كان يُنظر إلى أسهم شركة "هرتز غلوبال هولدينغز" على أنها إحدى العلامات الكبيرة للخروج عن نطاق السيطرة، وأنها فقاعة قيمة غير منطقية في أثناء فترة تفشي وباء فيروس كورونا. وكانت جحافل من المتداولين اليوميين الهواة يتخاطفون أسهمها بطريقة محمومة، وذلك بعد أن رفعت دعوى قضائية لطلب الحماية من الإفلاس.
صعد سعر السهم إلى 5.50 دولار في يونيو الماضي، وهو ما لم يكن منطقياً للخبراء، فتدخلت الجهات التنظيمية لمنع شركة تأجير السيارات من بيع أي أسهم جديدة لمستثمرين ساذجين.
ومن المقرر أن يؤدي خروج شركة "هرتز" من قضية الحماية من الإفلاس إلى تداول السهم بأكثر من ضعف هذا السعر، في نطاق يصل إلى ما يقرب من 14 دولاراً، كما يعتقد المحللون. ويأتي هذا بعد أشهُر فقط من تحذير الشركة لحمَلة الأسهم من أن أسهمهم ربما كانت بلا قيمة.
ويعكس تحول الشركة البالغة من العمر 103 أعوام بدقةٍ مسارَ الاقتصاد ككل، إذ تعرض لانهيار عنيف أعقبه انتعاش مذهل، مدعوماً بازدهار السفر مع انخفاض حالات الإصابة بالفيروس وضخ مليارات الأموال الجديدة من بعض كبرى مؤسسات الاستثمارات.
يقول توماس لوريا، المحامي الذي ساعد شركة "هرتز" في الدخول في عملية طلب الحماية من الإفلاس والخروج منها، إن الأحاديث بين خبراء "وول ستريت" هي أنه كان وفريقه محظوظين لأن الصفقة تسير كما حدث، وكان ذلك ببساطة نتيجة تضافر الأحداث غير العادية. وقد ردّ لوريا في مقابلة الأسبوع الماضي بأن الأمر ليس كذلك.
وردد لوريا المثل الروماني القديم:
يأتي الحظ عندما يلتقي الاستعداد مع الفرصة
ونوّه المحامي بأن فريق إعادة الهيكلة عمل على استقرار أعمال شركة "هرتز"، مما جعلها في وضع يمكنها من الاستفادة من كل ما حدث. وأضاف: "بدأنا في التجديف بأقصى جهد، وعندما جاءت الموجة كنا في وضع يمكننا من اللحاق بها، وقد فعلنا ذلك".
انحسر المد في 26 مايو 2020، مباشرة بعد بدء قضية طلب الحماية من الإفلاس لشركة "هرتز"، عندما جرى تداول الأسهم مقابل 40 سنتاً. فبحلول الأسبوع الثاني من شهر يونيو، كان المستثمرون يدفعون 5.53 دولار للسهم الواحد، وكانت شركة "هرتز" تقول إنها قد تلجأ إلى تصفيتهم في عملية الإصلاح المالي المقبلة.
أمر مفاجئ
بدلاً من ذلك، تدعو خطة الحماية من الإفلاس التي عُرضت على المساهمين إلى الحصول على أموال نقدية وأسهم جديدة تقدر قيمتها مبدئياً بنحو 8 دولارات في المجموع، وقد تكون أعلى الآن. وسيحصلون أيضاً على ضمانات تمنح المستثمرين الحق في شراء مزيد من الأسهم على مدار الأعوام الثلاثين القادمة بسعر يبلغ 13.80 دولار للسهم، وهو مكسب غير متوقع، محتمل إذا اخترق السهم هذا المستوى.
وبافتراض وجود تقلبات بنسبة 45% للضمانات الجديدة، وباستخدام سعر 8.85 دولار للأسهم الحالية، فإن هذا يعني أن سهم "هرتز" الجديد قد يتداول حول سعر إبرام الصفقة البالغ 13.80 دولار، وفقاً لفيل برندل، محلل الديون المتعثرة في شركة "بلومبرغ إنتليجنس".
ينبع الانتعاش جزئياً من مكانة "هرتز" كشركة مشغلة لواحد من أكبر أساطيل المركبات حول العالم -بواقع 500 ألف مركبة بنهاية العام الماضي- وبالتالي فهي من أكبر البائعين في سوق السيارات المستعملة.
ومع تشديد قبضة الوباء على الاقتصاد، زاد أيضاً المعروض من السيارات الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بنسبة 26% بين أبريل وأغسطس 2020. وفي وقت لاحق، ألحق نقص عالمي في أشباه الموصلات الأضرار بإنتاج السيارات الجديدة.
