تقف صناعة إدارة الأصول في السعودية أمام مرحلة جديدة من النمو، مدفوعة بجهود الارتقاء بالبيئة التشغيلية وتعزيز جاذبية بيئة الأعمال، والمبادرات لاستقطاب كبرى مديري الأصول العالميين، بما ينسجم مع برامج التحول ومستهدفات رؤية 2030.
ومن شأن جذب شركات عالمية متخصصة، أن يترك بصمته على القطاع وربما على خريطة توزع القوى والحصص السوقية. فكيف تبدو الصورة المحيطة بقطاع إدارة الأصول في المملكة، والتوجهات الاستراتيجية الحالية والمستقبلية؟
بلغ إجمالي الأصول المدارة من قبل الشركات المالية السعودية نحو 871 مليار ريال في نهاية 2023، بزيادة 17.1% مقارنة بنهاية 2022، و10.2% مقارنة بالربع الثالث من العام نفسه، وذلك وفقاً لبيانات هيئة السوق المالية السعودية. واللافت أن أكبر خمس شركات سعودية من حيث الأصول المدارة، استحوذت على نحو 65% من الإجمالي من بين 91 شركة عاملة في القطاع، وفقاً للبيانات المالية المتوفرة للشركات والتي جمعتها "الشرق".
بين المنافسة والقيمة المضافة
يلعب صندوق الاستثمارات العامة دوراً حيوياً في تطوير صناعة إدارة الأصول على محاور عدة. وأطلق لهذه الغاية مبادرتين مهمتين: منصة بوابة مديري الأصول، وبرنامج تطوير إدارة المحافظ الاستثمارية. وتتضمن المبادرة الأولى إطلاق منصة رقمية جديدة كقناة للتعاون بين الصندوق ومديري الصناديق على مستويات عدة. في حين أن المبادرة الثانية ذات طابع تعليمي وتدريبي مخصصة لمديري الأصول، وتتم بالتعاون مع جامعة "آي إي" (IE University).
الصندوق الذي يدير أصولاً بحوالي 900 مليار دولار انخرط في عملية تقييم للشركات المحلية المتخصصة لتحديد مديري الأصول المحتملين من قبله ومنحهم دوراً أوسع في إدارة محافظ أو أصول عائدة له.
كذلك، أثمرت جهود الصندوق على صعيد استقطاب شركات عالمية، مع انضمام شركات عدة إلى السوق من بينها: "بلاك روك"، "بروكفيلد"، و"فرانكلين تيمبلتون" وغيرها. وسبقها دخول مديري أصول لمؤسسات مصرفية إقليمية، كما هو الحال مع "الإمارات دبي الوطني كابيتال السعودية"، و"الوطني لإدارة الثروات" التابعة "لبنك الكويت الوطني"، و"بيت التمويل السعودي الكويتي"، و"انفستكورب السعودية للاستثمارات المالية" البحرينية.
ومع النمو المتوقع في حجم أعمال هذه الشركات بعد مرور فترة على تأسيسها، سيكون السؤال مطروحاً عن مدى إمكانية تغير مشهد توزيع القوى في ترتيب الشركات المالية من حيث قيم الأصول المدارة. وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن شركة "مورغان ستانلي" السعودية التي تأسست في العام 2007، تأتي في المرتبة 11 في ترتيب أكبر الشركات المالية لإدارة الأصول بالسعودية، بما قيمته نحو 11.9 مليار ريال كما في نهاية 2023، وفق بيانات هيئة السوق المالية السعودية. وهنا، يعلق طارق السديري العضو المنتدب والرئيس التنفيذي في "جدوى للاستثمار" في حديث مع "الشرق" على دخول الشركات الأجنبية بالقول: "مما لا شك فيه، أن تواجدها يزيد مستوى المنافسة، ولكنه يلفت بالمقابل إلى دورها في تقديم منتجات وخدمات استثمارية جديدة، وفتح مجالات جديدة للتعاون".
