الأمر الذي ربما استمتع به العديد من مستثمري شركة "بيركشاير هاثاواي" ( Berkshire Hathaway Inc) بقدر تمتعهم بعوائد بنسبة 3,800,000% التي ساعد تشارلي مونغر في تحقيقها، كان مزاحه الساخر خلال مسيرته.
وصف مونغر شركات تداول المشتقات المالية بأنها "أندية للقمار متنكرة". وقال عن آلان غرينسبان (رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق) إنه كان ذكياً، لكنه "تناول جرعة زائدة للغاية من آين راند (أديبة أميركية راحلة)". وبالنسبة إليه، كانت عملة "بتكوين" "سمّاً بغيضاً".
مونغر وبافيت
مونغر، الذي توفي يوم الثلاثاء في كاليفورنيا، قبيل شهر واحد تقريباً من عيد ميلاده المئة، كان شريكا تجارياً لفترة طويلة لوارن بافيت، إذ حول الرجلان "بيركشاير" من مصنع نسيج خاسر إلى كيان أسطوري ضخم قيمته 783 مليار دولار أميركي بصناعات تمتد من التأمين إلى الطاقة.
كان الثنائي يمزح على خشبة المسرح أثناء مؤتمر للمساهمين في مقر "بيركشاير" في أوماها بولاية نبراسكا، كل عام تقريباً، وكان مونغر نفسه يجذب المحبين سنوياً إلى مدينة لوس أنجلس لحضور اجتماعات المساهمين في شركة "ديلي جورنال" (Daily Journal). أسلوب مونغر الفج ومعارفه العميقة، دفعته إلى إطلاق دعابات ذكية، الأمر الذي غالباً ما تناقض بطريقة صارخة مع أسلوب بافيت الودود الذي يبلغ من العمر اليوم 93 عاماً.
وصفه قادة القطاع بمن فيهم الرئيس التنفيذي لمصرف" بنك أوف أميركا" بريان موينيهان والرئيس التنفيذي السابق لمصرف" ويلز فارغو" تيم سلون، بأنه "أسطورة".
قال سلون إن مونغر كان أيضاً "فاعل خير وكريماً في تبرعاته، ويقدم النصائح المباشرة دون حواجز، والآراء المنشطة للذهن التي أثرت بطريقة إيجابية على الشركات في كل أنحاء العالم".
نستعرض في ما يلي بعضاً من أقوال مونغر الشهيرة:
دروس الحياة
مع قاعدة من المعجبين المتحمسين الذين يسارعون إلى حضور الاجتماعات التي يحضرها مونغر حيث كان يشير إليهم على أنهم "مهووسون"، غالباً ما كان المستثمر الملياردير يتحدث عن دروس الحياة ويرد على أسئلة حول سبل الوصول للنجاح الذي حققه خلال حياته. وقد أدلى ببعض التعليقات القاسية أيضاً، عندما حذر في 2015 من أنه سيصعُب على المستهلكين الحفاظ على مستوى معيشتهم الحالي.
في 2015 قال مونغر: "أي شخص في مثل عمري عاش أفضل وأسهل فترة شهدها العالم في التاريخ مع أدنى معدلات للوفاة وأعلى إنتاج استثماري وأكبر ارتفاع في مستوى معيشة غالبية الناس. فإذا كنت غير راض عما عشته على مدى الأعوام الخمسين الماضية، فإن تقييمك للحياة سيئ إلى درجة بائسة".
التهور المالي
انتقد مونغر الأشخاص الذين يُعتقد بأنهم يراهنون رهاناً سيئاً أو يقامرون. وفي 2011، عزا فقاعة الائتمان في الولايات المتحدة الأميركية التي أدت إلى الأزمة المالية، إلى مزيج من "جنون العظمة والاختلال العقلي والشر"، وتناول غرينسبان بكلمات منتقاة بعناية، قائلاً إن ممارسة الدور الرقابي كانت ضعيفة للغاية إبان فترة توليه رئاسة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
قال مونغر: "آلان غرينسبان رجل ذكي، تناول جرعة زائدة للغاية من آين راند في سن مبكرة".
