كان وانغ جيانلين أغنى شخص في آسيا، منشغلاً بتوسيع شركته "داليان واندا غروب"، من خلال الاستحواذ على أصول في الخارج، بمساعدة الائتمان السهل، لكن لم يعد الرجل البالغ من العمر 66 عاماً حالياً بين أغنى 30 شخصاً في الصين، بعد أن خسر حوالي 32 مليار دولار من ثروته الشخصية في أقل من ست سنوات، وهو الرقم الأكبر بين رجال الأعمال في تلك الفترة. وفي الوقت الذي يسعى فيه وانغ لخفض إجمالي ديون المجموعة البالغة 362 مليار يوان (56 مليار دولار) وتحويل إمبراطوريته الترفيهية إلى ممتلكات، فإنَّه يواجه مستثمري سندات متشككين.
وكانت بعض سندات "واندا" بالدولار، التي تستعد لمواجهة سداد استحقاق السندات المحلية قد بلغت ذروتها هذا العام، وكانت من بين أولى السندات التي تعثَّرت في وقت سابق من هذا الشهر، عندما ضرب تراجع أوسع سوق الائتمان الآسيوية. و جاءت عملية البيع، الناجمة جزئياً عن مخاوف المدفوعات الوشيكة، كتحذير من المستثمرين الحريصين على رؤية كيف سيتمكَّن وانغ من إبعاد مجموعته عن مخاطر الديون التي أزعجت أقرانه من أمثال "إتش إن إيه غروب"، و"تشاينا إيفرغراند غروب"، و"أنبانغ غروب هولدينغز".
منافسة والت ديزني
وقال دان وانغ، المحلل في بلومبرغ إنتليجنس، "تمثِّل سيولة المجموعة أحد الاعتبارات الرئيسية للمستثمرين". و لم يستجب ممثِّل "واندا" لطلبات التعليق على مخاطر الديون.
ولا تزال شركة "واندا" العائدة لوانغ، التي اشترت فيما مضى نادي "أتلتيكو مدريد" الإسباني لكرة القدم، جزءاً من عملية شراء مفرطة، وتطمح إلى منافسة شركة "والت ديزني"، وتحاول التخلُّص من بعض هذه الأصول. وقد وقعت آخر هذه العمليات في الأسبوع الماضي، عندما تخلَّت "واندا" عن سيطرتها على شركة "إيه إم سي إنترتينمنت هولدينغز"، وأصبحت حصتها الآن أقل من 10% في أكبر سلسلة دور سينما في العالم.
وبرغم أنَّ عمليات البيع هذه جاءت بعد الحملة الحكومية على التوسُّع المدفوع بالائتمان، فقد تضخَّمت ديون مجموعة "واندا" اعتباراً من يونيو، ووصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2017، وأضاف الوباء المزيد إلى مشاكلها، فقد وجَّه ضربة إلى دور السينما، ومراكز التسوق، والمتنزهات الترفيهية، والفنادق والفعاليات الرياضية.
استراتيجية التعافي
ومع استقرار اقتصاد الصين بعد احتواء الفيروس، فإنَّ إعادة افتتاح دور السينما ومراكز التسوق توفِّر لوانغ الوقت الذي يحتاجه بشدة لتثبيت شركته، إذ يمضي قدماً في تنفيذ إستراتيجية دافع عنها لسنوات، وتسمى نموذج "الأصول الخفيفة"، من أجل تقليل الرافعة المالية.
ويعني ذلك إنفاقاً أقل من خلال تقليص مشتريات الأراضي. وستتوقَّف شركة "داليان واندا كوميرشال مانجمنت غروب"، وهي واحدة من إحدى أكبر مشغِّلي مراكز التسوق في العالم التي توفِّر حوالي نصف إيرادات المجموعة، عن شراء الأراضي بدءاً من هذا العام، وستعمل على منح تراخيص بعلامتها التجارية إلى الشركاء بدلاً من ذلك، كما صرَّح شاو جوانجري رئيس الشركة لوسائل إعلامٍ في البر الرئيسي في سبتمبر.
لا بديل
قال بروك سيلفرز، كبير مسؤولي الاستثمار في "كايوان كابيتال" في هونغ كونغ، التي
لا تملك أي أسهم أو سندات في وحدة "واندا": "لم يكن لدى "واندا" بديل حقيقي لاستراتيجيتها الجديدة للأصول الخفيفة، فديون الشركة غير مستدامة،" لقد كان تأثير الوباء على "واندا" مذهلاً.
