يتبنى صندوق الثروة السيادي في أبوظبي، البالغ حجمه تريليون دولار، نهجاً علمياً أكثر تطوراً في الاستثمار؛ إذ يعتمد على فريق متخصص في التحليل الكمي لتسريع عملية اتخاذ القرارات بهدف تعزيز العوائد.
يستعين جهاز أبوظبي للاستثمار بفريق يضم 125 متخصصاً في تحليل البيانات لتوجيه قرارات الاستثمار الداخلي، وفقاً لتصريحات نادرة أدلى بها مسؤولون في الصندوق لـ"بلومبرغ". في إطار التغييرات الواسعة التي يقوم بها الصندوق، فهو يضخ أموالاً بشكل أسرع في قطاع الائتمان الخاص، ويواصل زيادة الاستثمارات المخصصة للأسهم الخاصة.
علاوة على ذلك، يعمل الصندوق مع مجموعة أوسع من صناديق التحوط التي تقدم استراتيجيات متنوعة، رغم أن نسبة تعرضه لهذا القطاع لن تتوسع بالضرورة.
هذه التغييرات لم يُكشف عنها سابقاً، وتمثل تحولاً كبيراً عن الفترة التي كانت تركز فيها صناديق الثروة السيادية مثل جهاز أبوظبي للاستثمار على السيولة في محافظها، أو الاستثمارات المحافظة مثل السندات الحكومية والعقارات. بالنظر إلى حجم الجهاز، باعتباره أكبر صندوق ثروة سيادي في الخليج والرابع عالمياً، فإن أي تعديلات محدودة قد تنطوي على تأثيرات كبيرة على النظام المالي العالمي.
لِمَ غيّر جهاز أبوظبي للاستثمار استراتيجيته؟
قال جان-بول فيلان، مدير قسم الاستراتيجية والتخطيط في الجهاز: "المحرك الرئيسي وراء التغييرات المهمة التي أجريناها في السنوات الأخيرة هو تغير البيئة الخارجية"، مشيراً إلى أن كفاءات السوق أصبحت أقل، والحدود التقليدية بين فئات الأصول تزداد ضبابية، والفرص باتت أقل استدامة وتتطلب تنفيذاً أسرع.
يعد جهاز أبوظبي للاستثمار أحد الكيانات السيادية في أبوظبي، والتي تمتلك مجتمعةً ثروات تقترب قيمتها من 1.7 تريليون دولار، وفقاً لشركة الاستشارات "غلوبال إس دبليو إف" (Global SWF). وساعد ذلك الإمارة على جذب مؤسسات مالية دولية بارزة مثل "غولدمان ساكس" و"بريفيان هوارد" (Brevan Howard Asset Management LLP) ومكتب عائلة راي داليو.
كغيره من صناديق الثروة، يحافظ جهاز أبوظبي للاستثمار على سرية استراتيجياته الاستثمارية. وتأسس الصندوق في عام 1976 بهدف استثمار فائض عائدات النفط، وتنويع اقتصاد الإمارة، والتحضير لعصر ما بعد النفط. ويعمل المسؤولون في الصندوق على إجراء تحولات استراتيجية منذ خمس سنوات حيث بدأت النقاشات حول تعديل استراتيجية الصندوق في مقر الجهاز بأبوظبي، والذي يمتلك إطلالة على الخليج العربي، خلال ذروة الجائحة.
لطالما كان الجهاز مستثمراً نشطاً، وكان من الداعمين الرئيسيين لإطلاق صندوق التحوط البارز الذي أسسه بوبي جاين، وفقاً لتقرير سابق من "بلومبرغ". وخلال الثلاثة أرباع الأولى من العام، استثمر جهاز أبوظبي للاستثمار وصناديق أبوظبي السيادية الرئيسية الأخرى حوالي 36 مليار دولار بشكل موسع، وفقاً لبيانات "غلوبال إس دبليو إف".
التوسع في الذكاء الاصطناعي
تشير ملامح أخرى للتغييرات التي يجريها جهاز أبوظبي للاستثمار إلى توسع مختبره العلمي الداخلي، بما في ذلك توظيف نافيد مالك، الذي جاء من صندوق التحوط متعدد الاستراتيجيات "ميلينيوم مانجمنت" (Millennium Management) ومقره في نيويورك.
