يشهد قطاع التوصيل في المغرب طفرةً بفضل الإقبال المتنامي على التجارة الإلكترونية من قِبل المواطنين، لكن الشركات الخاصة العاملة في هذا المجال تضطر لاستهلاك أطنان من الملح سنوياً لتفادي عقوبات منصوص عليها في قانون عمره 100 عام.
في نوفمبر 1924، بينما كان المغرب خاضعاً للحماية الفرنسية، تم اعتماد قانون يعطي إدارة البريد والتلغراف والتليفون، والتي أصبحت حالياً شركة حكومية باسم "بريد المغرب"، الحق الحصري لتسليم الطرود التي يساوي وزنها أو يقل عن كيلوغرام واحد، ولا يزال هذا القانون ساري المفعول حتى اليوم، ما يجعل شريحة مهمة من السوق محتكرة من قِبل الشركة الحكومية.
لتفادي هذا العائق القانوني، عمدت الشركات العاملة بقطاع التوصيل إلى زيادة وزن الطرود الصغيرة لأكثر من كيلوغرام واحد من خلال إضافة أكياس من الملح، بما يجنبها المراقبة من قِبل موظفي بريد المغرب والنجاة من غرامة مالية قد تصل إلى 6000 دولار، وقد يمتد الأمر إلى عقوبة بالسجن لصاحب الشركة.
أطنان من الملح سنوياً
في السابق، كان هذا القانون لا يشكل عائقاً بالنسبة للشركات المنافسة لـ"بريد المغرب" في سوق التوصيل لأن أنشطتها كانت تنحصر أساساً بالطرود الكبيرة. لكن الشركات التي أبصرت النور خلال الأعوام الأخيرة، ويتركز نشاطها على خدمة التوصيل للتجارة الإلكترونية، هي الأكثر تضرراً ولم تجد إلاّ الملح كحل.
تنشط حالياً 8 شركات بقطاع التوصيل لمنصات التجارة الإلكترونية، وتُعتبر من أكبر مستهلكي الملح. ويكشف مدير إحدى هذه الشركات في حديث لـ"الشرق"، مفضلاً عدم الإفصاح عن هويته مخافة تشديد المراقبة على طروده، أنه "لتفادي عقوبات هذا القانون ألجأ لشراء 400 طن من الملح سنوياً بكلفة تناهز 500 ألف درهم"، أي ما يناهز 50 ألف دولار.
إلى جانب الشركات العاملة بشكل رسمي، ينشط بقطاع التوصيل عدد من الأفراد والشركات خارج الإطار الرسمي. ويُقدّر حجم القطاع بنحو مليارَيْ درهم (200 مليون دولار)، ويشهد نمواً سنوياً يتجاوز 30%، رغم احتكار الطرود دون الكيلوغرام، وفق تقديرات عدد من مسؤولي الشركات الذين تحدثت إليهم "الشرق".
بلغ حجم التجارة الإلكترونية في المغرب حوالي 20 مليار درهم عام 2022، بناءً على أرقام وزارة الصناعة والتجارة، ويضم القطاع أكثر من 600 منصة تجارة إلكترونية، ويمثل "الدفع عند الاستلام" الخيار الأوسع للعملاء.
زيادة في الكلفة وتأثير على البيئة
يمثل شراء الملح كلفة زائدة بالنسبة للشركات العاملة بقطاع التوصيل لمنتجات التجارة الإلكترونية، كما يؤدي لرفع تكلفة النقل مع زيادة الوزن، بالإضافة إلى أن الكمية الهائلة المستخدمة من الملح تُلقى بالنفايات نظراً لانعدام جودتها وعدم صلاحيتها للأكل، بحسب إفادات استقتها "الشرق" من أربع شركات يُكلّفها كل طن ملح حوالي 100 دولار.
أحد المسؤولين في شركة توصيل خاصة ذكر أن "الطرود التي تقل عن كيلوغرام واحد تمثل النسبة الأكبر من نشاط أغلب الشركات حالياً، لأن التجارة الإلكترونية في الغالب تتضمن بضائع صغيرة مثل وسائل التكنولوجيا الحديثة أو مستحضرات التجميل".
باءت محاولات عدد من شركات القطاع لدفع وزارة الاقتصاد والمالية باتجاه مراجعة "قانون الكيلوغرام الواحد" بالفشل؛ و"هذا يجعل بريد المغرب منافساً وحكماً في نفس الوقت منذ قرن من الزمن"، كما قال مدير شركة توصيل لـ"الشرق".
سبق للمجلس الأعلى للحسابات، وهو هيئة قضائية رقابية، أن أوصى الحكومة قبل سنوات بضرورة إصلاح الإطار القانوني لقطاع البريد، والفصل بين مهام الضبط والمراقبة ودور "بريد المغرب" كشركة عاملة بالقطاع.
إلى جانب خدمة التوصيل، تنشط مجموعة "بريد المغرب" في مجالات عدّة، من بينها نقل البضائع والعمليات اللوجستية والخدمات المالية، وتضم عدة شركات فرعية. وتوظف المجموعة الحكومية أكثر من 8000 شخص، وحققت ربحاً صافياً بلغ 37 مليون دولار عام 2022.