و قالت شركة "واندا فيلم هولدينغ"، الشركة التي تنتج الأفلام، وتشغِّل دور السينما، إنَّها قد تكون حقَّقت خسارة صافية بلغت مليار دولار العام الماضي. وبرغم أنَّ شركة "إيه إم سي" أصبحت بين الشركات المفضَّلة في طفرة ارتفاع الأسهم الذي غذَّته شركة "ريديت" مؤخراً، إلا أنَّها حذَّرت عدَّة مرات من أنَّها على وشك الإفلاس، وأبلغت عن أسوأ خسارة سنوية لها على الإطلاق مع انخفاض الإيرادات بنسبة 77%. وقالت شركة "واندا كوميرشال مانجمنت"، إنَّ المبيعات والأرباح تراجعت بحوالي 50% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020.
قواعد ائتمانية صارمة
و حتى إن كانت أعمال "واندا" ستتغلَّب على الأزمة الصحية العالمية، فليس هناك يقين بأنَّ الدائنين سيكونون لطفاء بعد التطورات في التكتلات الصينية الأخرى المثقلة بالديون، مثل: "إتش إن إيه"، و"إيفرغراند"، ومؤخراً في "سونينغ أبلاينس غروب".
و في نشرة طرح في سبتمبر، قالت "واندا" للمستثمرين، إنَّ مستوى مديونية المجموعة قد "يؤثِّر سلباً" على بعض العمليات، كما يواجه التكتل قواعد ائتمان أكثر صرامة في قطاع العقارات، إذ يتطلَّع المنظِّمون الصينيون للحدِّ من المخاطر المالية.
و جمعت "واندا" ووحداتها حوالي 48.2 مليار يوان من الديون المحلية والخارجية العام الماضي، وهو أكبر رقم منذ عام 2016. واستخدمت جزءاً منها لدفع الالتزامات القديمة، إذ تحتاج المجموعة إلى إعادة تمويل أو سداد حوالي 32 مليار يوان من السندات المحلية المستحقة في عام 2021.
وفي حين أنَّ سندات المجموعة بالدولار قد محت خسائرها تقريباً منذ تراجعها في وقت سابق من هذا الشهر - وهو أسوأ أسبوع لها منذ عام تقريباً – إلا أنَّ تجار الائتمان أشاروا إلى مخاوف بشأن السندات المحلية المستحقة للمجموعة، وعمليات بيع بعض سنداتها الداخلية.
و صنَّفت "فيتش ريتينغ"، و"ستاندرد أند بورز غلوبال ريتينغز"، و"موديز انفيستورز سيرفس"، ديون "واندا كوميرشال مانجمنت" على أنَّها من الدرجة غير الاستثمارية.
من القمة إلى الأزمة
في أوج ذروته، كان وانغ الجندي السابق في جيش التحرير الشعبي، يتنقل في طائرته الخاصة من طراز "جولف ستريم جيه 550"، ويدفع أعلى الأسعار مقابل الأصول بما في ذلك الممتلكات الفاخرة في "بيفرلي هيلز"، و"ليجيندري أنترتينمنت" الاستوديو في هوليوود، و"وون ناين إيلمز" في لندن، وهو واحد من أطول الأبراج السكنية في أوروبا.
و تراجعت ثروته، فقد بدأت الصين في اتخاذ إجراءات صارمة ضد مثل هذا التوسع، وتدفُّقات رأس المال إلى الخارج. وتقلَّصت إلى حوالي 14 مليار دولار من ذروة بلغت 46 مليار دولار في عام 2015، عندما توّج أغنى شخص في آسيا، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
و قالت "كايوان كابيتال سيلفرز": "بشكل مفاجئ كسبت "واندا" قليلاً من فترة فرص الاستثمار غير المقيَّدة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الشركة أسرع في التخلُّص من الأصول مقارنة بالتكتلات الأخرى، ولكن لا يزال أمامها الكثير لتقطعه."
و قالت كلوي هي، مديرة تصنيف الشركات في "فيتش"، إنَّ إستراتيجية الأصول الخفيفة ستساعد في توليد دخل إيجاري متكرر ومستدام لـ"واندا كوميرشال مانجمنت"، "الوحدة التي تولِّد السيولة" للمجموعة. وأضافت أنَّه يمكن لهذا أيضاً أن يمنع الشركة من الالتزام بنفقات رأسمالية كبيرة، وتحمُّل الكثير من الديون.
وأضافت: "سيكون هذا مفيداً للغاية بالنسبة لهم للتخلُّص من الديون في المستقبل، بشرط ألا يستثمروا في شيء آخر".