بقلم: Ben Bartenstein
ليس بعيداً عن متجر هارودز اللندني الفاخر، يقبع مكتب يلعب دوراً محورياً في الإمبراطورية المالية لقطب نفط إيراني.
يُعد المبنى الواقع في 180 شارع برومبتون أحد المواقع الرئيسية لشركة ”أوشن ليونيد إنفستمنتس“ (Ocean Leonid Investments)، وهي صندوق تحوط يشرف عليه حسين شمخاني، تاجر السلع الأساسية المتكتم، الذي تلعب شبكته دوراً هاماً في إيران وروسيا، وفقاً لأكثر من 12 شخصاً مطلعاً على الأمر، ولوثائق اطلعت عليها بلومبرغ.
تعمل شركة ”أوشن ليونيد“، التي سُجلّت في المملكة المتحدة في يونيو 2022، أيضاً عبر مكاتب في جنيف ودبي وسنغافورة. ويُعرف عنها في الدوائر المالية أنها شركة خاصة تركز على قطاع الطاقة.
توظيف المخضرمين
في السنوات الأخيرة، وظف هذا الصندوق عدداً كبيراً من المخضرمين في تجارة السلع الأساسية الذين عملوا لدى شركات من أمثال ”غونفور غروب“ (Gunvor Group) و“كوخ إندستريز“ (Koch Industries) و“سيتاديل“ (Citadel). يصف موقع ”أوشن ليونيد“ عملها بأنها منصة ذات استراتيجيات متعددة تتقاطع مع جميع قطاعات السلع، وتترك المجال مفتوحاً لاحتمال التعامل مع "عملاء خارجيين في المستقبل".
لقد كان هذا القطاع غامضاً على مرّ العقود، لكن ”أوشن ليونيد“ تبرز بين كثير من منافساتها، حيث إن هوية داعمها كانت غامضةً لأمد طويل.
إن دور هذا الصندوق في إمبراطورية شمخاني هو أحدث جزء من تحقيق أعدته بلومبرغ على مدى عام وشمل مقابلات مع عشرات الأشخاص على دراية بالشركات التي تدور في فلكه، بالإضافة إلى مراجعة وثائق سرية وسجلات المؤسسة.
أهمية لندن كموقع للصندوق
في حين لا يوجد ما يشير إلى أن ”أوشن ليونيد“ خرقت أي قواعد أو انخرطت في أعمال غير قانونية، فإن وجود الشركة في لندن جدير بالملاحظة نظراً لاهتمام المملكة المتحدة بصادرات النفط الخاضعة للعقوبات بشكل عام وشمخاني بشكل خاص. وهذا جزء من جهد أوسع نطاقاً من جانب مسؤولين في واشنطن ولندن لاستهداف من يشتبهون بأنهم يتجاوزون القيود على تعاملات النفط.
صلة شمخاني بالأصول
قال أربعة أشخاص لهم دراية مباشرة بالأمر وطلبوا عدم كشف هوياتهم خشية الانتقام، إن ”أوشن ليونيد“، التي تدير محفظة نيابة عن شمخاني حجمها مئات ملايين الدولارات، تعطي الأولوية لرهانات العقود المستقبلية والخيارات على مجموعة أوراق مالية تشمل النفط والغاز والمعادن. وقالوا إن الصندوق يتلقى رأس ماله من خلال شركات نفط يشرف عليها شمخاني وتوجه الأموال عبر شركات وهمية قبل إيداعها في حسابات تستطيع ”أوشن ليونيد“ بلوغها.
ليس هنالك دور رسمي لشمخاني في الشركة، إلا أن كبار مديريها المذكورين في إفصاحات ”أوشن ليونيد“ المؤسسية يناقشون بانتظام استراتيجية التداول الخاصة بالشركة معه، وفقاً لأربعة من الأشخاص.
دعم مالي من مقرضين غربيين
تستفيد الشركة من رؤية أحد قادة السوق، وهو شمخاني الذي غالباً ما يكون مقره في دبي ولديه سيطرة كبيرة على تدفقات النفط لدولتين من ”أوبك+“. كما قدم مقرضون غربيون دعماً لشركة ”أوشن ليونيد“. قال أشخاص مطلعون إن ”جيه بي مورغان تشيس آند كو“، و“إيه بي إن أمرو بنك“، و“ماريكس غروب“ (Marex Group) كانوا وسطاء في تقديم رافعة مالية للشركة، وهي خدمة عادةً ما تقدمها البنوك. ورفض ممثلون عن ”جيه بي مورغان“ و“إيه بي إن أمرو“، و“ماريكس“ التعليق.
