اسم الجائزة "ستابروك"، وهي سلسلة من حقول النفط قبالة ساحل غيانا، الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية، وتشترك في الحدود مع فنزويلا والبرازيل.
الثروات المحتملة في "ستابروك" مذهلة في حجمها، وتقدر بنحو 11 مليار برميل من النفط، تبلغ قيمتها حوالي تريليون دولار بالأسعار الحالية.
هذه الثروة الآن هي محور معركة قانونية تتوقف نتيجتها على معنى بضع كلمات وردت في وثيقة سرية، ربما تصل إلى حوالي 100 صفحة. وستؤدي النتيجة إلى إعادة تشكيل شركات النفط الكبرى.
تمتلك شركة "إكسون موبيل" جزءاً كبيراً من حقل "ستابروك"، حيث كانت جزءاً من الكونسورتيوم الذي اكتشف النفط في تلك المنطقة في عام 2015. وتحاول شركة "شيفرون" حالياً أن تفرض وجودها فيها، بعد أن أعلنت في أكتوبر عن شراء شركة "هيس كورب" في صفقة تبادل أسهم قيمتها 60 مليار دولار، شاملة الديون.
"هيس" شريكة في حقل "ستابروك"، وتمتلك 30% منه. أما "إكسون" فهي المسؤولة عن التشغيل وتمتلك 45%، وشريكتهما الثالثة هي شركة "سينوك" (CNOOC) الصينية العملاقة المملوكة للدولة، وتمتلك النسبة المتبقية التي تبلغ 25%.
ومن شأن صفقة "هيس" أن تتيح لـ"شيفرون" إمكانية الاستفادة من ثروات "ستابروك" النفطية، مما سيغير فرص وتوقعات أداء الشركة على المدى الطويل. لكن منافستها اللدودة "إكسون" رفعت دعوى قضائية لمنعها من ذلك، في محاولة لفتح الباب للسيطرة على حصة أكبر من الثروات النفطية، وتعزيز مركزها القيادي بين شركات النفط الكبرى.
اقرأ أيضاً: إكسون تتجهز لنزاع شرس لمنع شيفرون من منافستها على نفط غيانا
حق الشفعة
للمستثمرين المخضرمين في مجال النفط أن يشعروا بذلك الإحساس الوهمي بأنهم سبق أن شاهدوا ما يحدث الآن، ففي ثمانينيات القرن الماضي، أفلست إحدى الشركات التي سبقت "شيفرون"، هي "تكساكو"، بعد أن خسرت معركة قانونية تاريخية بقيمة 10 مليارات دولار أميركي تتعلق بالاستحواذ على شركة أخرى. ونتيجة النزاع الحالي ستحظى بنفس أهمية النزاع الذي حدث قبل أربعة عقود، وإن كان مختلفاً عنه تماماً.
بعد فترة وجيزة من الإعلان عن صفقة "شيفرون - هيس"، أعربت "إكسون" عن ترحيبها بها. وقال الرئيس التنفيذي للشركة دارين وودز لـ"تلفزيون بلومبرغ" في 27 أكتوبر: "نحن نتعاون مع (شيفرون) في جميع أنحاء العالم. وأرى أن مشاركتها تأتي بشكل أساسي لدعم العمل الذي أثبتنا بالفعل قدرتنا على إنجازه".
ولكن بعد أسبوعين، اتصل وودز بنظيريه في شركتي "هيس" و"شيفرون" ليعلن عن مشكلة. إذ ترى "إكسون" أن لها حق الشفعة في شراء حصة "هيس" في غيانا، وردت "هيس" و"شيفرون" بالقول إن ذلك صحيح في العموم، غير أن هيكل الصفقة بينهما ألغى ذلك الحق.
اقرأ أيضاً: "إكسون" تدرس استخدام حق الشفعة لشراء حصة "هيس" في نفط غيانا
دعوى تحكيم
ظل هذا النزاع سرياً لمدة أربعة أشهر بينما كان الطرفان يحاولان التوصل إلى اتفاق يحفظ ماء الوجه.
