بغض النظر عن أداء ألمانيا خلال بطولة أمم أوروبا 2024 خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، ستُطوى صفحة تاريخية بالنسبة لفريق كرة القدم في البلد المضيف، وواحدة من أشهر علاماته التجارية، إذ سيلعب المانشافت آخر مباراة له في البطولة الأوروبية بقمصان شركة "أديداس".
إن خسارة "أديداس" لمثل هذه الرعاية البارزة لصالح منافستها اللدودة "نايكي"، والتي تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا العام، لم يكن من الممكن تصورها منذ وقت ليس ببعيد، عندما كان الفريق وصانع الملابس الرياضية مرتبطين معاً بما وصفه الرئيس التنفيذي بيورن غولدن ذات مرة بأنه علاقة "غير قابلة للكسر عاطفياً" منذ سبعة عقود.
مع ذلك، تراكمت النكسات والعثرات لشركة "أديداس" قبل وصول غولدن في العام الماضي، بدءاً من مقاطعة العلامات التجارية الغربية في الصين، وصولاً إلى زوال الشراكة مع مغني الراب كانيي ويست بعد تعليقاته التي وصفت بأنها معادية للسامية. وتحت إشراف الرئيس التنفيذي الجديد، حدثت مشاكل أخرى، بما في ذلك التغاضي عن الأرقام الموجودة على زي كرة القدم الألمانية، التي قيل إنها تشبه شارة قوات الأمن الخاصة النازية، إضافةً لادعاءات الفساد في الصين خلال هذا الشهر.
حذاء "سامبا" يدعم المبيعات
في الأشهر الثمانية عشر الأولى من عمله، تمكن غولدن من التغلب على هذه المشاكل، مدعوماً بسلسلة المبيعات الساخنة لحذاء "سامبا". ارتفع السهم أكثر من الضعف منذ الإعلان عنه كرئيس جديد. لكن المستثمرين يتساءلون على نحو متزايد إلى أي مدى سيحقق اعتماد غولدن على الحدس، والذي أدى إلى بعض الاختيارات الذكية في ما يتعلق بمجموعة المنتجات بالفعل، نجاحاً للشركة، أو ما إذا كان من الممكن أن يخلق نقاط ضعف جديدة في المستقبل.
"إنه يدير الشركة معتمداً على حدسه، من الصعب رؤية أي خطة استراتيجية طويلة المدى"، بحسب إنغو سبيش، مدير المحفظة لدى شركة "ديكا إنفستمنت" (Deka Investment) في فرانكفورت. أضاف: "سيظهر الوقت ما إذا كان هذا كافياً للمضي قدماً، أو ما إذا كان يتعين عليه الإعلان عن مزيد من التفاصيل حول مصدر النمو مستقبلاً".
يقدم الرئيس النرويجي تناقضاً ملحوظاً مع سلفه الدنماركي كاسبر رورستد، المدير التنفيذي الذي يعتمد على الأرقام، والذي شاهد استراتيجيته المصممة بشكل معقد لتحقيق الأرباح تنهار في مواجهة الأزمات داخل الشركة وخارجها.
أداء جيد في فترة صعبة
عند وصوله في يناير 2023 قادماً من الشركة المنافسة الأصغر حجماً "بوما"، شرع غولدن - الذي رفض إجراء مقابلة بشأن هذه القصة - في إعادة التفاؤل إلى الأعمال المقيدة. قام بتسريع تقديم خطوط الأحذية والملابس الجديدة، وأعاد بناء العلاقات مع شركاء البيع بالتجزئة وعززها مع المشاهير وكبار الرياضيين، سواء في حرم الشركة أو على حسابه على "إنستغرام".
يقول جاستن هانس، الشريك في شركة "هاريس أسوشيتس" (Harris Associates) في شيكاغو، وهي من كبار المساهمين: "كان بيورن الشخص المناسب في الوقت المناسب". يشيد هانس بجهود غولدن للتركيز بدرجة أقل على الأهداف المالية في الوقت الحالي، والتركيز بشكل أكبر على رغبات المستهلكين وتجار التجزئة سريعة التغير. مضيفاً: "من الصعب أن نتخيل شخصاً يأتي ويقدم أداءً أفضل بكثير في هذه الفترة الزمنية".
جنون الـ"سامبا"
منذ أيامه الأولى في "أديداس"، أصر غولدن على أن الشركة لم تتوقف عن طرح منتجات جذابة خلال الأيام المظلمة. وأشار إلى التعاون الأخير مع شركاء فاخرين بما في ذلك "غوتشي"، و"مونكلير"، و"بالينسياغا"، على الرغم من أن العلامة التجارية فشلت في الاستفادة تجارياً من الضجة المحيطة بهم.
