سيطرة الشركات الكبرى على القطاع تدعمها الخبرات الفنية والإدارية والكفاءات البشرية، وبالطبع إمكانيات مالية ضخمة

المجموعات الكبرى مرشحة للهيمنة على قطاع الرعاية الصحية السعودي

ممرضة تحمل عينة من اختبار كوفيد في مركز طبي - المصدر: بلومبرغ
ممرضة تحمل عينة من اختبار كوفيد في مركز طبي - المصدر: بلومبرغ
عاصم بعيني
المصدر:

الشرق

بدأت ملامح مستقبل للرعاية الصحية والأدوية في السعودية تصبح أكثر وضوحاً مع توسع دور القطاع الخاص فيها، إذ يستهدف برنامج التحول في القطاع الصحي رفع نسبة مساهمة القطاع الخاص إلى 50% في 2030.

ووفقاً لرصد "الشرق"، من المتوقع أن تضيف 5 من شركات الرعاية الصحية المدرجة في سوق الأسهم السعودية أكثر من 3600 سرير في قطاع المستشفيات حتى 2028. فيما من المتوقع أن تستمر وتيرة استحواذ الشركات الخاصة على مشاريع صحية قائمة، في ظل مبادرات التمكين ومن بينها تقديم قروض بمئات الملايين من قبل وزارة المالية.

أما السمة العامة المستقبلية التي يمكن استنتاجها، فتكمن في أن القطاع يتجه بصورة أعمق إلى مزيد من التركز، حيث من المتوقع أن تكون الشركات المدرجة الكبرى، لاعباً رئيسياً في القطاع، مستفيدة من عنصرين: الخبرات الفنية والإدارية ووجود الكفاءات البشرية لديها، وتمتعها بإمكانيات مالية ضخمة.

على صعيد صناعة الأدوية على سبيل المثال، تضم السعودية نحو 50 مصنعاً مخصصاً للإنتاج. وفي إشارة إلى ما يمكن أن يشهده القطاع على صعيد توزيع القوى والتركز، يتوقع ثامر المهيد، الرئيس التنفيذي للشركة والعضو المنتدب في الشركة "الكيميائية السعودية القابضة" في حديث مع "الشرق" "توحيد في أعمال المصانع الكبرى أو حصول عمليات استحواذ من الشركات الكبيرة على تلك الصغيرة". ذاهباً إلى ما هو أعمق من ذلك، لجهة "إمكانية اتجاه شركات خارجية للدخول إلى السوق، والعمل على توسيع حضورها من خلال الاستحواذ على شركات محلية صغيرة إلى متوسطة الحجم".

تبلغ القيمة السوقية للشركة "الكيميائية السعودية القابضة" قرابة 8 مليارات ريال، وتعمل كوكيل لشركات عالمية في تجارة الأدوات والمستحضرات الطبية، إلى جانب دورها في تصنيع الأدوية من خلال شركات تابعة.

مؤشرات عامة مشجعة

تعتمد شركات الرعاية الصحية والأدوية على جملة من المؤشرات الديموغرافية والاقتصادية المستقبلية، من بينها التوقعات بأن يرتفع عدد السكان بمعدل نمو سنوي مركب بنحو 1.3% من 2022 إلى 2030. كذلك، من المستهدف رفع نسبة كبار السن (ممن تفوق أعمراهم 45 عاماً) إلى 35% من الإجمالي في 2030، مقارنة بنحو 25% في 2022، وفقاً لخطوط العامة لرؤية 2030. ومن بين مستهدفات برنامج تحوّل القطاع الصحي زيادة متوسط العمر المتوقع بخمس سنوات إلى 80 عاماً.

المصدر: الشرق
المصدر: الشرق

فرص حيوية للنمو

تبني الشركات استراتيجياتها الاستثمارية على جملة من المستهدفات الواعدة الصادرة عن وزارة الصحة. فمن جهة، تتطلع الوزارة لرفع مساهمة القطاع الصحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 318 مليار ريال في 2030 مقارنة بنحو 199 ملياراً حالياً، مع استهداف أن تكون حصة القطاع الخاص نحو 145 مليار ريال منها. وفي الوقت الذي من المتوقع أن تصل فيه قيمة الفرص الاستثمارية إلى نحو 330 ملياراً حتى 2030، فإن مساهمة القطاع الخاص الحالية فيها لا تتعدى 11%، وفق وزارة الصحة، ما يعكس فرص نمو مستقبلية هائلة.