ثم أصبح علنياً في 28 مارس عندما قدمت "شيفرون" وثيقة عرفت باسم "S-4" إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، تتحدث عن تفاصيل الصفقة ومخاوف "إكسون". وبعد أيام، أبلغ وودز الرئيس التنفيذي لشركة "هيس" جون هيس والرئيس التنفيذي لشركة "شيفرون" مايك ويرث أن "إكسون" سترفع دعوى تحكيم.
تتقاسم شركات النفط عادةً مخاطر العمل في الأسواق الحدودية كما كانت غيانا في السابق، ولا تمتلك 100% من أي مشروع فيها. ولتفصيل حقوقها والتزاماتها تجاه بعضها البعض وتجاه مشاريعها، تكتب الشركات عقوداً سرية تسمى اتفاقيات التشغيل المشترك.
اقرأ أيضاً: ما هي سيناريوهات النزاع بين غيانا وفنزويلا على ثروات النفط؟
وفي حين تظل التفاصيل الدقيقة لاتفاقية التشغيل المشترك سرية، يمكننا استنتاج خطوطها العريضة لأن المحامين يكتبونها استناداً إلى نموذج خاص بالقطاع كنقطة انطلاق - وهو العقد النموذجي لـ"رابطة مفاوضي الطاقة الدوليين" لعام 2002، الذي يقع في 94 صفحة، والذي لم يعلن عن محتوياته من قبل، كما لم يعلن عن استخدامه كأساس لاتفاقية "ستابروك". ورفضت شركتا "إكسون" و"شيفرون" التعليق على ما ورد هنا.
قالت "إكسون" إنها تعرف أكثر من غيرها الغرض من وراء كل بند من بنود العقد وكررت ذلك كثيراً، موضحة أنها هي التي صاغت اتفاقية التشغيل المشترك. ففي 6 مارس، قال نيل تشابمان، أحد كبار المديرين التنفيذيين الأربعة في الشركة: "نحن نفهم المقصود من النصوص التي وردت في العقد بأكمله لأننا من كتبناه".
التغيير في السيطرة
أشك في مدى أهمية ذلك، فمهما كانت النوايا، يظل ما ينص عليه العقد هو المهم بمقتضى القانون الإنجليزي، وليس ما يزعم أي شخص بشأن ما كان مقصوداً بهذا النص أو ذاك.
تعتقد وول ستريت أن "إكسون" لن تفوز، لأن أي اتفاق بين الشركات على مستوى الشركة الأم لا يترتب عليه عادةً حقوق الشفعة على مستوى الأصول. ولكن الفقرة التالية من العقد النموذجي، إذا كانت موجودة في اتفاقية "ستابروك" للتشغيل المشترك كما هو مرجح، قد تثبت أن "إكسون" لديها قضية:
"يقصد بالتغيير في السيطرة أي تغيير مباشر أو غير مباشر في سيطرة أحد الأطراف (سواء عن طريق الاندماج أو بيع أسهم أو غيرها من حقوق الملكية أو غير ذلك) تمثل فيه القيمة السوقية للحصة المعنية الخاصة بهذا الطرف أكثر من ........ في المئة من القيمة السوقية الإجمالية لأصول هذا الطرف والشركات التابعة التي تكون موضوعاً للتغيير في السيطرة. ولأغراض هذا التعريف، تُحدد القيمة السوقية على أساس المبلغ النقدي الذي سيدفعه المشتري الراغب في الشراء لبائع راغب في البيع في صفقة غير تفضيليه بين طرفين مستقلين".
مكان إضافة النسبة المئوية فارغ في العقد النموذجي، ولا نعلم ما هو الرقم المستخدم في اتفاقية "ستابروك" للتشغيل المشترك. لكننا نعلم أن المحللين يعتقدون أن معظم قيمة شركة "هيس" مستمدة من أصولها في غيانا.