والنتيجة: تمكنت شركة "هرتز" من طلب أعلى سعر للسيارات الفائضة، وساعدت العائدات في سداد ديون أكثر مما كان يتصور أي شخص في بادئ الأمر. وبحلول أوائل هذا العام، بدت آفاق شركة "هرتز" أكثر تفاؤلاً، وبدأ بعض الشركات الاستثمارية الأكثر جرأة في "وول ستريت"، التي تتعامل مع الشركات المتعثرة، في الاهتمام بها.
بعد ذلك، بينما كانوا يتعاملون مع الأرقام، جاء أكبر تطور مالي يغيّر قواعد اللعبة على الإطلاق عندما بدأ الناس في وضع خطط العطلات الصيفية.
يقول أندرو غلين، الذي مثّل المساهمين في قضية طلب الحماية من الإفلاس لشركة "هرتز": "ما جعلني أشعر حقاً بالحماس هو أنني بدأت أشعر برغبة شديدة في السفر". ويضيف: "رغم اعتيادنا جميعاً العمل عن بُعد، فإننا أصبحنا سجناء بيئتنا وأصبحنا في أمسّ الحاجة إلى الهروب".
من جهة، تعاونت شركة " نايت هيد كابيتال مانجمنت" (Knighthead Capital Management) وشركة "سيرتيرس مانجمنت" (Certares Management) مع شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management). ومن جهة أخرى، حدث تحالف بقيادة شركة "سينتربريدج بارتنرز" (Centerbridge Partners) وشركة "دوندون كابيتال بارتنرز" (Dundon Capital Partners) وشركة "واربورغ بينكوس" (Warburg Pincus).
عروض أكثر جاذبية
قدمت كل مجموعة جولات متعددة من العروض لشراء الشركة المفلسة، مع إضافة عناصر جذب مثل المبالغ المستردة بالكامل لحاملي الديون، وبعض الأموال النقدية أو الضمانات للمساهمين. وقد أدت المنافسة إلى زيادة قيمة الشركة والمدفوعات لكلتا المجموعتين، وهو ما لم يكن من الممكن تصوره عندما أدى الإغلاق الناجم عن الجائحة إلى انخفاض عائدات شركة "هرتز" إلى ما يقرب من مستوى الصفر.
في 10 مايو من هذا العام، اجتمعت الأطراف المتنافسة في مكتب "وايت آند كيس لو" (White & Case law) التابع للوريا في ميامي لإجراء مزاد رسمي. كانوا يعملون على مدار الساعة من العاشرة صباحاً يوم الاثنين حتى مساء يوم الثلاثاء، لدرجة أنه لم تسنح الفرصة لبعض المشاركين لتسجيل الدخول إلى غرفهم بالفنادق.
يتذكر لوريا قائلاً: "لقد واصلنا توفير الطعام للمشاركين للحفاظ على استمرار المنافسة؛ كان حول العملية زخم وطاقة سنفقدهما إذا ما أرسلنا الجميع إلى المنازل".
تصدرت شركة "نايت هيد" وشركة "سيرتيرس" بخطة تقدر قيمة شركة "هرتز" بنحو 7.4 مليار دولار، بما في ذلك الديون، وسددت مستحقات عملية الاسترداد المبكر للسندات بالكامل من حامليها، ومنحت المساهمين حزمة استردادهم. إنها نتيجة مذهلة، ليس فقط بسبب القيمة المرتفعة التي حصل عليها حاملو الأسهم، ولكن لأنه من النادر جداً أن يحصلوا على أي شيء في حالة قضايا الحماية من الإفلاس.
وبحسب بيان صادر عن غريغ أوهارا، المؤسس والمدير الإداري الأول لشركة "سيرتيرس"، فإن شركته تخطط لاستثمارات لتحسين تكنولوجيا "هرتز" وتجربة المستهلك. وقال أوهارا إن شركة "سيرتيرس" لديها "بيانات ورؤى فريدة" من خلال استثماراتها الأخرى في قطاع السفر، التي يمكنها استخدامها لمساعدة فريق إدارة شركة تأجير السيارات في المضيّ قُدماً. وأضاف توم واغنر، المؤسس المشارك لشركة "نايت هيد"، أن شركة "هرتز" كانت لاعباً مهماً في حركة النقل التقليدية لعقود من الزمن، ويجري العمل على وضعها كلاعب رئيسي في الجيل القادم من التنقل.