بدوره، لا ينظر عبد الرحمن الجنيني، رئيس إدارة الأصول في شركة "البلاد المالية" في حديث مع "الشرق"، إلى الشركات الأجنبية المتخصصة في إدارة الأصول والمقبلة إلى السوق من منظور المنافسة، بقدر ما يرى فيها إضافة حقيقية مشيراً إلى أن تواجد الشركات العالمية، يحث تلك المحلية على الاستفادة مما يقدمه مديرو الأصول الأجانب من تجارب في قطاعات جديدة لم تكن متوفرة في السوق، أو حتى استراتيجيات جديدة كما هو الحال مع الاستراتيجيات غير النشطة (الخاملة) (Passive Strategies)، والتي تعد غائبة إلى حد كبير عن "الحمض النووي" للشركات المحلية.
آفاق للنمو
يعد أداء أكبر 5 شركات إدارة أصول في السعودية، عينة حيوية ومهمة عن النمو الحاصل في القطاع. بلغت أصول هذه الشركات نحو 562.2 مليار ريال في نهاية 2023، بزيادة 9.4% مقارنة بالعام الأسبق. وتبرز شركة "الأهلي المالية" في الصدارة بأصول مدارة قيمتها 246.2 مليار ريال، مستحوذة على 44% من الإجمالي للشركات الخمس، ما يعكس موقعها ودورها على مستوى الصناعة.
على صعيد إجمالي الشركات العاملة في القطاع، فقد بلغت الإيرادات من نشاط إدارة الأصول نحو 4.288 مليار ريال في نهاية 2023، بزيادة 4.8% عن 2022، وفق بيانات هيئة السوق المالية.
وتبدو الشركات السعودية على استعداد لمواكبة هذه المرحلة والاستعداد للانتقال إلى مرحلة جديدة من النمو. وفي هذا الشأن يقول طارق السديري: "نرى فرص نمو على مستوى الأسهم العامة من خلال المحافظ الخاصة على ضوء أداء "جدوى للاستثمار"، كما نجد فرصاً واعدة في العقار، خصوصاً في مدينة الرياض، مشيراً إلى أن الشركة أطلقت 6 صناديق عقارية جديدة منذ بداية العام الحالي. ويكشف أن "جدوى للاستثمار"، تستعد لطرح أول صندوق متنوع متخصص في مجال الملكية الخاصة على مستوى دول الخليج.
تدير "جدوى للاستثمار" 62.5 مليار ريال كما في نهاية العام الفائت، وقد بلغت أرباحها 81.4 مليون ريال لذلك العام، بتراجع نسبته 81% على أساس سنوي.
"جدوى للاستثمار" تستعد لطرح صندوق متنوع متخصص في مجال الملكية الخاصة
من المتوقع نمو حجم سوق العقارات في السعودية إلى نحو 353 مليار ريال في 2028، مقارنة بنحو 241 مليار ريال في 2023، وفق الهيئة العامة للعقار. فيما بلغت قيمة استثمارات الملكية الخاصة نحو 3.9 مليارات دولار في نهاية 2023، بعد تسارع النمو في هذا القطاع منذ 2020، حيث سجل ارتفاعاً بمقدار 3.7 ضعف في 2021، وفق تقرير شركة "ماغنت" (Magnitt).
وفي سياق الحديث عن النمو والذي تطلع إلى تحقيقه الشركات المحلية، يكشف عبد الرحمن الجنيني بدوره، أن لدى شركة "البلاد المالية" مستهدفات طموحة، عبر التطلع خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى مضاعفة حجم الأصول المدارة والبالغة 13 مليار ريال كما في نهاية 2023. ويضيف أن هناك توجهاً لطرح منتجات جديدة ذات صلة بصندوق المؤشرات المتداولة (ETFs)، في ظل الحوافز المتوفرة لهذا النوع من الصناديق.
