الشاحنة الجديدة تعبير عن تقييم "تسلا" وما يمنحه إياها من مساحة لترضي غرورها

ماسك يحقق رغبته في إطلاق شاحنة "سايبر ترَك" رغم أنف الجميع

إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لـ"تسلا"، يتحدث عن التأثير الباليستي وخلفه شاحنة "سايبر ترَك" التي كشفت الشركة النقاب عنها حديثاً  - المصدر: بلومبرغ
إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لـ"تسلا"، يتحدث عن التأثير الباليستي وخلفه شاحنة "سايبر ترَك" التي كشفت الشركة النقاب عنها حديثاً - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

إذا رأيت أداء إيلون ماسك الأخرق في الليلة التي سبقت إطلاق شاحنة "سايبر ترَك" (Cybertruck) ولا تفكر في شراء واحدة، فيُفترض أنك تعرف الآن ما يمكنك أن تفعله. اشتهرت "تسلا" منذ فترة طويلة بتجنب الإعلانات، ولكن يبدو أن رئيس الشركة التنفيذي يتبنى موقفاً ضد الإعلانات هذه الأيام. ومع ذلك، يبدو أن الإعلانات هي أكثر وسائل التقييم نفعاً في تقدير أهمية أحدث المركبات من إنتاج "تسلا"، التي كشفت الشركة النقاب عنها الخميس الماضي.

إن تأمل المرء حتى في مغزى هذا المنتج الجديد يوحي بأن "تسلا" تحقق مكاسب فعلاً بشكل ما. على مدى سنوات، أقحم ماسك نفسه، أحياناً ببشاعة، في مواقف لا علاقة لها بالمركبات، مثل عملية إنقاذ داخل كهف في تايلندا وتكهنات تتعلق بالجائحة وطبعاً الحرب بين إسرائيل وحماس. ربما يكون ماسك قد استوعب مقولة قديمة مفادها أن حديث الناس عنك أفضل من سكوتهم، أكثر من أوسكار وايلد، صاحب المقولة، نفسه.

من تلك الزاوية، فإن شاحنة "سايبر ترَك" تمثل استمرارية لهذه الفكرة، إذ إنها تضمن أن تحظى الشركة بتسليط الأضواء عليها لأطول فترة ممكنة، أياً كان رد الفعل. نحن نعلم من السيرة الذاتية الحديثة لوالتر إيزاكسون أن تصميم الشاحنة غير المعتاد والمثير للتحدي يرجع بنسبة كبيرة إلى نتائج البحث والنقاش الذي دار في دماغ ماسك.

أسس هشة لتوقعات المبيعات

تستند توقعات مبيعات شاحنة "سايبر ترَك" على أسس هشة للغاية لأنها تفتقر إلى سابقة يمكن الاستعانة بها. يدّعي ماسك أن هناك أكثر من مليون حجز مبدئي، لكن في ضوء أن تكلفة الحجز تبلغ 100 دولار فقط لشاحنة تبدأ أسعارها بحوالي 80 ألف دولار إلى 100 ألف دولار قبل التخفيضات الضريبية، فإن عدد من سيقررون شراءها فعلاً لا يكون واضحاً. وحتى الآن، لن تتاح النسخة الأرخص من هذه الشاحنة، التي يُقدّر سعرها بـ60,990 دولاراً، قبل عام 2025، وفقاً لموقع "تسلا"، كما أن النطاق التقديري لمسافة سيرها قبل أن تحتاج إلى إعادة شحن البطارية يبلغ نحو 400 كيلومتر فقط.

"تسلا" تطرح شاحنتها "سايبرتراك" بسعر 61 ألف دولار في 2025

رغم أن "سايبر ترَك" تبدو ظاهرياً شاحنة صغيرة الحجم، مع تركيز ماسك على "الصلابة الالتوائية"، وتتمتع بالجماليات السائدة للشاحنات الأميركية ذات الطابع القوي، فإن الحكم على آفاقها كأحد المعروضات في سوق الشاحنات الصغيرة يبدو لا طائل منه.

إن الشركات التي تشتري أساطيل السيارات لن تقرب مركبة باهظة الثمن لم تثبت كفاءتها بعد ويُنذر هيكلها المصنوع من الفولاذ عديم الصدأ بزيارات ربما تكون مكلفة لورش التصليح. كما أنهم لا يُقدِّرون عموماً التسارع الذي يتفوق على "بورشه" أو الألواح "المضادة للرصاص" (لم يبرر ماسك نفسه تلك الخاصية على أسس عملية). أي شخص يود أن تتمتع شاحنته بالقدرة على جر مركبات أخرى سيتوخى الحذر فيما يتعلق بالشاحنات الكهربائية الصغيرة بشكل عام بسبب ما يصاحبها من انخفاض نطاق الكيلومترات التي تستطيع أن تقطعها.

عامل الجذب في "تسلا"

إن عامل الجذب الأساسي يعتمد على شهرة "تسلا" بأحدث التقنيات، وخصوصاً برمجياتها وبطارياتها، وبأنها لا تشبه أي سيارة أخرى. استخدم ماسك كلمة "نادرة" ثلاث مرات خلال أول دقيقتين من فعالية إطلاق الشاحنة يوم الخميس الماضي، كما تباهى بأن "المستقبل سيبدو أخيراً مثل المستقبل".

