صفقة "كوفيسترو" ستكون أكبر استحواذ دولي في المنطقة حال إتمامها بعد رفع "أدنوك" العرض إلى 12.5 مليار دولار

"أدنوك" تتحول إلى قوة ضخمة بميزانية 150 مليار دولار

المقر الرئيسي لشركة "بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك) يميناً في أبوظبي - المصدر: بلومبرغ
المقر الرئيسي لشركة "بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك) يميناً في أبوظبي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عُرفت أكبر شركة لإنتاج النفط في إمارة أبوظبي لسنوات بأنها شركة حكومية خاملة، تكتفي بإنتاج كميات كبيرة من الخام من حقولها النفطية الواسعة. لكن ذلك الوضع يشهد تغييراً كبيراً، حيث تسعى الشركة إلى الاستفادة من ميزانية تبلغ 150 مليار دولار لتصبح واحدة من أنشط عاقدي الصفقات في العالم.

في الأسبوع الجاري، أخذت شركة "بترول أبوظبي الوطنية" (أدنوك) خطوة كبيرة في جهودها العالمية، عبر الإشارة إلى أنها قد ترفع قيمة عرضها المُقدم للاستحواذ على شركة الكيماويات الألمانية "كوفيسترو" (Covestro) إلى نحو 12.5 مليار دولار.

أبرمت "أدنوك" عدداً من الصفقات الأصغر حجماً، إلا أن شراء "كوفيسترو" سيعد أكبر استحواذ دولي تقوم به شركة خليجية. كما أنه يبرز قدرة الشركة الإماراتية على دفع مبالغ طائلة لتحقيق أهدافها الاستثنائية.

طموحات استثمارية كبرى في "أدنوك"

انطلقت طموحات الشركة الخليجية قبل نحو 18 شهراً، في اجتماع لمجلس الإدارة داخل ناطحة سحاب "أدنوك" ذات الواجهة الزجاجية، المطلة على مياه الخليج الزرقاء وكورنيش أبوظبي.

هناك، زاد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ميزانية الشركة بما يقارب الخُمس، لدعم القدرة الإنتاجية للنفط والغاز، والمسارعة إلى شراء أصول في قطاعات الكيماويات والغاز والطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم.

منذ ذلك الحين، تزايد تدفق المصرفيين من جميع أرجاء العالم على أبواب "أدنوك"، بل واقترح عدد منهم اتخاذ خطوة جريئة لعقد صفقة مع شركة النفط العملاقة "بي بي" (bp)، وفق أشخاص مطلعين على الأمر.

رغم أن فكرة الصفقة مع "بي بي" لم تنفذ قط، ما تزال "أدنوك" من بين أشد الشركات نشاطاً في البحث عن صفقات الطاقة، وفق هؤلاء الأشخاص.

مساعٍ لتنويع اقتصادات دول المنطقة

رغم هذه الشهية الكبيرة للنمو ووفرة الثروة النفطية، واجهت الشركة الشرق أوسطية صعوبات في إبرام صفقة دولية كبيرة، مثلها مثل عدد كبير من الكيانات الثرية في أنحاء منطقة الخليج، فمفاوضات صفقة "كوفيسترو" نفسها ممتدة منذ أكثر من عام، وقد لا تتم رغم ذلك.

إلا أن النجاح في إتمام هذه الصفقة سيعزز الثقة في قدرة أبوظبي على إجراء الاستحواذات العابرة للحدود التي تتسم بطابع معقد، كما سيوفر دافعاً للسعي وراء صفقات أكبر، وفق أشخاص على دراية بالشركة الخليجية.

بن كاهيل، الذي يغطي أخبار شركات النفط في الخليج بصفته زميلاً أولاً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية-ومقره في واشنطن- قال: "الأمر يتعلق بالمكانة أيضاً.. حيث تسعى (أدنوك) إلى تعزيز سمعتها كشركة طاقة دولية ذات حضور عالمي".

تستعين الدول النفطية في الشرق الأوسط بعمليات الاستحواذ والاندماج لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، إلا أنها حققت نجاحاً متبايناً حتى الآن، فتطلعات الدول المنتجة للطاقة والتي لديها وفرة في السيولة، مثل السعودية، وقطر، والإمارات، تتخطى الأصول المميزة، مثل أندية كرة القدم والعقارات الفاخرة، وتمتد إلى شراء حصص في قطاعات قد تساعد في دعم النمو المحلي.

تحديات أمام الصفقات الخليجية

مع ذلك، فالتحول من مستثمرين في محفظة استثمارية إلى مُلاك لم يجرِ بسلاسة، حيث انهارت صفقات، مثل محاولة أبوظبي الاستحواذ على بنك "ستاندرد تشارترد"، كما أن عدد عمليات الاستحواذ الكامل ما يزال قليلاً.

واجهت الكيانات الخليجية سلسلة من التحديات، تشمل عقبات تنظيمية في الخارج ومعارضة حكومات أجنبية. وفي ذات الوقت، غالباً ما تحتاج الصفقات في المنطقة إلى موافقة أحد كبار العائلة الحاكمة، ما قد يطيل مدة العملية.

