تريد الهند الانضمام إلى حركة السيارات الكهربائية، وتقوم بإدخال سياسات على غرار الصين لمتابعة طموحاتها الخضراء. لكن هناك عوائق ومنها غرائزها الحمائية التي عفا عليها الزمن والتي أبعدت شركات السيارات العالمية عنها لعقود من الزمن.
في الشهر الماضي، أعرب إيلون ماسك عن أسفه لسياسات الهند التقييدية، حيث غرد أنه بينما أرادت شركة "تسلا" تصنيع سيارات هناك، فإن "رسوم الاستيراد هي الأعلى في العالم حتى الآن مقارنة بأي بلد كبير".
وأضاف أن سيارات الطاقة النظيفة في الهند "تعامل مثل سيارات الديزل أو البنزين".
وكررت شركة "هيونداي موتور" شكوى "ماسك" في وقت قريب، مشيرة إلى أن خفض الرسوم الجمركية على واردات السيارات الكهربائية من شأنه أن يساعد في" الوصول إلى بعض اقتصاد وفورات الحجم في هذا القطاع ذي الأسعار التنافسية للغاية".
سياسة حمائية
بينما غرد ماسك بأنه "متفائل" في أن يكون هناك تخفيف مؤقت للتعريفات، إلا أنه محق: لا يزال نهج الهند الحمائي العميق يمثل رادعاً كبيراً للشركات الأجنبية.
وعلى عكس العديد من الأجزاء الأخرى من العالم، حيث تتبنى الحكومات سياسات السيارات الكهربائية لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات، كان لدى إدارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تركيز أحادي على حملتها "اصنع في الهند"، وهي محاولة لرفع مستوى الاستعداد في قطاعها الصناعي.
تضطر شركات صناعة السيارات الأجنبية، التي تتوق إلى الحصول على فرصة في سوق يضم أكثر من مليار شخص، فعلياً إلى دفع الثمن - أو البقاء بعيداً.
تبلغ الرسوم المفروضة على استيراد مجموعة من الأجزاء غير المجمعة التي تحتوي على محرك وعلبة تروس، والمعروفة باسم مجموعة "الآلات المفككة تماماً" حوالي 15%. يقارن ذلك بنسبة 100% لاستيراد سيارة مبنية بالكامل بسعر يزيد على 40 ألف دولار، و60% للمركبات الأرخص ثمناً، و50% للمركبات ذات العجلتين.
قيود على المصنعين الأجانب
لكن صنع السيارة لا يقتصر فقط على امتلاك قطع الغيار، حيث إن دقة وجودة التصنيع أمران حاسمان أيضاً. لا أحد يعرف هذا أفضل من "ماسك"، الذي اجتاز "جحيم الإنتاج" الخاص به ليصنع 5 آلاف سيارة من طراز 3 في مصنع "تسلا" في مدينة "فريمونت" بولاية كاليفورنيا.
ومع ذلك، لم تبنِ الهند القدرة اللازمة لجذب الإنتاج على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، فشلت الدولة في أن تصبح مُصدِّراً كبيراً للسيارات عالية الجودة التي تلبي احتياجات الأسواق العالمية، على الرغم من أن لديها الإمكانات.
وجد معظم المصنعين الأجانب صعوبة في كسب موطئ قدم بسبب المتطلبات العقابية للدفع نحو استخدام المحتوى المحلي، والذي يترجم إلى استثمارات كبيرة ذات عائد ضئيل نسبياً.
التخلص من الكربون
في غضون ذلك، تتحدث حكومة مودي عن خطة كبيرة حول التخلص من الكربون الصادر عن قطاعي النقل والكهرباء، بينما تسعى إلى تحقيق طموحات أكبر من حملة "اصنع في الهند". بموجب الخطة الأخيرة، فإن قائمة القواعد والحوافز لتعزيز الإنتاج عبر سلسلة التوريد طويلة.
جرى وضع الدعم لتحفيز الطلب، على سبيل المثال، من خلال جعل البنية التحتية للشحن أكثر انتشاراً.
