بمشاركة "وول ستريت" كلها تقريباً، استطاعت المجموعة اليابانية "سوفت بنك غروب" جعل الطرح الأولي العام لشركة "أرم هولدينغز" يبدو أنه نجاح نموذجي.
انتهى المطاف بمجموعة "سوفت بنك غروب"- مالكة "أرم"- بتسعير الطرح الأولي لشركة صنع الرقائق البريطانية ببورصة "ناسداك" عند 51 دولاراً للسهم، ليصل ببراعة إلى ذروة النطاق السعري المحدد، بعد تقارير جاءت في اللحظات الأخيرة عن إمكانية عقد صفقات بسعر أعلى. وهو ما قد يعطي دلالات على أداء السهم فور بدء تداوله.
والآن، هل حان الوقت لشكر شركة الاستثمار اليابانية لإعادة فتحها سوق الطروحات الأولية الراكدة؟
ليس بعد، فعند هذا السعر، لا يوجد ما يضمن أن سهم "أرم" سيواصل زخمه الصعودي في الشهور المقبلة. فبلغ التقييم الأولي للشركة 52 مليار دولار، اعتماداً على قيمة سهمها عند الإدراج. لكن محللي الأسهم غير المنخرطين في ترويج الطرح لهم تقييم مختلف. فقد قيّم محللو الأسهم بشركة "أليانز بيرنشتاين هولدنغ" قيمة الشركة عند 47 مليار دولار، وقيّمها محللو شركة "كاناكورد جينيويتي غروب" عند 39 مليار دولار فقط. لذا فإن حدث تراجع لسهم "أرم" عن سعر إصداره واستقر هناك، سيكون الأثر على سوق الاكتتابات الأولية جسيماً.
وضع فريد لـ"أرم"
صحيح أن نشاط الطروحات الأولية يتزايد، فتستعد شركة "إنستاكارت"، لتوصيل طلبات البقالة، وشركة الأحذية الألمانية الفاخرة "بيركنستوك"، للطرح الأولي في نيويورك. رغم ذلك، ما تزال الأسهم المدرجة تبدو مناسبة للمشترين. فانخفضت أسهم ثلثي الشركات التي يضمها مؤشرا "إس آند بي 500" و"ستوكس 600" (Stoxx 600) الأوروبي عن أسعارها في بداية العام الماضي. ويمكن لمديري صناديق الاستثمار اقتناص الأسهم الملمين بها بأسعار أقل من أعلى مستوياتها، فلا حاجة بهم للمجازفة في طرح أولي.
استفادت "أرم" من وضعها الفريد في قطاع أشباه الموصلات، وفرص نجاح الأسهم المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وقوة الميزانية. وذلك عند المقارنة بما سيعانيه باقي قطاع الاستثمار الخاص -المزود الأول للطروحات الأولية- إذ يستبعد أن تنال الاستحواذات التي حدثت ما بين 2016 و2018، التي سيحل إعادة بيعها، بمميزات مشابهة.
سيواجه الاستثمار متوسط الأجل في الأسهم الخاصة، والتي يحل أجل استحقاقها حالياً، مخاطر تباطؤ الاقتصاد الكلي وارتفاع تكاليف الاقتراض. أما عن التقدم في خفض الديون عن المستويات المرتفعة المستخدمة في الاستحواذات والتحول إلى هياكل رأس مال أكثر تحفظاً تقبلها أسواق التداول العامة، فيُرجح أن يتأخر عن جدوله الزمني. فالشركات المثقلة بالديون منخفضة النمو لا تعد مرشحاً جذاباً لطرح أولي.
خطوة تكتيكية
مع تراجع سوق الاستحواذات والاندماجات، فإن الطرح الأولي-رغم ذلك- قد يكون الخيار الأقل سوءاً عن التخارج من الاستثمار واسترداد السيولة. سيجب إعادة تنفيذ استراتيجية "أرم" المملوكة لشركة "سوفت بنك" مرة أخرى، لكن مع بعض التحسينات.