شهدت صفقة "كوفيسترو" أيضاً سلسلة من العقبات خلال العام الماضي، فعندما أبدت "أدنوك" اهتمامها لأول مرة، لم يبدِ الرئيس التنفيذي للشركة الألمانية إلا دعماً ضئيلاً فحسب، وصرّح علناً بأن الصناعة الألمانية يجب أن تحصل على مزيد من الدعم المحلي.

بدا أن الصفقة توقفت حتى الشهر الجاري، عندما اقترحت "أدنوك" رفع قيمة عرضها إذا سار الفحص النافي للجهالة على ما يرام. كما تعززت العلاقة بين الرئيس التنفيذي لشركة "كوفيسترو"، ماركوس شتايليمان، وخالد السالمين، مدير وحدات التكرير والكيماويات والتجارة في "أدنوك"، ما ساعد على تقدم المحادثات، وفق أشخاص مطلعين على الأمر.

في نهاية المطاف، كان الشيخ محمد بن زايد هو من وافق على رفع قيمة العرض، وفق شخص مطلع على الأمر. وزادت الآن فرص إبرام الصفقة بعد أن وافقت "كوفيسترو" على إجراء مفاوضات جدية، وأتاحت التدقيق في دفاترها المالية. ورفضت "أدنوك" و"كوفيسترو" التعليق.

اتفاقات "أدنوك" في قطاع الغاز

يأتي مسعى "أدنوك" للاستحواذ على الأصول بقيادةالرئيس التنفيذي للشركة سلطان الجابر، الذي ترأس أيضاً مؤتمر الأمم المتحدة السنوي للمناخ الذي استضافته الإمارات في العام الماضي. كما أشرف على إنشاء فريق لدراسة الاستثمارات الاستراتيجية يضم مصرفيين سابقين وخبراء في القطاع.

أبرمت الشركة اتفاقيات للغاز في 3 قارات خلال العام الماضي، من بينها أول صفقة في تاريخها في الولايات المتحدة، كما استحوذت "مصدر"، وحدة الطاقة النظيفة المرتبطة بها، على شركة طاقة متجددة في اليونان، وتجري محادثات أخرى للاستحواذ على محطات وقود في جنوب أفريقيا.

رغم ذلك، توقفت محاولات إبرام صفقات أخرى، حيث تخلت "أدنوك" عن صفقة مع "براسكيم" (Braskem) البرازيلية، وتعطلت خطة إنشاء شركة عملاقة للبتروكيماويات قيمتها 30 مليار دولار، عبر دمج وحدات في "أدنوك" مع أخرى في "أو إم في" (OMV) نتيجة خلافات على التقييمات، كما عُلقت محاولة لشراء شركة إنتاج غاز إسرائيلية بسبب الحرب في غزة.

قالت ريتشل زيمبا، الزميلة المساعدة التي تغطي أخبار الطاقة والاقتصاد لدى مركز الأمن الأميركي الجديد (Center for New American Security): "واضح أن هناك طموحاً لإبرام كثير من الصفقات، والقيام بذلك سريعاً، لكنها صفقات ضخمة، ولا تتم بسرعة دوماً".

وأشار كلاوس فرويهليش، كبير مسؤولي الاستثمار، والمصرفي السابق المكلف بإدارة خطط الاستحواذات في "أدنوك"، خلال مقابلة في مايو، إلى أن الشركة تسعى وراء "مجموعة من الصفقات القوية المحتملة"، وأن الصفقات المعقدة تستغرق وقتاً.

"أدنوك" تفتح باب الصفقات الدولية

قد يتغير الوضع إذا نجحت "أدنوك" في الاستحواذ على "كوفيسترو" بعدما ركزت معظم الصفقات الكبرى الأخرى في الخليج على الشركات المحلية، ومن ذلك مثلاً استحواذ "أرامكو السعودية" على "سابك"، شركة الكيماويات المملوكة للدولة، مقابل 69 مليار دولار.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

كما توجد صفقات أميركية تفوق قيمة العرض الذي قدمته "أدنوك" إلى "كوفيسترو". مثل استحواذ "إكسون موبيل" على "بايونير ناتشورال ريسورسز" مقابل نحو 60 مليار دولار.

رغم ذلك، من المستبعد أن يكون الاستحواذ على "كوفيسترو" آخر صفقات "أدنوك"، حيث يتوقع أشخاص على دراية بالشركة الإماراتية مزيداً من الصفقات خلال الفترة المقبلة، في ضوء سعيها وراء أصول أخرى في الغاز الطبيعي المسال والكيماويات، أو حتى مشروعات الطاقة الشمسية، عبر شركة "مصدر".

لفتت كارين يونغ، كبيرة الباحثين في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إلى أن دول الخليج تعرف أن امتلاك تلك الأصول "يمثل ميزة سياسة ضخمة، واستثماراً صائباً في الأجل الطويل، كما يعد وسيلة لممارسة النفوذ".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك