يعد الاندماج البالغة قيمته 26 مليار دولار بين شركتي نفط في تكساس هذا الأسبوع الصفقة الأحدث في سلسلة من الصفقات التي تبشر بعصر "شركات نفط صخري كبرى". يبدو أن "وول ستريت"، التي كانت متشككة في القطاع طوال معظم العقد الماضي، قد أصبحت الآن متحمسة لهذه الصفقات.
يتوّج اتفاق استحواذ شركة "دياموندباك إنرجي" (Diamondback Energy) على "إنديفور إنرجي ريسورسز" (Endeavour Energy Resources) -الذي أعلن عنه في 12 فبراير- عاماً من صفقات بقيمة 250 مليار دولار تقريباً في النفط والغاز الطبيعي بأميركا، والتي وحّدت مجموعة مشرذمة من شركات القطاع الخاص تحت مظلة كيانات أكبر حجماً.
تتباهى شركة "دياموندباك" بوصف نفسها بأنها السهم "الذي يستحق امتلاكه" في حوض النفط الأغنى بأميركا، وعلى العكس تماماً من المصير المهلك الذي يواجهه عادةً المقبلون على استحواذات الشركات، قفز سعر سهم الشركة 11% في غضون ساعات (بعد الإعلان عن الصفقة). ربما كان ارتفاع السهم هو العلامة المؤكدة على رضا المستثمرين.
"دايموندباك" و"إنديفور" تبحثان تأسيس شركة طاقة عملاقة بـ50 مليار دولار
بحلول نهاية الأسبوع، وصل سعر سهم الشركة المتخصصة في استكشاف النفط الصخري إلى مستوى قياسي، وتضخمت قيمتها السوقية بمقدار 5 مليارات دولار، على الرغم من أن الصفقة لن تُغلق قبل عدة أشهر.
تساهم موجة الاندماجات والاستحواذات على نطاق أوسع في معالجة الآثار الناجمة عن سنوات من الإفراط في الإنفاق من قبل الشركات العاملة في مجال حفر النفط الصخري التي سعت إلى نمو الإنتاج على حساب عوائد المستثمرين. ورغم أن شركات ناشئة صغيرة قادت ثورة النفط الصخري، فإن مطالب وول ستريت بالحجم والكفاءة والعوائد النقدية تعني أن العصر الجديد يتحول إلى عصر "البقاء للأكبر".
قال مارك فيفيانو، الشريك الإداري في شركة "كيميريدج إنرجي مانجمنت" (Kimmeridge Energy Management)، التي نادت باندماج شركات قطاع النفط الصخري على مدار نصف عقد: "اللعبة باتت في يد الشركات الكبيرة الآن. نحن الآن أمام سباق مصيري على النطاق التشغيلي وملاءمة المستثمرين".
تطور النفط الصخري
يأتي تطور صناعة النفط الصخري في وقت تشكّل فيه الطاقة 3.8% فقط من أسهم مؤشر "إس آند بي 500"، على الرغم من مكانة أميركا باعتبارها المنتج الأول للنفط في العالم، حيث تضخ نفطاً خاماً يفوق إنتاج السعودية بمقدار 45%. ولوضع هذا التحول في منظوره الصحيح، تقلص عدد شركات استكشاف النفط الصخري المتداولة أسهمها بنحو 40% على مدى السنوات الست الماضية إلى ما يقرب من 50 شركة اليوم، وفق "وارويك إنفستمنت غروب" (Warwick Investment Group).
قالت كيت ريتشارد، الرئيسة التنفيذية لـ"وارويك"، التي استثمرت في آلاف من آبار النفط الصخري: "الأمر يشبه لعبة باك مان في الوقت الحالي: اندمج، وإلا سوف تُلتهم. ربما نعود إلى ما كان عليه الحال خلال سبعينات القرن الماضي، حيث كانت هناك سبع إلى عشر شركات رئيسية في هذا المجال بالولايات المتحدة".
بمجرد استكمال صفقة "إنديفور"، سيضاعف ذلك قيمة "دياموندباك" السوقية إلى حوالي 60 مليار دولار، مما يضعها في منافسة مع "إي أو جي ريسورسز" (EOG Resources) على لقب أكبر أسهم النفط الصخري الخالصة.