"البلاد المالية" تتطلع لمضاعفة الأصول المدارة خلال السنوات الثلاث المقبلة
تعويل على الصناديق الاستثمارية
تتولى هيئة السوق المالية السعودية قيادة ورشة عمل للارتقاء بالبيئة التشغيلية الخاصة بصناعة إدارة الأصول. وانصبت الجهود على تحديد مكامن النمو والأدوات التي تقوده. ومن الناحية العملية، ترى الهيئة في تطوير دور الصناديق الاستثمارية بشكل عام ومنحها مزيداً من المرونة إحدى هذه الممكنات، وذلك كما جاء في أحدث عرض صادر عنها قبل أسابيع. ويتركز جزء من هذه الجهود على الصناديق العقارية، وتسعى الهيئة إلى توفير أدوات تمويل إضافية لصناديق الاستثمار العقارية المتداولة، لمعالجة التباطؤ المسجل في عمليات الإدراج في السنوات الخمس الماضية، مقارنة بالطلب القوي المسجل على الاكتتابات العامة للأسهم. وتظهر بيانات الهيئة أن العام 2023، لم يشهد سوى إدراج صندوق عقاري واحد، في حين أن أعلى عدد صناديق جرى إدراجها كان في 2018، بعدد 9 صناديق. وتدرس الهيئة إتاحة خيار التعهد بالتغطية وبناء سجل الأوامر عند طرح الصناديق العقارية المتداولة بما يعزز نجاح إدراج الصناديق، كون مثل هذا الإجراء يسهم في التأكد عبر سجل الأوامر من رغبة المستثمرين في الاكتتاب، كما جاء في العرض المقدم من الهيئة.
هذا، وكانت الصناديق الاستثمارية بشكل عام، قادت النمو الحاصل على مستوى إدارة الأصول. وحققت قفزة حقيقية خلال 2023، سواء من حيث العدد أو إجمالي الأصول المدارة. وبلغ إجمالي عددها نحو 1285 صندوقاً، بزيادة 36.8% عن 2022. فيما بلغ إجمالي أصول هذه الصناديق نحو 558 مليار ريال، بزيادة 16.7%. وبلغ إجمالي أصول هذه الصناديق 64% من إجمالي الأصول المدارة في القطاع والبالغة 871 مليار ريال.
وبالتعمق في المعطيات المتعلقة بصناديق الاستثمار، يتضح جلياً أن شريحة الصناديق الخاصة تشهد إقبالاً لافتاً سواء من قبل الجهات الطارحة لها أو المستثمرين فيها. فحتى نهاية 2023، بلغ عددها 994 صندوقاً، مقارنة بـ291 صندوقاً عاماً.
قفزة في المحافظ الخاصة
بدورها، تشكل المحافظ الخاصة ثاني ركائز تطور قطاع إدارة الأصول. وفي هذا السياق، يسلط عبد الرحمن الجنيني الضوء على حيوية الجهود المبذولة من الهيئة بشكل خاص في مجال إدارة المحافظ الخاصة والعائدة لأصحاب الثروات العالمية أو المستثمرين المؤسسيين، بما يضفي مزيداً من الطابع المؤسسي على صناعة إدارة الأصول، منوهاً إلى أن التدفقات النقدية القادمة عبر هذه المحافظ تفوق تلك الواردة عبر الصناديق.
زاد عدد هذه المحافظ بشكل لافت خلال 2023. حيث ارتفع إلى 156.2 ألف محفظة بزيادة نحو 322.1% عن العام الأسبق. فيما بلغ إجمالي أصولها نحو 313 مليار ريال، بزيادة 12% مسجلة ثاني أعلى زيادة على مدى 5 سنوات. وبناءً على ذلك، تكون هذه المحافظ قد استأثرت بحصة تبلغ نحو 36% من إجمالي الأصول المدارة.