بعد عام تخفيضات "تسلا" القياسية.. شركات السيارات في مأزق

شاحنة "سايبر ترَك" تستهدف الفئة التي تملك المال والتي تحب اقتناء كل ما هو جديد، وخصوصاً بأكثر الطرق ظهوراً للعيان، أي أنها تستهدف المؤثرين أكثر من المقاولين. مؤكد أن أحد المشترين الأوائل سيتقدم بطلب للحصول على لوحات معدنية تحمل الأحرف "GFY" (التي ترمز إلى عبارة تفيد الاحتقار أو إلى عبارة أخرى تفيد التهنئة) بمجرد أن يستطيع، ثم ينشر صورة لها على "إكس" ويلحق بالصورة اسم بطله، إيلون ماسك.

تبدو شاحنة "سايبر ترَك" غير ذات بال على صعيد الإيرادات ويُرجّح أن تكون عبئاً على الأرباح، على المدى القريب على الأقل. كان ماسك نفسه متشائماً بشأن آفاق الشاحنة خلال آخر مكالمة لإعلان الأرباح، إذ أثارت تعليقاته عن الغرور أشباح طراز "موديل إكس" (Model X)، وهي شاحنة رياضية متعددة الاستخدامات باهظة الثمن فيها مبالغات هندسية بيعت بكميات محدودة نسبياً.

تقديرات مستقبلية

رغم أنه تحدث عن تحقيق هدف تسليم 250 ألف سيارة بحلول 2025، فإن أي شخص يضيف توقعات ماسك لنماذجه التحليلية الآن عليه أن يضع النتائج بتعليمات محددة. تشير تقديرات مجمع عليها إلى تسليم نحو 78 ألف سيارة العام المقبل، رغم أن التقديرات تتباين من 20 ألفاً و140 ألفاً إلى 165 ألف سيارة في 2025. حتى إذا افترضنا التقدير الأعلى، فإن شاحنة "سايبر ترَك" ستمثل نحو 6% فحسب من إجمالي المبيعات بحلول ذلك الوقت.

"تسلا" تنتج شاحنة "سايبر تراك" بعد عامين من الموعد المحدد

من ناحية أخرى، يشير إجماع الآراء إلى أن الشاحنات من طراز "سايبر ترَك" ستساهم بنحو 20% من نمو مبيعات مركبات "تسلا" على مدى العامين المقبلين.

تشير التوقعات إلى تراجع النمو المُركَّب إلى ما دون مستهدفه البالغ 50% خلال العام المقبل، كما أن الأرباح تأثرت فعلاً بتخفيضات الأسعار في العام الجاري. ولن يساهم إطلاق شاحنة تجريبية باهظة الثمن في تحسين ذلك الوضع.

مستقبل المركبات الكهربائية

لكن إذا اعتبرنا ذلك وسيلة للدعاية، فهو على الأرجح يساعد في إبقاء "تسلا" في قلب أي نقاش حول مستقبل المركبات. في ضوء النجاح الذي حققه طراز "موديل واي" (Model Y)، فإن المنتج التالي المنطقي كان يُفترض أن يكون سيارة "ميني فان" أرخص ثمناً وتعمل بالكهرباء بالكامل، أو المركبة التي سيكون سعرها دون 30 ألف دولار وطال انتظارها لكنها لم تُصنع بعد، ويُطلق عليها "موديل 2" (Model 2).

"تسلا" ترفع أسعار "Model Y" في الصين بعد طرح تصميم محدث

لكن الشكل الخارجي للسيارة من طراز "موديل واي"، والتقنية المستخدمة فيها، يعتمد على إضافات تراكمية على ما قبلها، ورغم أنها تحقق أرباحاً، فإنها تفتقر للخصائص التي تنتمي لعالم الخيال العلمي والتي تثير حماسة الرئيس التنفيذي، وهو ما قد يكشف عن مدى استعداد أغلب قائدي السيارات الأميركيين لإنفاق مبالغ طائلة على الحركة المستقبلية.

من تلك الناحية، فإن شاحنة "سايبر ترَك" قد تكون بمثابة إعلان عملاق على غرار إعلانات مباراة "سوبر بول"، تذكر الناس بأن "تسلا" لا تزال هي من تحدد أجندة المركبات الكهربائية، على الأقل في الولايات المتحدة. إن ما يساعد "تسلا" هو الصعوبات المستمرة التي تواجهها شركات صناعة السيارات القديمة في تسويق طرازات من السيارات الكهربائية من إنتاجها تجذب اهتمام المشترين.

كما تساعدها قبل كل شيء ميزة سعر سهمها، وتبلغ 78 ضعف الأرباح المستقبلية، التي تستند إلى الاقتناع بمستقبل قائم على المركبات الكهربائية ذاتية القيادة يهيمن عليه ماسك. شاحنة "سايبر ترَك" هي في جوهرها تعبير عن تقييم الشركة ذاك، وما يمنحه إياها من مساحة لترضي غرورها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

فى هذا المقال