من جانبه، قال كايس فانت هوف، المدير المالي لشركة "دايموندباك"، البالغ من العمر 37 عاماً، خلال مقابلة: "الصفقة وضعتنا في فئة وزنية جديدة، وهو أمر جيد في هذا المجال. يتمثل تصورنا في أن الأكبر يعني الأقوى" في خضم دورات الازدهار والكساد بمجال النفط، فضلاً عن انخفاض تكاليف رأس المال، ومحفظة أعمق من مشروعات الحفر المحتملة.
في أعقاب إعلان الصفقة، يُتداول سهم "دياموندباك" بمعدل 9.9 مكرر الأرباح المتوقعة، متجاوزاً سهم "إي أو جي" التي تعهدت بالتوقف عن موجة الشراء الحالية. سوف يقفز ترتيب سهم "دياموندباك" إلى المركز الـ150 في مؤشر "إس آند بي 500" من حيث القيمة السوقية، من المركز الـ275 الذي يحتله اليوم، مما يضع الشركة في قائمة اهتمام كبار المستثمرين الباحثين عن مزيد من الانكشاف على مشروعات حوض "بيرميان"، وهو الحقل الغزير بالنفط الذي يمتد على حدود تكساس ونيو مكسيكو.
"إيفركور": منتجو النفط الأميركي سيبطئون الإنفاق الرأسمالي 2024
ميزانيات أقوى وكفاءة أعلى
بالنسبة إلى شركة"دياموندباك"، فإن الميزانية العمومية الأكبر هذه تعني سهولة الوصول إلى رأس المال، وتعزيز القدرة على مواصلة المدفوعات للمستثمرين خلال صدمات أسعار النفط. بالإضافة إلى ذلك، فإن توسيع الحضور الجغرافي بمنطقة "بيرميان" يعني المزيد من مواقع الحفر المحتملة التي يمكن الاختيار من بينها حسب الأولوية. يعني ذلك أيضاً مزيداً من النفوذ في شروط التفاوض مع شركات الخدمات التي تقدم كل شيء، بدءاً من الحفارات وحتى لقم الحفر وأطقم وأنابيب التكسير الهيدروليكي.
قالت تيريزا توماس، رائدة الطاقة الأميركية في شركة "ديلويت" (Deloitte): "من المرجح أن يقود المشترون الكبار موجة جديدة من مكاسب الكفاءة، مدفوعة بالتقدم التكنولوجي في كل من الإنتاج وإدارة التكاليف".
أحد الظواهر التي غالباً لا تتم ملاحظتها هي أن عمليات الاستحواذ من هذا النوع تميل إلى أن تكون بمثابة نذير بتباطؤ نمو إنتاج النفط. يمكن أن تساعد سلسلة من الصفقات اللاحقة في دعم أسعار النفط عالمياً، وتخفيف بعض الضغوط بعد فرض تحالف "أوبك+" القيود على الإنتاج سعياً لدعم السوق.
كانت شركة "إنديفور" واحدة من أسرع الشركات المشغلة نمواً في حوض "بيرميان"، حيث زادت إنتاجها بنسبة 30% منذ 2022. لكن بعد صفقة الاندماج مع "دياموندباك"، سيتباطأ هذا النمو إلى أقل من 2%، مع تخصيص الأموال التي كانت ستذهب إلى استئجار منصات الحفر والتكاليف ذات الصلة لصالح توزيعات الأرباح وعمليات إعادة الشراء.
يمثل العصر الجديد أيضاً تغييراً في مراكز الشخصيات التنفيذية بالقطاع. سيصبح أوتري ستيفنز، المؤسس لشركة "إنديفور"، وهو في العقد الثمانيني من عمره، أغنى شخصية في قطاع النفط بأميركا بمجرد إتمام الصفقة. خروجه سيترك إرثاً ممتداً.
قال سام سليدج، الرئيس التنفيذي لشركة "بروبترو هولدينغ" (ProPetro Holding) ومقرها في ميدلاند بولاية تكساس: "يعد أوتري واحداً من آخر الشخصيات المغامرة الأصليين، حيث يمول الأشياء من المخزون الاحتياطي ويتحمل المخاطر. نحن الآن أمام لعبة مختلفة".