وقال أشخاص مطلعون على العملية إن ”أوشن ليونيد“ تلعب في بعض النواحي دور مكتب عائلي. فهي توفر لذلك المواطن الإيراني قدراً من المال يمكن توظيفه بسهولة في جميع أنحاء أوروبا وبقية العالم.
غموض هوية كبار المسؤولين
كان لويجي سبانيا، وهو إيطالي من مديري أنشطة الصندوق في لندن، متواجداً فيه منذ تأسيسه، وفقاً لسجلات مجلس الشركات في المملكة المتحدة. كما أنه مدرج كمدير لعمليات الدمج والاستحواذ في مجموعة ”ميلافوس“ (Milavous Group)، وفقاً لبيانات جمعتها ”كلودورا دوت إيه آي“ (Clodura.AI)، وهي منصة تجمع معلومات موظفين لدى آلاف الشركات. وكشف تحقيق أعدته بلومبرغ في أغسطس أن شمخاني يشرف فعلياً على شبكة معقدة من الشركات، منها “ميلافوس“ التي تملك شركات أخرى.
وقال متحدث باسم ”أوشن ليونيد“ إن الشركة ترفض بشكل قاطع الادعاء بأن حسين شمخاني منخرط في الشركة أو يشرف عليها. وقال إن ملكية جميع كيانات ”أوشن ليونيد“ تملكها بالكامل شركة ”أي إس إف إيه دي فند“ (ISFAD Fund) في مركز دبي المالي العالمي، وإنها تُدار بواسطة ”غيتواي إنفستمنت مانجمنت سيرفيسز“ (Gateway Investment Management Services).
تتولى ”غيتواي“ استلام وإدارة شؤون جميع الشركات المحدودة المستثمرة في الصندوق، وهي تتحرى بعناية للتعرف على العملاء، وفقاً للمتحدث، فيما أن ”أوشن ليونيد“ لا تعرف هويات المستثمرين فيها وليس مناطاً بها التحقق من مصدر أو تاريخ الأموال لدى ”أي إس إف إيه دي فند“.
قالت ”غيتواي“ إنها لا يمكنها التعليق على مسائل متعلقة بأطراف أخرى لكونها خاضعة لضوابط ناظمة. ولم يستجب شمخاني وسبانيا لطلبات التعليق، وقال محامي شمخاني لبلومبرغ نيوز في عدة مناسبات إن موكله كان يجمع فريقاً ليقدم إجابات بشأن ”أوشن ليونيد“، لكنه في النهاية لم يشارك أي شيء.
أصول متزايدة ورهانات في الوقت المناسب
تأسست ”أوشن ليونيد“ في عام 2018 في مركز دبي المالي العالمي، وهي الآن تضم طاقماً عالمياً يضم عشرات الموظفين.
لقد ارتفعت الأصول الخاضعة لإدارتها بفضل رهانات في الوقت المناسب على النفط والفحم و"بتكوين"، لكنها كانت تنخفض بحدة حين كان شمخاني يسحب منها الأموال، وفقاً لأشخاص لديهم معرفة مباشرة بالأمر.
في العامين التقويميين الماضيين، حصّلت ”أوشن ليونيد“ عوائد نسبتها المئوية في خانة العشرات، وقد بلغت أعلى مستوياتها عند حوالي 30% في 2022، وفقاً لأولئك الأشخاص، وقد تزامن ذلك مع سنوات الطفرة في قطاع السلع.
وتقول ”أوشن ليونيد“ على موقعها على الإنترنت، الذي لا يشير إلى فريق قيادتها، "إرثنا محفور في الأرباح وتأثيرها الإيجابي على النظام البيئي التجاري بأكمله".
مهديار زاري مجتهدي هو أحد كبار مسؤوليها التنفيذين إلى جانب سبانيا، وفقاً لإفصاحاتها في المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة ووفقاً لأشخاص لديهم معرفة مباشرة بالأمر.
تظهر سجلات الشركات في المملكة المتحدة أن مجتهدي يحمل جنسية الدومينيكان، وقد كان مسؤولاً عن كيانها في لندن منذ تأسيسه حتى نوفمبر 2023. وقال أشخاص لديهم معرفة مباشرة بالأمر إن مجتهدي ما يزال مسؤولاً كبيراً في الشركة، لكنه معروف بين زملائه باسم آخر هو ليام.
يُظهر أرشيف الجريدة الرسمية الإيرانية أن شخصاً يُدعى مهديار زاري مجتهدي، واسمه يطابق الاسم الذي ورد في الإفصاحات في المملكة المتحدة، ظهر كمدير عام سابق لشركة بتروكيماويات تملكها الدولة وتسيطر عليها وزارة الخدمات اللوجستية للدفاع والقوات المسلحة الإيرانية، التي قادها علي شمخاني، والد حسين، لمدة عقد تقريباً قبل تولي مجتهدي منصبه في الشركة.