سرّع غولدن طرح أحذية "سامبا" الكلاسيكية، والتي كانت تظهر على أقدام المشاهير بما في ذلك بيلا حديد وكيندال جينر. وفي غضون أشهر، كان من الواضح أن الأحذية - إلى جانب الأحذية المماثلة "على الطراز التقليدي " مثل "غازيل" و"سبيزيال" - ستحقق نجاحاً كبيراً.
جنون "سامبا" ساعد غولدن على إحراز تقدم في تحقيق هدف آخر من أهدافه المبكرة، وهو إعادة أديداس إلى العمل مع شركاء البيع بالتجزئة. ركزت الاستراتيجية السابقة على قنوات مبيعات "أديداس" الرقمية والمباشرة للمستهلك، حيث لا يتعين عليها مشاركة الأرباح مع الوسطاء. تحول تجار التجزئة المحبطون، الذين لم يتمكنوا من الحصول على ما يكفي من أفضل منتجات "أديداس"، إلى علامات تجارية أصغر بما في ذلك "أون" (On) و"هوكا" (Hoka) و"ديكيرز" (Deckers).
العودة لتجار التجزئة
"إذا ذهبت إلى شركة (ديك سبورتنغ غودز) قبل ستة أشهر أو عام، فلن تجد لديهم الكثير من منتجات أديداس"، وفق كريستينا فرنانديز، المحللة في مجموعة "تيسلي أدفايسوري غروب" (Tesley Advisory Group) في نيويورك. ورأت أنه "عندما بدأت الاتجاهات في التحسن في العام الماضي، شعر تجار التجزئة بمزيد من الراحة عند الطلب والتفكير، مثل أن أداء الأحذية بشكل أفضل، سيؤدي إلى زيادة مبيعات الملابس" أيضاً.
علاوة على ذلك، بعد أن حذر غولدن المستثمرين في البداية من أن "أديداس" قد تضطر إلى شطب مخزونها من أحذية "ييزي" الذي تبلغ قيمته 1.3 مليار دولار، تم بيع الكثير منه، مما ساعده بشكل متكرر على تجاوز أهدافه المالية المحافظة.
وتتوقع "أديداس" حالياً تحقيق أرباح تشغيلية قدرها 700 مليون يورو (749 مليون دولار) هذا العام، بعد توقعات سابقة عند 500 مليون يورو في أبريل. ومع ذلك، يتوقع المحللون أن يتجاوز الرقم مليار يورو.
في الربع الأول، قفزت المبيعات بنسبة 8% بشكل عام، و5% باستثناء مخزون "ييزي" المتناقص.
أشار غولدن إلى أن هذا الزخم سيزداد، لكنه طلب أيضاً من المستثمرين التحلي بالصبر. اقترح مراراً وتكراراً - على الرغم من عدم تحديد تاريخ محدد لذلك - أن تكون شركة "أديداس" قادرة على تحقيق نمو في المبيعات بـ10% أو أكثر، وهوامش ربح تشغيلية لا تقل عن 10%.
مخاوف مرتبطة بالصين
تُعتبر الصين إحدى العثرات المحتملة. تفاقم غضب المستهلكين على مدى سنوات بسبب مخاوف العلامات التجارية الغربية بشأن القطن القادم من شينغيانغ، الإقليم الذي تتهم الصين فيه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد أقلية الأيغور. وبشكل منفصل، قالت "أديداس" الأسبوع الماضي إنها تحقق في مزاعم الفساد بين بعض موظفي التسويق في البلاد.
العلامات التجارية المحلية مثل "آنتا سبورتس" (Anta Sports) والأسماء الفاخرة بما في ذلك "ديور"، اكتسبت حصة في السوق. قالت شركة "أديداس" إنها تعمل على تسريع سلسلة التوريد الخاصة بها في البلاد لتلبية أذواق العملاء سريعة التغير.
قالت تشين جينغفانج، مؤسسة حساب مؤثر على موقع "ويبو" يضم أكثر من 3 ملايين متابع: "عندما كنت في المدرسة الإعدادية، اعتقدت أن العلامات التجارية مثل (نايكي) و(أديداس) كانت أنيقة جداً - إنها بمثابة وسيلة لإظهار الموضة". وقالت إنها الآن على الأرجح ستشتري زوجاً من الأحذية من "أون" أو "لولو ليمون أثلاتيكا" (LuluLemon Athletica).
