في غضون عامين فقط، استطاع إيلون ماسك القيام بعمل أفضل في بيع وصناعة السيارات في الصين، مقارنةً بما كان عليه الوضع في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.
وكرجل أعمال أجنبي، كان لدى "ماسك" حتى وقت قريب مسيرة سلسة مع السلطات الصينية.
عاصفة انتقادات
في الشهر الماضي، قامت ابنة صاحب سيارة "تسلا" بالاحتجاج في معرض شنغهاي للسيارات على الشركة، وفعلت ذلك عبر قفزها على سطح طراز سيارة "تسلا3"، وهي تزعم أنَّ الفرامل المعيبة أودت بوالدها إلى المستشفى.
دفعت لقطات الحادث بالشركة إلى قلب عاصفة صينية على وسائل التواصل الاجتماعي.
جاء ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الشركة عن أرباح ضخمة في البلاد، فقد ساهمت الصين بحوالي 30% من الإيرادات في ربع مارس. إنَّها قصة طويلة، وما تزال مستمرة، والآن، بدء المنظِّمون بالتدخل.
هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لشركة "تسلا". فالشركة التي تتعامل مع الدولة في أمريكا بعجرفة في كثير من الأحيان، تشرب من كأسها هذا نفسه.
وستحدِّد الطريقة التي يتعامل بها "ماسك" مع القضية مقدار نجاحه؛ ليس في الصين فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم.
العمل دون ضجيج
اتبعت"تسلا"منذ فترة طويلة استراتيجية أداء أعمالها في الصين دون ضجيج، والابتعاد عن إصدار تصريحات كبيرة حول عملياتها والهيئات التنظيمية. ففي مكالمة أرباح في الربع الأول من الأسبوع الماضي، أشار المسؤولون التنفيذيون بالكاد إلى الصين ومصنعها في شنغهاي.
لكن، هذه الاستراتيجية لن تنجح هذه المرة. فبعد ردٍّ رافض في البداية لشكوى المرأة، وتوبيخ الشركة من قبل وسائل الإعلام الحكومية، بذلت وحدة "تسلا" المحلية جهوداً مفرطة، واعتذرت، وسلَّمت بيانات القيادة من الحادث إلى المنظِّمين، وحاولت كسب دعم الرأي العام.
وقالت الشركة في بيان نقلته وسيلة إعلام محلية تدعى "كايكسين" في الأسبوع الأول من مايو: "عندما كان الضغط علينا هائلاً، شعرنا برعاية ودعم سائقي سيارتنا".
إنَّ إشارات الدعم المرسلة إلى الوكلاء - بما في ذلك الشاي، والحلويات، والكلمات الدافئة من المعجبين - جعلت مشاكلهم "تختفي"، بحسب ما ذكرته "كايكسين".
نهج مختلف في أمريكا
ويتعارض هذا النهج الناعم بشكل صارخ مع موقف "تسلا" في الولايات المتحدة.
فقد سجَّلت مقالة في "وول ستريت جورنال" الأسبوع الماضي سلسلة من السلوكيات المتسلِّطة والرافضة للتعامل مع المنظِّمين الأمريكيين.
وذكرت الصحيفة أنَّه عندما اتصل أحدهم بـ "ماسك" بشأن تحقيق في حادث التحطم الذي حصل في عام 2018، أغلق الملياردير الهاتف في وجهه، وقال، إنَّ الشركة انسحبت من التحقيق.
ذكرت المقالة أنَّ شركة "تسلا" منعت مسؤولي الصحة والسلامة من إجراء فحص كامل لمصنع بطاريات "نيفادا" لأكثر من عامين. وعندما طلبت الصحيفة من "ماسك" التعليق على تقريرها، ردَّ على الصحيفة بإرسال (إيموجي) مهين، ورفض الخوض في المزيد من التفاصيل.
لن يكون بالإمكان فعل ذلك في الصين. من جهة أخرى؛ فإنَّ نهج "تسلا" الأكثر ليونة الذي يتمُّ اتباعه من جديد لم ينجح أيضاً.
لقد أدلت وسائل الإعلام الحكومية الصينية بدلوها بشكل نشط خلال الأسبوع الماضي. فقد أشارت إحدى المقالات إلى أنَّ الشركة "واجهت تحدياً يتعلَّق بسمعتها".
وقالت افتتاحية أخرى، إنَّ الشركات ذات التمويل الأجنبي في الصين "يجب أن تعامل المستهلكين الصينيين بصدق إذا أرادوا كسب قلوبهم".
وأضاف مقال ثالث أنَّ "تسلا" "تعلَّمت درساً قاسياً حول ما يلزم لتحقيق النجاح في السوق الصينية".
الصين سوق مهم لـ "تسلا"
أما بالنسبة لشركة "تسلا"، فإنَّ الانتكاسة في الصين لن تُعرِّض فقط ما يقرب من ثلث إيراداتها للخطر. لكنَّها قد تعرِّض أيضاً طموح "ماسك" الأكبر في خفض أسعار السيارات الكهربائية. إذ يعدُّ الإنتاج في الصين عاملاً أساسياً لمبيعات التصدير إلى أوروبا، وسرعان ما أصبحت هذه السوق واحدة من أكبر أسواق السيارات الخضراء.
إنَّ بكين لا تخجل من إظهار جانبها الانضباطي، خاصة عندما يتعلَّق الأمر بالقطاع الخاص - كما يتضح من الطريقة التي استطاعت بها إخضاع مؤسس مجموعة "علي بابا" رجل الأعمال "جاك ما" في الأشهر الأخيرة- إلى جانب الضغط المتزايد على شركات التكنولوجيا الكبيرة الأخرى في البلاد.
في الوقت ذاته، ليس هناك شكٌّ في أنَّ العلاقة بين "تسلا" وبكين مفيدة للطرفين. إذ تعتمد الصين على"تسلا" لتخليص شعار(صنع في الصين) من أيِّ مخاوف ما تزال باقية بشأن الجودة. ويتمُّ الحصول على حوالي 90% من أجزاء سيارات الشركة المنتجة في شنغهاي محلياً.
كان ينبغي أن يكون لدى"تسلا" معرفة أفضل، حول عدم وجوب التصرف بلا مبالاة في الصين، كما تفعل في سوقها المحلية.
كما أنَّ أفضل الشركات تصرُّفاً في الصين عليها أن تراقب خطواتها، إذا لم يتعلَّم "ماسك" من هذه المرحلة؛ فإنَّ التداعيات يمكن أن تتجاوز شنغهاي.