أرجع عدد من المسؤولين انسحاب شركات أجنبية من مشروعات بقطاع الطاقة في العراق إلى عدد من الأسباب، على رأسها أمل الشركات في تحويل طبيعة عقودها من الخدمة إلى المشاركة، فضلاً عن حالة عدم الاستقرار الأمني والمجتمعي في البلاد.
كشفت وزارة الصناعة والمعادن في العراق، يوم الثلاثاء، عن اعتذار شركة "شِل" عن الاستمرار في مشروع النبراس للبتروكيمياويات، عازيةً ذلك إلى تغيير سياستها في الاستثمار بالصناعات البتروكيمياوية.
قال نائب الرئيس التنفيذي لشركة "شِل" المختصة في مجال الطاقة جون كروكر، خلال لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني في هولندا إن أسباب انسحاب الشركة من أحد مشاريع البتروكيمياويات في البصرة جاء بسبب "تغيير طرأ على خطط الشركة فيما يتعلق بمشاريع البتروكيمياويات في كل العالم، مؤكداً في الوقت ذاته الحرص الشديد على استمرار عمل الشركة في العراق، الذي بدأ قبل 10 سنوات، والرغبة الجادة بتوسيعه في قطاع استثمار الغاز، الذي يشكل أحد أهم محاور الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة.
"شل" تنسحب من مشروع النبراس للكيمياويات في العراق
الخبير الاقتصادي دريد عبدالله قال لـ"الشرق" إن انسحاب هذه الشركات ليس وليد اليوم، حيث بدأت سلسلة الانسحابات منذ نهاية 2020 واستمرت لغاية اليوم، و"شِل" من ضمنها.
وأضاف عبدالله أن انسحاب "شِل" من مشروعها الثالث في العراق لم يكن غريباً، بل كان لديها مشروعان جيدان هما حقل "غرب القرنة 1" وحقل "مجنون"، وانسحبت منهما أيضاً.
من جهة أخرى، قال مسؤول عراقي رفيع المستوى لـ"الشرق" إن انسحاب "شِل" جاء بسبب عدم منحها نسبة استحواذ كبيرة من المشروع الذي أعدته الشركة، واعتبرت أن القبول بربع القيمة لا يناسب قيمة عملها في الشرق الأوسط. ولفت إلى أن هناك انسحابات ترجع بسبب انتهاء العقود وعدم تجديدها وفق متطلبات الشركات التي تريد مشاركة العراق بنصف المشاريع، بينما تسعى الحكومة العراقية أن تكون المشاريع وطنية خالصة بتشغيل من إدارات أجنبية.
ثلاثة أسباب
ويرى عبدالله أن هذه الانسحابات تتعلق بثلاثة أسباب: الأول هو أمل الشركات منذ توقيع جولة التراخيص الأولى في عام 2009 أن تتحول عقودها من عقود خدمة الى عقود مشاركة من خلال تأكيد الحكومة العراقية على أنه سيتم سن قانون النفط والغاز بالبرلمان العراقي خلال مدة أقصاها 5 سنوات من توقيع العقد -أي في 2014- لكن ذلك لم يتحقق والقانون لم يُشرع إلى يومنا هذا.
وتابع عبدالله أن السبب الثاني هو عدم الاستقرار الأمني والمجتمعي في العراق بشكل عام وفي مناطق عمل الشركات (البصرة) بشكل خاص وهذا جعل بيئة العمل غير مناسبة وعدائية.
وأرجع عبدالله السبب الثالث إلى مشكلة تغيير الحكومات والأزمات المرتبطة بها واضطرار الشركات إلى التعامل مع مسؤولين كثر في مدد قصيرة، وتغير سياسة هؤلاء المسؤولين في التعامل مع تلك الشركات، وهذا ولّد تنافراً وسوء تعاون بين الطرفين الحكومة والشركات، وفق تعبيره.
شركات محلية
وبعد الإعلان عن انسحاب شركة "شِل" من المشروع، وجّه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وزارتي الصناعة والنفط بشأن دراسة خيارات أخرى أكثر استجابةً للواقع الجديد للغاز بعد توقيع العقد الاستثماري مع شركة "توتال" الفرنسية وإعادة دراسة حجم المشروع وطاقته التصميمية والتفاصيل الفنية الأخرى.
وفيما يخص تعليق الحكومة العراقية بأنها ستعتمد على الشركات المحلية في إنجاز المشروع بعد انسحاب "شِل"، قال عبدالله: "لا أعتقد أن العراق لديه شركات قادرة على إكمال تنفيذ المشروع لا من الناحية التقنية ولا من الناحية الهندسية"، مشيراً الى أن الموجودين هم مجموعة من المقاولين الثانويين الذين لا يستطيعون أخذ الأمور على عاتقهم بشكل كامل.
واستبعد عبدالله تواجد شركات عراقية مختصة بهذا المجال، خاصة أنه لا يوجد أي أعمال مشابهة في الداخل العراقي لمثل هذا المشروع.
إشارة سلبية
وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب قال لـ"الشرق" إن هذه الانسحابات رسالة سلبية للعراق، وتُعد بمثابة إشارة إلى أن البلد غير جاذب للاستثمارات الكبرى، وأن مسألة تأمين ملف الطاقة في العراق سيكون بعيد المنال، مؤكداً أن العراق إذا أراد أن يعيد ترتيب أوراقه في ملف الطاقة يجب أن يخلق بيئة جاذبة للاستثمار.
ولفت الخطيب إلى أن مشروعاً كبيراً بقيمة 11 مليار دولار نراه الآن يتلكأ، والمستثمر الأساسي فيه يتراجع ويخرج لأسباب اقتصادية وهو عدم تفهم الوضع الاقتصادي والوضع السياسي للبلد بعد مضي عشرين عاماً.
يحظى المشروع باهتمام الحكومة العراقية لما سيحققه من مردودات مالية ومكاسب اجتماعية، إذ تعوّل عليه الدولة في تعزيز موقعها في صناعة البتروكيمياويات.
أوضح الخطيب أن المستثمرين عندما يرون صراعات العشائر وصراعات الفصائل، وقصفاً يومياً، وأكثر من 26 مصرفاً معاقباً، وتلويحاً أميركياً بعقوبات جديدة، وعملية سياسية منغلقة على نفسها وتفكر بالملف الاقتصادي بثقافة الدولة الاشتراكية، بالتأكيد ستكون خيارات الانسحاب حاضرة، على حد تعبيره.
وتُعد شركة "شِل" الثالثة التي تقرر الانسحاب من العمل في المجال النفطي في العراق بعد شركة "إكسون موبيل" و"شيفرون" الأميركيتين.