سيطرة شركة تابعة
يقول بول سانكي، وهو محلل مخضرم في قطاع النفط يدير شركته البحثية الخاصة، إن "شيفرون" تدفع حوالي 170 دولاراً مقابل السهم الواحد في "هيس"، منها 140 دولاراً ناتجة عن حصة "هيس" في حقل غيانا النفطي. وربما تكون هذه هي الحجة الأقوى عند "إكسون"، وسبب تركيز الشركة على ما تقصده اتفاقية التشغيل المشترك.
لكن العقد النموذجي يتحدث أيضاً عن "المبلغ النقدي"، ونحن نعلم أن صفقة "شيفرون" هي صفقة استحواذ بتبادل الأسهم وليس بها جزء نقدي، وليس من الواضح ما قد يترتب على ذلك من آثار.
كذلك لدى "شيفرون" حجة مهمة يحتمل أن تصب في مصلحتها. إذ يشير العقد النموذجي إلى عدم إمكانية تفعيل حق الشفعة في بعض الحالات، لا سيما عندما تظل السيطرة على الأصل بيد شركة تابعة، فقد ورد بالعقد النموذجي:
"بخلاف التغيير الذي ينتج عنه سيطرة مستمرة من قبل شركة تابعة، يخضع أي تغيير في سيطرة أحد الأطراف للإجراء التالي. لأغراض هذه المادة رقم 12-3، يشير مصطلح (الطرف المستحوذ عليه) إلى الطرف الخاضع لتغيير في السيطرة، ويشير مصطلح (المستحوذ) إلى الطرف أو الطرف الثالث الذي يعرض الحصول على السيطرة في عملية (تغيير في السيطرة)".
مادة الأحلام
تعترف "شيفرون" بحق الرفض الأول، الأصيل في اتفاقية التشغيل المشترك، ولكنها تقول إنه "لا ينطبق على عملية الاندماج بسبب هيكل تلك العملية" و"نص" حق الرفض الأول في اتفاقية "ستابروك". ربما تشير "شيفرون" إلى البند الذي أردناه أعلاه، وصياغة عبارة "سيطرة مستمرة من قبل شركة تابعة". هكذا ربما يتضح أن تعريف ماهية "الشركة التابعة" مسألة مهمة.
إذا كان ذلك صحيحاً، فقد تعتمد صفقة بقيمة 60 مليار دولار فعلياً على معنى كلمة واحدة. هذه هي مادة الأحلام بالنسبة للمحامين.
قالت "شيفرون" إنها لن تشتري "هيس" إذا فازت "إكسون" في التحكيم. وهو ما سيمنع بدوره "إكسون" من المطالبة بأي حقوق على أصول "هيس". وفي الوقت نفسه، لم تكشف "إكسون" عن أوراقها، فهي بالتأكيد سترفع دعوى تحكيم، ولكنها ستبقي خياراتها مفتوحة إذا فازت. ستُرفع القضية أمام غرفة التجارة الدولية في باريس، ومن المرجح أن تستغرق ما بين ستة أشهر و12 شهراً قبل صدور القرار، بل يمكن أن تستغرق عملية التحكيم وقتاً أطول من ذلك.
وبدون الوصول إلى وثيقة اتفاقية التشغيل المشترك الفعلية، التي لم يعلن عنها أي من الطرفين، لا يسعنا إلا التنظير حول الحجج القانونية والنتائج المحتملة بناءً على النموذج الذي استخدمته الشركتان في كتابتها.
بيد أن أمراً واحداً يظل واضحاً للعيان: إن هذه المعركة معركة شرسة، وستعيد تشكيل طرف من الطرفين المتنازعين. فإذا فازت "شيفرون"، فإنها ستضمن توسع إنتاجها خارج الولايات المتحدة وأصولها الثمينة في أستراليا وكازاخستان، مما يساعد على زيادة تقييمها. ولكن إذا فازت "إكسون" ووجدت طريقة لزيادة حصتها في غيانا، فإنها ستعزز هيمنتها على ما يعتبره الكثيرون في هذه الصناعة أهم اكتشاف نفطي في الأعوام الخمسة والعشرين الماضية. لذلك فإن لهذه الصفقة أهمية وأثر كبير على مستقبل شركات النفط الكبرى.