التزام الإمارات بحماية النظام المالي العالمي
رداً على أسئلةٍ، قال مسؤول في الإمارات العربية المتحدة عبر البريد الإلكتروني إن الدولة ملتزمة بمسؤولياتها لحماية سلامة النظام المالي العالمي. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن العقوبات الشاملة التي فرضتها واشنطن على إيران ما تزال سارية وإن إدارة بايدن ستواصل فرضها. ورفض متحدثون باسم حكومتي المملكة المتحدة ودبي التعليق، بينما لم يستجب مركز دبي المالي العالمي وكذلك مجتهدي لطلبات التعليق.
تكشف ملفات شركة ”أوشن ليونيد“ في المملكة المتحدة أن ”أي إس إف إيه دي فند“، ومقرها في الطابق 21 من مبنى ”أي سي دي بروكفيلد بليس“ (ICD Brookfield Place) في دبي، هي الطرف الذي له سيطرة كبيرة. وتظهر سجلات مركز دبي المالي العالمي أن هذا هو نفس البرج المرموق الذي يضم ”ميلافوس“ في الطابق 38. ويؤكد نطاق الكيانات على مدى سهولة إخفاء ملكية الأعمال وحصص الأسهم ومعلومات التحكم، مع تسجيل مسؤولين تنفيذيين مختلفين رسمياً كملاك ومديرين.
كما هو الحال في ”ميلافوس“، يشير كثير من موظفي ”أوشن ليونيد“ ببساطة إلى شمخاني بالحرف الأول من اسمه الأول "H"، حسبما قال أشخاص لهم دراية مباشرة بالأمر.
في مركز دبي المالي العالمي، يظهر سبانيا كمدير لدى ”أوشن ليونيد“ وكمساهم في “أوينرجي كوموديتيز دي إم سي سي“ (Oenergy Commodities DMCC).
وفي لندن، يُصنف المتداول السابق في مجموعة ”نوبل“ إيرين بيردومو ومدير المحفظة السابق لدى ”جي إل جي بارتنرز“ (GLG Partners) ليوناردو ماروني بين الشخصيات البارزة في صندوق التحوط. وفي الوقت نفسه، كان دياب الخضيري، وهو من المخضرمين في شركتي ”غونفور“ و“كوش“، مسؤولاً رئيسياً في سويسرا، حيث كان يتولى علاقات مصرفية مهمة، وفقاً لبعض الأشخاص.
وتُظهر صفحة بيردومو على منصة "لينكد إن" أنه الرئيس المشارك للاستراتيجيات المنهجية في الشركة. ولا تذكر صفحتا ماروني والخضيري على "لينكد إن" عملهما في الشركة، على الرغم من أن مؤسسة خيرية مقرها المملكة المتحدة ما تزال تدرج ماروني كرئيس مشارك للاستراتيجيات المنهجية في ”أوشن ليونيد“.
رفض بيردومو وماروني والخضيري ومركز دبي للسلع المتعددة التعليق.
رحيل موظفين كبار
في الأشهر القليلة الماضية، كان هناك معدل تغيير أكبر بين منسوبي ”أوشن ليونيد“. وأصبح كثير من الموظفين، الذين لم يُعلموا بملكية الشركة قبل انضمامهم، غير مرتاحين عندما علموا لاحقاً بدور شمخاني، وفقاً لأشخاص على دراية مباشرة بالأمر. وقالوا إن بعض أولئك ذكروا أيضاً طلبات غير عادية في بعض الأحيان لتداول أحجام أعلى دون شرح استثماري واضح.
وقال هؤلاء الأشخاص إن كثيراً من المديرين التنفيذيين الذين ساعدوا في إدارة ”أوشن ليونيد“ بما حقق لها عوائد كبيرة على مدى السنوات الماضية غادروا الشركة حديثاً، ومنهم كبير مسؤولي الاستثمار إيف ديماسوري، وهو من مخضرمي ”بي إن بي باريبا“ و“ستاندارد تشارترد“ و“ليتاسكو“ (Litasco) التي تملكها شركة ”لوك أويل“، وكذلك رئيس قسم المخاطر تنغ تشونغ الذي سبق له العمل لدى ”مورغان ستانلي“ و“سيتاديل“ ومجموعة “يو بي إس“.
رفض ديسماسوري التعليق، ولم يعد يشير عبر ”يلنكد إن“ إلى عمله مع ”أوشن ليونيد“. ولم يستجب تشونغ لطلبات التعليق.