تم تعيين مالك ضمن فريق البحث والتطوير الكمي للصندوق الذي يضم خبراء في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والبيانات الضخمة والحوسبة عالية الأداء. ويساهم هذا القسم الآن في اكتشاف الفرص الاستثمارية بشكل أسرع وضخ السيولة بسرعة أكبر.
قال فيلان: "نعتمد على مهاراتنا المتزايدة في البيانات والعلوم لمساعدة فريق الاستثمار الأعلى على اتخاذ قرارات تخصيص ديناميكية. وهذا يعني أننا أسرع في تعديل انكشافاتنا على الأسهم للاستفادة من الفرص المحدودة زمنياً، على سبيل المثال في قطاعات أو مناطق جغرافية معينة".
وبدأت هذه التغييرات تؤتي ثمارها بالفعل. فعلى سبيل المثال، يحقق الصندوق تقدماً في سوق الائتمان الخاص، الذي تبلغ قيمته 1.7 تريليون دولار، عبر سلسلة من الاستثمارات. وفي مارس الماضي، زاد الصندوق انكشافه على صندوق ائتمان خاص للعقارات "تشين كابيتال" (Cheyne Capital). كما التزم بمبلغ مليار دولار لأداة استثمارية جديدة أسسها كلٌ من "باركليز" و"إي جي إل كريديت مانجمنت" (AGL Credit Management).
تأتي هذه المبادرات نتيجة للقدرة الجديدة للصندوق على تحريك الأقسام المختلفة بشكل أسرع، وعلى نطاق أوسع، وبقيود أقل من السابق. وقال حمد شهوان الظاهري، المدير التنفيذي لإدارة الأسهم الخاصة بالجهاز: "تمكنا من التوسع بسرعة في الائتمان الخاص في ظل الظروف المواتية، دون اتباع نهج واحد يناسب جميع فئات الأصول".
ورغم أن الصندوق لا يكشف عن حجم الأموال المخصصة لفئات الأصول المختلفة، تقدر "غلوبال إس دبليو إف" أن استثمارات الجهاز في أسواق الأسهم الخاصة تضاعفت خلال خمس سنوات لتصل إلى 209 مليارات دولار. ويبرز الصندوق الآن كأحد "أكثر الجهات جرأة من حيث التخصيص بفئات الأصول البديلة"، بحسب دييغو لوبيز، رئيس شركة الاستشارات البحثية.
زيادة نشاط جهاز أبوظبي للاستثمار
تعني هذه التغييرات أيضاً أن الجهاز يستثمر حالياً في نطاق أوسع من صناديق التحوط أكثر من السابق، ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة نشاط قسم الأسهم في هذا المجال. ويضع هذا القسم الآن أهدافاً أعلى للعوائد، ويتعاون مع مديري صناديق يقدمون استراتيجيات طويلة الأجل فقط أو مختلطة أو محايدة للسوق، حسبما صرح المسؤولون. ويعني التحرك بشكل أسرع يعني أيضاً مزيداً من التحكم في قرارات الاستثمار.
وفي قسم المحفظة الأساسية الذي يدير الأصول الثابتة ذات العوائد الثابتة، تُدار نسبة أكبر من الأصول داخلياً بدلاً من الاعتماد على مزودين خارجيين. وتبلغ نسبة الأصول المدارة داخلياً اليوم 64% مقارنة بـ55% قبل عامين.
في الوقت نفسه، أنشأ جهاز أبوظبي للاستثمار أقساماً جديدة، ودمج أخرى، وعزز قدراته في الأقسام الداعمة للعمليات والإجراءات. ويقود هذا التحول مفهوم "إدارة المحفظة الشاملة"، وهو تغيير عن النهج السابق للصندوق الذي كانت فيه كل إدارة لديها أهدافها الخاصة.
في إطار هذه الإصلاحات، غيّر الصندوق أيضاً طريقة قياس نتائجه، رغم أنه لا يفصح عن العوائد بشكل علني. ويتجنب الصندوق التركيز على العوائد النسبية بشكل أساسي، ويستخدم حالياً عناصر أكثر من العائدات المطلقة والشاملة لتقييم الأداء داخلياً. ونتيجة لذلك، لم يعد التفوق على المؤشرات المرجعية هو المقياس الوحيد للنجاح بالنسبة للإدارات المختلفة.
وقال ظاعن الهاملي، المدير التنفيذي لقسم المحفظة الأساسية في جهاز أبوظبي للاستثمار: "اليوم، يمكننا رؤية المحفظة الشاملة بطريقة أكثر تفصيلاً، ومن خلال زوايا مختلفة".