ومن المتوقع أيضاً أن يصل الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي إلى نحو 324 ملياراً في 2030. فيما تبلغ قيمة إنشاء 224 مركزاً للرعاية الصحية الأولية وإضافة نحو 20 ألف سرير في المستشفيات وفق رؤية 2030، نحو 48 مليار ريال.

وتجدر الإشارة إلى أن القطاع العام مايزال مسيطراً على نحو 68% من إجمالي المستشفيات في المملكة، كما تشير إلى ذلك نشرة الاكتتاب بأسهم "مجموعة فقيه للرعاية الصحية".

المصدر: الشرق
المصدر: الشرق

حوافز حكومية

وبالتزامن، فقد عمّقت الجهات المعنية مبادرات التمكين مع توفير برامج متخصصة، تشمل الدعم المالي ودعم خطط التوسع، ومن بينها وزارة المالية التي تقدم قروضاً بقيمة 200 مليون ريال عند إنشاء مستشفى جديد، فيما منحت 80 مليوناً لإنشاء مجمع طبي عام، وقرض بقيمة مماثلة لتأسيس مركز جراحة اليوم الواحد، و50 مليون ريال لإنشاء مجمع طبي متخصص، بشرط حصول الجهة المستفيدة على ترخيص ساري من وزارة الصحة. واستفادت العديد من الشركات الصحية المتخصصة من هذه الحوافز. فقد حصلت 8 من الشركات المدرجة في قطاع الرعاية الصحية في سوق الأسهم السعودية، على قروض بقيمة 1.9 مليار ريال (علماً أن بعض هذه القروض لا تقتصر على وزارة المالية، بل تشمل جهات أخرى كما هو الحال مع "صندوق التنمية الصناعي"، كما أنها تعود إلى فترة سابقة على 2019)، كما أظهرت البيانات المالية للشركات والتي جمعتها "الشرق".

رئيس "الكيميائية السعودية القابضة": نتطلع لأسواق جديدة، وجعل إيراداتنا موزعة مناصفة بين السوق المحلية والخارجية

تشكل الشركة "الكيمائية السعودية القابضة" عينة من الشركات السعودية التي تفاعلت مع مبادرات التمكين الصادرة عن الجهات المختلفة. شكلت هذه المبادرات عنصراً هاماً في الدفع قدماً بخطة التحول الاستراتيجي للمجموعة في 2020 لإعادة هيكلة القطاعات وشركاتها التابعة، ونتج عنها في أكتوبر الماضي موافقة مجلس الإدارة على تأسيس كيانين منفصلين، إحداهما شركة قابضة متخصصة في القطاع الصحي. وفي هذا السياق يوضح المهيد "أن هذه الخطوات جاءت في سياق جهود تعميق التخصص في العمليات التشغيلية"، متوقعاً أن تتضح معالم الشركة القابضة المتخصصة في القطاع الصحي في العام المقبل على أبعد تقدير.

وعلى المستوى التشغيلي، أثمرت المبادرات اتفاقيات مع جهات حكومية عدة، من بينها بحسب المهيد "مع هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، للبدء في إنتاج دواء "تيكاغريلور" في المملكة، في مصنع "أجا فارما"، إحدى شركات قطاع الدواء التابعة للشركة الكيميائية السعودية القابضة". ويكشف المهيد في السياق نفسه، أن "الكيميائية" تنتظر الحصول على الموافقات للبدء في النشاط التشغيلي التجريبي لخط إنتاج جديد في مصنع "أجا فارما"، لإنتاج أدوية علاجية لعدد من الأمراض (كالسكري، والأوارم واللقاحات). وفي ما يتعلق بالأثر المالي لهذه المبادرات، يجيب المهيد قائلاً: "إن جميعها بما في ذلك الصادرة عن هيئة تنمية الصادرات السعودية، وبرنامج "صنع في السعودية"، على سبيل المثال، كانت عاملاً مهماً في المساهمة في خفض تكلفة الاستثمار بالمشاركة في المؤتمرات والمعارض الدولية بنحو الخمس".

الإدراج وسيلة للتمويل

أخذت شركات عدة، خيار الدخول في عمليات اكتتاب عام والإدراج في سوق الأسهم السعودي في سياق بحثها عن مصادر تمويل إضافية. ويبدو أن هذا الخيار أكثر جاذبية من مصادر التمويل التقليدية في ظل استمرار ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، في وقت يشهد فيه طرح هذه الشركات إقبالاً لافتاً من قبل المستثمرين. بحسب "بلومبرغ"، تستهدف "مجموعة فقيه للرعاية الصحية" جمع 2.86 مليار ريال (763.4 مليون دولار) من طرح أسهمها في سوق الأسهم السعودي، بما يمثل أكبر اكتتاب خلال هذا العام. فيما بلغت نسبة التغطية على أسهم شركة "كومل" نحو 274.5% مع طرح 14.2% من رأس مالها في السوق الموازية "نمو".

