائم المالية، والرشوة، وقضايا المخدرات، وهجمات برامج الفدية، وهجمات القرصنة، وغسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب من العقوبات.
سيقود فريق تشوي جهود الوزارة للتنسيق مع وكالات إنفاذ القانون الأمريكية والدولية والهيئات التنظيمية والصناعات الخاصة. كما سيعزز الجهود الحالية للشعبة الجنائية لتقديم الدعم والتدريب لوكالات إنفاذ القانون الفيدرالية والمحلية والدولية.
كما يخطط مكتب التحقيقات الفيدرالي للإعلان عن إنشاء وحدة افتراضية جديدة لاستغلال الأصول.
قالت تشوي: "سيكون من المهم بالنسبة إلينا أن تكون لدينا جبهة موحدة في محاولة تحديد الأدوات والسلطات التي نجلبها جميعاً إلى هذا النهج بشأن الأصول الرقمية".
مع ذلك، هناك بعض التوتر بين الشركات الخاصة التي تتعامل مع العملات المشفرة وما تفعله الوزارة.
قلق الشركات
تشعر الشركات بالقلق من أن وكالات العدل والهيئات التنظيمية، ستتخذ نهجاً قاسياً تجاه إجراءات الإنفاذ، وفقاً لمدعٍ عام فيدرالي سابق طلب عدم الكشف عن هويته، أثناء حديثه عن العلاقات بين الشركات الخاصة والوزارة.
كافحت الوكالات الأمريكية على مدار سنوات لإقناع الشركات بالكشف عن هجمات القرصنة ونقاط الضعف السيبرانية.
تخشى الشركات الضحية من القطاع الخاص أن يضعها هذا الإبلاغ، في مرمى الادعاء العام، أو قد يكون هناك بعض التبعات التنظيمية. لكن المسؤولين الأمريكيين أعربوا عن أملهم في أن يكونوا قد تجاوزوا المرحلة الصعبة في السنوات الأخيرة، لا سيما مع الجهود الناجحة لمساعدة الشركات على استرداد الأموال المسروقة.
بالإضافة إلى مصادرة "بتكوين" خلال الشهر الجاري في قضية اختراق بورصة العملات المشفَّرة "بيتفينكس" (Bitfinex)، استعادت الولايات المتحدة في العام الماضي كل وحدة "بتكوين" دفعتها فدية لمرتكبي هجوم إلكتروني على شركة "كولونيال بايبلاين" (Colonial Pipeline)، والذي تسبب في نقص الوقود على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة.