إثر انتشار أنباء حول ضغوط تمارسها الصين على شركة "علي بابا" القابضة المملوكة للملياردير الصيني جاك ما لبيع صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" (South China Morning Post)، بدأ الموظفون الذي صُدموا بالخبر يتساءلون حول مصير الصحيفة الناطقة بالإنجليزية الأشهر في هونغ كونغ.
وكانت "علي بابا"، ومقرّها هانغتشو، اشترت الصحيفة التي يبلغ عمرها قرناً من الزمان، عام 2015 مقابل 266 مليون دولار، وضخّت فيها الأموال التي كانت بحاجة إليها، متعهدة بأن تحافظ الصحيفة على استقلاليتها التحريرية. وعلى الرغم من تَعرُّض الصحيفة للانتقادات بسبب جنوحها نحو الصين منذ استحواذ "علي بابا" عليها، فإن صحفييها قدّموا تغطية من قُرب للمظاهرات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت عام 2019 في هونغ كونغ، كما نشرت آراءً متنوعة من ضمنها مواقف مناوئة للصين.
واليوم يشعر الموظفون بالقلق حيال احتمال أن تشتري شركة صينية تملكها الدولة، الصحيفة من "علي بابا"، مما سيضعها بالكامل تحت سيطرة بكين، حسب ما قاله أحد الموظفين الذي طلب عدم الكشف عن اسمه. وستوجّه مثل هذه الخطوة واحدة من أكثر الضربات إيلاماً إلى قطاع الإعلام في المدينة، الذي كان يتميز بحريته، إذ تتعرض وسائل الإعلام المستقلة لضغوط متزايدة بعد أن فرضت بكين قانون الأمن الوطني عام الماضي.
وقال كيث ريتشبورغ، مدير مركز الصحافة والدراسات الإعلامية في جامعة هونغ كونغ ورئيس نادي المراسلين الأجانب في المدينة: "توجد شكوك أنه إذا استحوذت هيئة صينية أو ملياردير صيني على الصحيفة، فسوف يغيّرون خطها التحريري". وتابع: "فكرة بيع (ساوث تشاينا مورنيغ بوست) في وقت يدور فيه حديث في بكين حول ضرورة أن يتولى (أشخاص وطنيون) إدارة الهيئات الإعلامية، أمر مقلق للغاية".
وكانت بكين عملت على قمع التحركات المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ في خلال العام الماضي، فألقت القبض على المعارضين وعدلت النظام الانتخابي لمنح الحزب الشيوعي الحقّ في رفض أي شخص يترشح للانتخابات. وقد انتقدت عدة دول هذه الخطوات بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التي قالت هذا الأسبوع إن الصين "في حالة عدم امتثال متواصل" للاتفاقية التي أدّت عام 1997 إلى نقل السيادة على المستعمرة البريطانية السابقة، مما استدعى ردّاً غاضباً من بكين.
وكانت الصين صعّدت في الأشهر الماضية ضغوطها على الصحفيين في هونغ كونغ، خصوصاً اعتقال القطب الإعلامي جيمي لاي، مؤسس صحيفة "آبل ديلي" (Apple Daily) المؤيدة للديمقراطية، في نوفمبر الماضي، وهو لا يزال رهن الاعتقال على خلفية اتهامات تتعلق بتهديد الأمن القومي، ورُفض إطلاق سراحه بكفالة. كذلك داهمت الشرطة الغرفة الإخبارية لـ"أآل ديلي" علناً واعتقلت مسؤولين تنفيذيين آخرين من شركة "نيكست ديجيتل" (Next Digital Ltd) الناشرة لها.
ويتعرض ما، الشريك المؤسس لـ"علي بابا"، لحملة تشنها ضده الحكومة الصينية منذ العام الماضي، استهدفت الشركة العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية وشركة "أنت غروب" المالية التابعة لها. وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" أفادت بأن الحكومة الصينية طلبت من "علي بابا" التخلي عن موجوداتها في قطاع الإعلام.
ورفض ممثلو "علي بابا" في الصين وفي الولايات المتحدة التعليق على الموضوع. وتُعزَى ضغوط الصين على "علي بابا" إلى مخاوفها من تنامي تأثير عملاق التكنولوجيا في الرأي العامّ في البلاد، حسب ما أفاد به مصدر مطّلع على القضية. وعلى الرغم من عدم تحديد المشتري المحتمل بعدُ، فإن من المتوقع أن تباع الصحيفة لهيئة صينية. وكان تحقيق لـ"بلومبرغ" العام الماضي أظهر أن الحزب الشيوعي يعزّز نفوذه في هونغ كونغ من خلال الاستحواذ على صحف ودور نشر عبر مكتب الارتباط الخاص به في المدينة.
لا خطط لتغيير الملكية
من جهته، وجّه المدير التنفيذي لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" مذكرة داخلية إلى الموظفين يوم الثلاثاء الماضي اطّلعت عليها "بلومبرغ نيوز"، نفى فيها التقارير حول تعرُّض "علي بابا" للضغوط من أجل بيع موجوداتها الإعلامية. وقال في المذكّرة: "تأكدوا أن التزام (علي بابا) تجاه (ساوث تشاينا مورنينغ بوست) لم يتغير، وهي مستمرة في دعم رسالتنا وأهدافنا على صعيد الأعمال". وأضاف ليو في رسالة ثانية في اليوم نفسه: "لا خطط لتغيير الملكية".
وقال متحدث باسم الصحيفة في رسالة إلكترونية: "(ساوث تشاينا مورنينغ بوست) مستمرة في التزامها تجاه القراء حول العالم تقديم خدمة صحفية مستقلة وتحليلات معمقة، كما كنا نفعل على امتداد 117 سنة".
ومنذ أن دخل قانون الأمن القومي حيّز التنفيذ العام الماضي، بدأت وسائل الإعلام تتصرف بحذر خوفاً من أن تنتهك الأحكام المبهمة التي تتناول الأنشطة التخريبية والانفصالية. وكانت الحكومة عيّنت في وقت سابق هذا الشهر مسؤولاً بيروقراطياً لا يملك أي خبرة إعلامية، في منصب مدير المحطة الإذاعية العامة، إذاعة وتليفزيون هونغ كونغ، بعد أن أُخضعت برامج مناهضة للحكومة على هذه المحطة لمقصّ الرقابة أو للحذف.
وكانت إدارة الأمن القومي طلبت وثائق من وسائل إعلام بينها "آبل ديلي" و"ستاند نيوز" (Stand News) و"إن – ميديا" (In-Medi) في السادس من يناير، في اليوم نفسه الذي اعتُقل فيه 55 ناشطاً مؤيداً للديمقراطية ونواب سابقون. ولم تستجب حكومة هونغ كونغ لطلب التعليق على الموضوع، إلا أنها تصرّ أنه لم تُمَسّ حرية الصحافة على الرغم من قانون الأمن الوطني.
"أنا جاهز للاعتقال"
في هذا السياق قال رونسون تشان، نائب مدير تحرير إرساليات الأنباء في موقع "ستاند نيوز": "أنا مستعد للاعتقال، ولكنني لست مستعداً لمغادرة هونغ كونغ أو (ستاند نيوز). هونغ كونغ بحاجة إلينا، فسكان هونغ كونغ لا يزالون يؤمنون بقيم حرية الصحافة، بالأخصّ في ظلّ تنامي استحواذات البرّ الرئيسي الصيني".
كذلك تعرضت للهجوم "هونغ كونغ فري برس" (Hong Kong Free Press)، المؤسسة الإخبارية الرقمية غير الربحية التي تصف نفسها بالحيادية. ففي هذا الشهر خصّصَت مجلة مملوكة لشركة "سينغ تاو نيوز غروب" (Sing Tao News Corp) التي استحوذت عليها ابنة رجل أعمال صيني مؤخراً، أربع صفحات من أجل الإيحاء بأن "هونغ كونغ فري برس" قد تكون انتهكت قانون الأمن القومي.
وقال توم غروندي، مؤسس وكبير محرري "هونغ كونغ فري برس"، إن تدهور وضع الصحافة دفع بالمؤسسات الإخبارية إلى استخدام الأجهزة المشفرة حصراً والاطمئنان على موظفيها بشكل متواصل، ووصل الأمر إلى تقييد أجهزة الكمبيوتر بالمكاتب.
وأضاف: "نتوقع أن نُضطرّ إلى التعامل مع التدقيق البيروقراطي والقانوني، وسياستنا الحالية تقوم على الأمل في الأفضل والاستعداد للأسوأ والهدوء والاستمرار".