اقرأ المزيد: "فقيه للرعاية الصحية" تتطلع لجمع 2.86 مليار ريال من طرحها ببورصة السعودية

خيار المفاضلة بين المصدرين، يبدو واضحاً في كلام هشام العقلاء الرئيس التنفيذي في شركة "كومل" التي تبلغ قيمتها السوقية قرابة 320 مليون ريال، والذي يقول في حديث مع "الشرق" إن الشركة تبنت خيار الإدراج على حساب الاقتراض في توفير مصادر تمويل". ويذهب العقلاء إلى التأكيد أن الشركة "ستعمل على استخدام عائدات الطرح في تمويل توسعاتها، ومن بينها مصنع جديد للمستحضرات الصيدلانية باستثمارات بقيمة 25 مليون دولار، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاجه الفعلي في 2025".

رئيس "كومل": "استخدام عوائد الاكتتاب بالتوسع في مشاريع جديدة"

تعتبر "كومل" من أحدث الشركات المدرجة في السوق الموازية (نمو). بدأت نشاطها التجاري عام 2008 وتوفر خدمات متنوعة في قطاع الرعاية الصحية، تشمل الأدوية والتأهيل الطبي. كما تملك اتفاقيات توزيع أجهزة طبية وأدوية مع شركات عالمية.

مزيد من الاستحواذات

بالتوازي، تشكل الخصخصة محركاً آخر من محركات النمو، في ظل خطة طموحة لخصخصة نحو 295 مستشفى و2259 مركزاً صحياً. وتنشط شركات القطاع أيضاً على خط عمليات الاستحواذ التي تسارعت وتيرتها من خلال مستشفيات قائمة عائدة لشركات خاصة أصغر حجماً، كان من بينها على سبيل المثال استحواذ شركة "مجموعة فقيه للرعاية الصحية" على 60.56% من رأس مال شركة "مستشفى الرياض"، فيما أتمت "الوطنية للرعاية الطبية" الاستحواذ على "مستشفى الرعاية التخصصية المزمنة الطبية".

في حديثه مع "الشرق"، كشف عبد الوهاب العجروش رئيس مجلس إدارة شركة "نبع الصحة للخدمات الطبية" المتخصصة في تشغيل المجمعات الطبية ومراكز جراحة اليوم الواحد أن الشركة تخطط بالفعل للاستحواذ على مستشفيات والتوسع في مجال الصيدليات خلال الفترة المقبلة". وبالتوازي تستهدف المجموعة "الانتهاء من توسعة مستشفى الأنوار في مدينة حائل خلال العام الجاري، بالإضافة إلى البدء في تنفيذ مشروع مستشفى في الرياض، على أن يجري استكماله في غضون ثلاث سنوات.

تبلغ القيمة السوقية لشركة "نبع الصحة للخدمات الطبية" 949 مليون ريال، وهي مدرجة في السوق الموازية (نمو)، في 2022. وتتولى حالياً تشغيل مستشفى الزهراء وصيدلية منارة الحرمين.

رئيس "نبع الصحة للخدمات الطبية": "نخطط للاستحواذ على مستشفيات جديدة والتوسع بالصيدليات"

بدوره، ينطلق الرئيس التنفيذي للشركة والعضو المنتدب في الشركة "الكيميائية السعودية القابضة"، ثامر المهيد، في الإجابة على سؤال عن فرص النمو من التوجهات العامة لشركة "الكيميائية"، والتي تتضمن الشراكات الاستراتيجية والاستحواذات، والتوسع في الأسواق، وتوفير الخدمات والمنتجات النوعية ذات التنافسية العالية، وتحقيق التميز التشغيلي. ويقدم المهيد مثالاً على ذلك استحواذ شركتهم التابعة "أجا فارما" على حقوق تصنيع وتسويق دواء "سيالس" (Cialis)، ما يُعزّز مكانة الشركة بدور رئيسيّ في مجال صناعة الأدوية.