3 فئات رئيسية
هناك أيضاً مسألة كيف ومتى ستحاول "أديداس" البناء على نجاحاتها الحالية في مجال الأحذية الرياضية، والحفاظ على رونقها في عالم الموضة. اقترح غولدن في وقت سابق من هذا العام أن عودة أحذية كرة السلة "سوبر ستار" القديمة يجب أن تنتظر، بسبب الطلب المتزايد على حذاء "سامبا" المستوحى من كرة القدم.
على الصعيد العالمي، يريد غولدن إعادة ترسيخ أديداس كـ "أفضل علامة تجارية رياضية" في العالم، وأن يظهر اسمها في معظم الرياضات الأولمبية، وأن يكون له مكانة بارزة في المجالات التي حقق فيها نجاحاً مع "بوما"، بما في ذلك لعبة الكريكيت وسباقات "الفورمولا 1". ولكن لا يزال هناك عمل يتعين القيام به في الفئات الرئيسية الثلاث وهي الجري وكرة السلة وكرة القدم.
حققت الشركة نجاحاً بارزاً في سوق أحذية الجري مع طرحها حذاء "أديزيرو أديوس برو إيفو 1" (Adizero Adios Pro Evo 1)، وهو حذاء سباق يبلغ وزنه 138 غراماً وسعره 500 دولار، وهو مصمم ليتم ارتداؤه في سباق واحد فقط. أطلقت شركة "أديداس" الحذاء في سبتمبر - قبل عامين من الموعد الأصلي - وفي غضون أيام، ارتدته العداءة الإثيوبية تيغست أسيفا في برلين بينما حطمت الرقم القياسي العالمي لسباق الماراثون للسيدات. ومع ذلك، اعتمد العداؤون العاديون على أحذية من أمثال "أون" و"هوكا" و"بروكس".
أحذية كرة السلة
ثم هناك كرة السلة، حيث هيمنت شركة "نايكي" لعقود من الزمن. تستفيد شركة "أديداس" حالياً من منتجها الأكثر مبيعاً منذ سنوات وهو حذاء أنتوني إدواردز المميز، والذي سلطت شركة "فوت لوكر" (Foot Locker) الضوء عليه باعتباره من أكثر المنتجات مبيعاً.
بالنسبة لكرة القدم، استخدمت "نايكي" ذات الموارد المالية الأكبر نفوذها المالي للحصول على عقود الرعاية. وفي تعليقه على خسارة عقد رعاية المنتخب الألماني، أوضح غولدن أن قراره كان قراراً عقلانياً يتجاوز عاطفته تجاه الرياضة، حيث قال إن التزام منافسه الأميركي بدفع 100 مليون دولار في السنة وفق تقارير، يتجاوز بكثير ما تراه شركته قراراً ذكياً.
خلال اجتماع مساهمي "أديداس" في مايو، صرح غولدن: "يجب عليك تقبل أن البعض يدفع أموالاً طائلة في بعض الأحيان". وأضاف أن شركته ستستمر في عقدها الحالي، "ثم سنضحك".
نقطة ضعف "نايكي"
أشار بونام غويال، المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس"، إلى أندية كبيرة أخرى مثل تشيلسي التي كانت ترتدي "أديداس" سابقاً وباتت الآن ترتدي "نايكي". كما تحول منتخب فرنسا أيضاً إلى "نايكي". رأى المحلل أنه "في حين من الممكن استعادة رعاية بعض هذه الفرق، إلا أنه يتعين عليهم دفع ثمن ذلك. وإذا أبدت (نايكي) اهتماماً بالفرق التي تحاول (أديداس) استعادتها، فأعتقد أن (نايكي) ستدفع أكثر".
انتزعت "نايكي" الصدارة من "أديداس" كأكبر علامة تجارية رياضية في العالم خلال التسعينيات، وحققت العام الماضي ضعف إجمالي إيراداتها. قد يكون لدى غولدن فرصة نادرة لسد الفجوة، إذ تواجه الشركة الأميركية صعوبات في طرح منتجات جديدة وتقليل الاعتماد على علامة جوردان التجارية، واضطرت إلى تسريح موظفين.
أشار توماس جويكل، وهو مدير محفظة في "يونيون إنفستمنت" (Union Investment) في فرانكفورت، وهي أحد أكبر 10 مستثمرين، أنه "يمكن لغولدن استغلال ضعف نايكي هذا لتقليص الفارق، ما يعني أن (أديداس) تكبر ويمكنها تقديم عقود أكبر. يدرك غولدن أن الحجم مهم في هذه الصناعة، وربما سيحاول اغتنام هذه الفرصة".