أولاً، تذكروا أن "سوفت بنك" اشترت من "صندوق رؤية"-التابع لها- حصة 25% من "أرم" بتقييم عند 64 مليار دولار قبل فترة وجيزة من التسويق للطرح الأولي. الفكرة الأساسية لعقد صفقة للاستحواذ على شركة تستعد للطرح الأولي له منطق تكتيكي؛ إذ حددت سعراً للأصل، سيعتبر، من الناحية المثالية، الحد الأدنى لأي عملية بيع أسهم للجمهور في المستقبل. مع ذلك، فالطريقة التي فعلت "سوفت بنك" بها ذلك ليست الطريقة النموذجية. لم يقدم "صندوق رؤية" إثباتاً لصحة التقييم من طرف ثالث، حيث يمكن القول إنها ستفرض سقفاً على سعر السهم.
مع ذلك، فإن استثماراً مستقلاً بشكل حقيقي في شركة تستعد لطرح أولي سيحدد سعراً معقولاً في أذهان الناس، كما قد يؤدي أيضاً إلى خفض الديون والإعفاء من الحاجة إلى مطالبة مستثمري أسواق الأسهم في المستقبل بأداء تلك المهمة في الطرح الأولي، وهي مهمة سيجدونها منفرة على الأرجح.
بالتأكيد، لا بد أن تُجرى عمليات بيع الأسهم قبل الطرح الأولي بتقييم متساهل على الأرجح. لكن إذا مرت فترة مناسبة بين الصفقة والطرح الأولي، قد يقتنع المستثمرون عند إدراج الأسهم بأن أداء الشركة قد تحسن بعدها ويرغبون في دفع سعر أعلى.
الاستعانة بشركاء أساسيين
الجزء الثاني ذو الصلة من استراتيجية "أرم" هو استخدام عملاء أساسيين في الطرح الأولي ذاته. فقد أقنعت "سوفت بنك" أكبر 10 شركات تكنولوجيا، منها "إنفيديا" و"أبل"، بالتعهد بشراء أسهم بقيمة 735 مليون دولار من الأسهم المطروحة للاكتتاب، بذات شروط صفقة المستثمرين العاديين.
ولكن أن تدفع كل من كبريات شركات التكنولوجيا العشرة متوسط 74 مليون دولار فهي لا ترى مجازفة خطيرة، والمنافع المتوقعة قد تكون استراتيجية بقدر ما تكون مالية. لكن هذه المجموعة من عمالقة عالم التكنولوجيا أكدوا معاً النطاق السعري وتركوا المصرفيين بعدد أقل من الأسهم لبيعها. من المفيد أن تتعدد تقييمات عمليات بيع الأسهم الجديدة. مع ذلك، فالاستعانة بمديري الأصول، عوضاً عن زملاء العمل والعائلة، سيحقق نجاحاً أكبر.
تلك القوى المحركة ستضع المستثمرين المحتملين للطرح الأولي-صناديق الثروة السيادية مثل "جي آي سي" (GIC Pte) السنغافوري وصندوق الثروة السيادي النرويجي، والأسماء الشهيرة عالمياً في إدارة الأصول مثل "فيدليتي" و"بلاك روك"- في موضع تفاوضي بالغ القوة لإضفاء المصداقية على الصفقات عبر الاستثمار قبل الطرح الأولي أو المساعدة في تحديد نطاق سعري. لذا؛ يجب أن يتمكنوا من الحصول على خصومات كبيرة، ما سيأتي على حساب عائدات من دعموا الطرح الأولي.
"سوفت بنك" أعادت "أرم" إلى الأسواق، واستخدمت تكتيكات سنرى منها المزيد على الأرجح. أما التحدي أمام المرشحين التاليين للطروحات الأولية، فما يزال هو استكمال الرحلة، وليس رفع السعر إلى النطاق الأقصى.