وعند سؤاله إن كانت الشركة تخطط لمزيد من الاستحواذات أو الشراكات قال المهيد: "من الممكن أن نسمع شيئاً هذا العام"؛ دون تقديم مزيد من التفاصيل. ويتخذ الحديث مع المهيد اتجاهاً أكثر عمقاً ليعطي مؤشراً آخر على اتجاهات التوسع في المستقبل. فيقول: "إن الاعتماد على التوسع العضوي لن يكون كافياً لتحقيق النمو". وفي إشارة أخرى على التخطيط الاستراتيجي المستقبلي للشركات -وكمثال على ذلك "الكيميائية"- يكشف المهيد أنه "في سياق طموحاتنا بالتحول إلى ما هو أكبر من شركة محلية، نطمح إلى تنويع أسواقنا، كمدخل لتنويع الإيرادات"، محدداً أهدافه المستقبلية بالقول: "نتطلع إلى جعل الإيرادات موزعة مناصفة بين السوق المحلية وأسواق خارجية مستهدفاً بذلك مدة زمنية محددة مقدارها "بنحو بعد 5 سنوات".

هيمنة المجموعات الكبيرة

أما السمة العامة الأكثر عمقاً والتي يمكن الخروج بها على مستوى قطاع الرعاية الصحية، فتكمن في ازدياد هيمنة مجموعات الرعاية الصحية الكبيرة يوماً بعد يوم على النشاط الكلي للقطاع الخاص. فقد استحوذت المستشفيات الكبيرة على 41% من إجمالي عدد الأسّرة المقدر لعام 2023، في المنطقتين الوسطى (مدينة الرياض) والمنطقة الغربية (مدينة جدة)، وفق بيانات اطلعت عليها وجمعتها "الشرق". وربما تجد هذه المجموعات نفسها في موقع مالي أكثر قوة أو أن حجمها يوفر لها كلفة تشغيلية أقل ومزيداً من القدرة التنافسية والخبرات مقارنة بالشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

ومن المتوقع أن تتعزز هذه السمة، في ظل المشاريع الحيوية الجديدة التي ستدخل السوق خلال السنوات المقبلة والعائدة بمعظمها إلى هذه المجموعات الكبيرة، كما يتبين في رصد سريع أجرته "الشرق". فعلى سبيل المثال تعمل "مجموعة فقيه للرعاية الصحية" على ما لا يقل عن 4 مشاريع مستشفيات متعددة الاستخدامات من المتوقع أن تدخل الخدمة حتى عام 2028، في تلك المنطقتين. بينما تطور "مجموعة الدكتور سليمان الحبيب للخدمات الطبية" 7 مستشفيات بسعة سريرية تزيد عن 1600 سرير. فيما تتولى شركة "الشرق الأوسط للرعاية الصحية" بناء 4 مستشفيات بسعة 465 سريراً. فيما تطور شركة "دله للخدمات الصحية"، مستشفى جديداً في مدينة الرياض، بطاقة استيعابية تبلغ 250 سريراً ومن المتوقع الانتهاء منه العام المقبل.

المصدر: الشرق
المصدر: الشرق

التأمين بمقدمة المستفيدين

تركت التطورات النوعية الحاصلة في القطاع الصحي، نتائج إيجابية على قطاعات أخرى، وبالتالي كان لها أثر واضح على الأداء المالي لشركات مساهمة مدرجة وغير مدرجة. وجسد قطاع التأمين عينة على ذلك. في اتصال مع "الشرق" يعرج عادل العيسى رئيس "لجنة الإعلام والتوعية التأمينية في التأمين السعودي والمتحدث باسم قطاع التأمين" على بعض المؤشرات المشجعة والإيجابية على مستوى القطاع، قبل أن يتوسع في الإجابة حول الآفاق المستقبلية. فينطلق من حقيقة "أن القطاع حقق نمواً في الأقساط المكتتبة بنحو 19% خلال السنوات الثلاث السابقة". مع نهاية 2023، تأكد استمرار هذا النمو، فقد بلغ إجمالي أقساط التأمين المكتتبة نحو 65.4 مليار ريال في نهاية 2023، بزيادة 22.7% مقارنة بنهاية 2022. وفقاً لبيانات هيئة التأمين. وفي سياق سرده للعوامل الداعمة لهذا النمو، يشير العيسى إلى "الزيادة في الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والتطوير المستمر للبنية التحتية الخاصة بالرعاية الصحية" كعنصر أساسي، وذلك إلى جانب عوامل أخرى كزيادة عدد السكان وانتشار المشاريع الضخمة في المملكة. ومن بين المؤشرات التي تدعم النمو المستقبلي، يتطرق العيسى بشكل خاص إلى عنصر، وهو ارتفاع عدد المؤمن عليهم في سوق التأمين الصحي الخاص إلى نحو 12.09 مليون مستفيد بنهاية الربع الأول من العام الحالي بزيادة 4.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وكذلك وصول عدد المعتمرين إلى مستوى قياسي عند 13.5 مليون زائر في 2023.

المصدر: الشرق
المصدر: الشرق

تصنيفات

قصص قد تهمك