استهدفت الحكومة انتشار المركبات الكهربائية بنسبة 30% بحلول عام 2030، ارتفاعاً من أقل من 10% حالياً. وقد أدخلت الولايات الهندية على نحو منفرد أيضاً سياساتها وأهدافها الخضراء.
قد يبدو هذا مستوى التزام مناسب، لكنه لا يشجع المستهلكين الهنود على قيادة هذه المركبات أو مصنعي السيارات لصنعها.
نظراً لأن متوسط دخل الأسرة منخفض، فإن السوق ككل تهيمن عليه الدراجات البخارية والدراجات النارية ذات الأسعار المعقولة، أو العربات ذات الثلاث عجلات، حيث تكلف معظم الطرز التقليدية ما بين 40 ألف روبية (537 دولاراً) إلى أكثر من 200 ألف روبية، فيما تبدأ الإصدارات الكهربائية، التي لا يتوفر منها سوى عشرة طرازات أو نحو ذلك، من 100 ألف روبية.
السماح للواردات ذات التعريفات الجمركية المنخفضة من الصين - سوق مزدهرة للدراجات ذات العجلتين - من شأنه أن يمنح المستهلكين خياراً، ويساعد على زيادة المنافسة، وفي النهاية، خفض الأسعار.
الانفتاح على الشركات الأجنبية
إذا كانت الهند تريد تنفيذ سياسة صناعية من أعلى إلى أسفل على النمط الصيني، فإنها ستجد صعوبة في تحقيق النجاح. الانفتاح على الشركات المصنعة الأجنبية سيكون بداية، لكن يجب أن يتعلم كيف يكون ذكياً مع تصاعد النجاحات.
بدأت مبيعات شركة "تسلا" إلى الصين تشكل جزءاً كبيراً من الإيرادات في وقتٍ مبكر من عام 2017، قبل أن تبدأ الشركة في التصنيع هناك. بينما كان ذلك جزئياً بفضل معدلات ضريبة الاستيراد المنخفضة نسبياً التي بلغت 25% في ذلك الوقت، إلا أنه عكس أيضاً رغبة بكين في بناء السوق.
ساعد موقف الحكومة من السيارات الكهربائية على اكتساب قوة دفع، مما أدى إلى تعزيز سلسلة التوريد بأكملها وإطلاق دورة الضجيج التي تتحقق ذاتياً.
عندما حان الوقت للسماح لشركات صناعة السيارات الأجنبية بالدخول، كان لدى بكين أبطالها في مجال الكهرباء الناشئة. حالياً تصدر شركة "تسلا" السيارات من مصنعها في شنغهاي إلى أوروبا.
بناء صناعة السيارات بالصين
كما تعلم الصين جيداً، فإن بناء صناعة سيارات كبيرة لا يماثل إنشاء صناعة محلية عالية الجودة. لقد واجه مخططو الدولة خلال سنوات النضال لإنتاج أفضل السيارات في العالم صعوبات جراء الدعم والخطط غير المركزة.
ومع ذلك، مع المركبات الصديقة للبيئة، تطورت سياسات بكين عاما بعد عام، مستهدفة أجزاء منفصلة من سلسلة القيمة بداية من المستهلكين والمصنعين إلى أنواع البطاريات وجودتها.
هذا هو بالضبط ما تحتاجه الهند حالياً، حيث عليها أن تمتلك نموذجها الشامل الذي يمس قطع غيار السيارات والبنية التحتية وحوافز المستهلك للسيارات الكهربائية والهجينة.
يمكن أن يشمل ذلك تصنيع بطاريات للمركبات الأصغر بجانب بناء المزيد من محطات الشحن الكهربائي لمعالجة قلق السائقين بشأن المسافة التي يمكنهم القيادة بها، أو تقديم دعم أكبر وأوسع لمشتري السيارات في سوق شديد الحساسية للسعر. يمكن أن يساعد إعادة تدوير البطاريات أيضاً في خفض الأسعار وتحسين طول العمر البطارية.
لم تنجح السياسات القديمة، لذا سيتعين على الهند في نهاية المطاف أن تبتكر سياسات جديدة تناسب نطاق العمل الوعر. إذا تمكنت الشركات الأجنبية من تمهيد الطريق، فهذه يد مساعدة تستحق الإمساك بها بشدة.