كي تأخذ فكرة عن مدى عودة سرعة الطلب على السلع إلى الانتعاش في أعقاب جائحة فيروس كورونا، ليس عليك أن تنظر أبعد من أسواق شحن هذه السلع.
شهد يوم الإثنين الزيادة العاشرة على التوالي في مؤشر البلطيق الجاف، وهو معيار لقياس تكلفة نقل السلع التي ارتفعت إلى أعلى مستوى منذ 11 عاماً.
قال يان ريندبو الرئيس التنفيذي لشركة "دي إس نوردن" (D/S Norden): "في بداية العام، كان الناس يعتقدون أنَّ قفزة الأسعار هي زيادة قصيرة الأمد، لكنَّهم الآن يرونها زيادة هيكلية طويلة الأجل." يرأس ريندبو شركة الشحن الجاف الدانمركية التي تمَّ إنشاؤها منذ 150 عاماً، وتشغل أكثر من 500 سفينة.
حقَّق الطلب على شحن المواد الخام، مثل الفحم، وخام الحديد قفزة خلال العام الحالي، متجاوزاً نمو أسطول النقل مع انتعاش الاقتصاد بعد الضرر الناجم عن الجائحة. كما فاقمت الاضطرابات المرتبطة بفيروس كوفيد أيضاً مشكلة نقص المعروض من السفن، إذ خُفِّضت أعداد السفن المتاحة، فمال السوق لصالح مالكيها.
سجَّل مؤشر البلطيق الجاف 4147 نقطة يوم الإثنين، وهو أعلى مستوى منذ مايو 2010. إذ قفزت أجور ناقلات البضائع السائبة العملاقة 2% إلى 50708 دولار، وهو أعلى مستوى تبلغه منذ 2014 على الأقل، وفقاً لبيانات بورصة البلطيق. كما تشير العقود الآجلة لاستمرار التوقُّعات المتفائلة.
قفزات هنا وهناك
يُتوقَّع أن ترتفع الشحنات المنقولة بحراً في تجارة خام الحديد 4% إلى 1.56 مليار طن خلال العام الحالي، في أكبر زيادة منذ 2017، وفقاً لبيانات شركة "كلاركسون لخدمات البحوث" (Clarkson Research Services)، وهي تابعة لمجموعة "كلاركسون" (Clarkson Group)، أكبر شركات الخدمات الملاحية في العالم.
كما يُتوقَّع أن تزيد تجارة الشحنات الجافة بشكل عام 4.2% على أساس سنوي في 2021، ثم بنسبة 1.7% في عام 2022. فيما سيتخلَّف نمو أسطول النقل البحري على الأرجح عن معدل نمو الشحنات، إذ ستنمو الطاقة الاستيعابية بنسبة 3.3% خلال العام الحالي، وبنسبة 1.4% في العام المقبل، وفق بيانات "كلاركسون".
قال يورغن ليان، محلل الأسهم لدى بنك "دي إن بي بانك" (DNB Bank): "تبدو الحياة وردية للغاية بالنسبة لعالم الشحن الجاف... كان هذا الانتعاش يتكوَّن منذ الصيف الماضي، وتسارعت وتيرته خلال العام الحالي بسبب تعافي حركة التجارة في مرحلة ما بعد كوفيد".
سلع قوية
إذا استمرت سوق السلع الأولية قوية في الخلفية؛ فإنَّ أسعار الشحن قد تظلُّ مرتفعة، بحسب قول إيريك هافلدسن، محلل قطاع الشحن لدى شركة "باريتو سيكيوريتيز" (Pareto Securities) في أوسلو. توقَّع هافلدسن استمرار النزعة خلال بقية 2021 مع طفرة استيراد الفحم لاقتراب فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي.
ويقول خالد هاشم، العضو المنتدب في شركة "بريشاس شيبينغ" (Precious Shipping)، إنَّ الطلب على المواد الخام يتزايد، ولم يصل ذروته بعد، وأضاف خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ أنَّ أسعار الشحن ستستمر بالتحليق، إذ يقلل ازدحام الموانئ الصينية من العرض الفعَّال للسفن الناقلة.
تسبَّبت طريقة الصين المباشرة في التعامل مع عودة انتشار كوفيد في تأخير السفن نتيجة الإجراءات الصارمة في معظم موانئ البلاد. حيث تحتجز السفن الآتية من مناطق عالية المخاطر، مما يؤدي إلى تقليص المعروض من السفن في السوق، وزيادة الأسعار، وفقاً لهاشم.
عندما تصل السفن إلى الموانئ الصينية؛ يتمُّ اختبار طاقمها تحرّياً للإصابة بالفيروس على ظهر السفينة، الأمر الذي يستغرق نحو يومين. يجب على السفن بعد ذلك أن تنتظر حتى تتوافر خدمة الميناء، وهي العملية التي تباطأت نتيجة تخفيض عدد العاملين بالموانئ بسبب كوفيد. تفوز السفن الصغيرة بشحنات كانت في ظروف أخرى ستذهب إلى سفن الحاويات التي يقول هاشم، إنَّها تعرَّضت لأعنف ضربة من هذه الاضطرابات.
أضاف هاشم قوله: "تجاوز الطلب التوقُّعات. ستستمر الزيادة في الطلب على المواد الخام، طالما يواصل معدل نمو الناتج المحلي في الصين الارتفاع."