بعد أعوام، انتقد مواطني اليونان لاعتقادهم بأنهم يستطيعون أن يصبحوا أغنياء عبر التصويت لاختيار حكومة يمكنها تقديم الحلول، بينما تواجه بلادهم صعوبة في سداد الديون. ولم يدع شركات وول ستريت جانباً.
أجاب مونغر على سؤال في 2015 حول رأيه في شركات تداول المشتقات المالية، قائلاً إنها نادي قمار متنكر. وتابع: "إنهم يجعلون السحرة المشعوذين يظهرون بصورة أشخاص طيبين".
كريبتو
انتقد مونغر في أغلب الأوقات العملات المشفرة واصفاً "بتكوين" بأنها "سمّ بغيض"، محذراً من أن الأصول الرقمية تعدّ "احتيالاً في جزء منها، ووهماً في الجزء الآخر".
قال مونغر خلال مقابلة سنة 2022 مع قناة "سي إن بي سي": "هذا مزيج سيئ. أنا لا أحب الاحتيال أو الوهم. وربما يكون الوهم أشدّ تطرفاً من الاحتيال".
السياسة
لم يحجم مونغر، الذي غالباً ما كان يدعم سياسات الحزب الجمهوري، عن التعبير عن وجهة نظره تجاه أي من الحزبين السياسيين الرئيسيين. ففي 2017، اعتبر أن قادة الحزب الجمهوري يخاطرون بالإفراط في تخفيض مستوى الرقابة على المصارف.
قال مونغر في 2017: "زملائي الجمهوريون؛ أولئك الذين ينزعون كل هذا القدر من عملية تنظيم مؤسسات التمويل الرئيسية، أعتقد أن هذا ضربٌ من الجنون".
انتقد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب قبل انتخابات 2016، لكنه صرّح أيضاً بأن السيناتور الأميركي بيرني ساندرز يركز بطريقة مبالغ فيها على قضية عدم المساواة في الدخل.
قال مونغر عن ساندرز في ذلك التوقيت: "باعتباره شخصاً مثقفاً، فإنه وصمة عار. في الوقت الحالي لا أعتقد بأنه أسوأ من بعض أعضاء حزبنا الجمهوري. لكنهم على الأقل مجانين بطريقة مختلفة".
إيضاحات حول الأعمال
تتمثل أكبر عوامل الجذب في شخصيتي مونغر وبافيت في طريقة تقديم الرجلين ببساطة أفكاراً للأنشطة التجارية المعقدة. وفي الذكرى الخمسين لتأسيس "بيركشاير"، لخّص مونغر تاريخ الشركة في رسالة من 5 صفحات، واختصر فيها سبب أداء المجموعة متعددة الأنشطة بصورة جيدة. ورداً على سؤال حول ما إذا كان مسار "بيركشاير" له آثار في مكان آخر، قال إن الإجابة "نعم بوضوح".
قال مونغر: "في أولى سنواتها تحت إدارة بافيت، كان أمام (بيركشاير) مهمة كبيرة في المستقبل، تتمثل في تحويل دكان صغير إلى شركة كبيرة ذات جدوى اقتصادية". وأضاف: "جرى حلّ هذه المعضلة عن طريق الابتعاد عن البيروقراطية والاعتماد بقدر كبير على قائد واحد واع لمدة طويلة للغاية، وقد واصل التحسن وجلب أشخاصاً يشبهونه للعمل معه. يمكنك أن تقارن هذا العمل بنظام الشركات الكبرى التقليدية التي تعاني من بيروقراطية هائلة في المقر الرئيسي وتعاقب سلسلة طويلة من الرؤساء التنفيذيين الذين يأتون في عمر 59 سنة تقريباً، ويحتاجون إلى التوقف قليلاً بعد ذلك من أجل التفكير الهادئ في استراتيجية العمل، ثم سرعان ما يُجبرون على مغادرة مناصبهم جراء بلوغهم سن التقاعد".