يقع قطاع البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية بين مطرقة رفع محتمل لأسعار مدخلات الإنتاج العام الجاري، وسندان أسعار الفائدة المرتفعة.
تستعد شركات القطاع لزيادة محتملة في أسعار المواد الخام، ما يثير تخوفات بتكرار سيناريو عام 2016 عندما تقلصت هوامش ربحية هذه الشركات، لكن وكالة "إس أند بي" ترى أن تأثير هذه الزيادة محدود عند مقارنتها بتداعيات أسعار الفائدة على هذه الشركات.
منذ يونيو 2022 تقريباً، تتناقل وسائل إعلام محلية أخباراً عن توجه وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية لرفع أسعار مواد الخام لشركات البتروكيماويات، مشيرة إلى أن القرار قد يتخذ في الربع الأخير من العام الجاري.
الخطر الأكبر
تقدر الوكالة أن الخطر الأكبر على هوامش أرباح شركات البتروكيماويات السعودية المدرجة هو أسعار الفائدة لما لها من تأثير على إعادة تمويل الديون ومستويات السيولة. وقالت إنها تراقب عن كثب قرارات السياسة المالية والإجراءات التي تتخذها شركات القطاع للحفاظ على مراكز السيولة لديها.
تقترن تحركات الفائدة بدول الخليج بقرارات الاحتياطي الفيدرالي الذي اتخذ أحدث خطواته في 3 مايو الماضي وزاد سعر الفائدة للمرة الثالثة هذا العام بمقدار 25 نقطة أساس استكمالاً لجولة تشديد للسياسة النقدية بدأت العام الماضي، وشملت في 2022 سبع زيادات متتالية في ظل استمرار ضغوط التضخم.
مع ذلك، توقَّع أغلب خبراء الاقتصاد في استطلاع أجرته "بلومبرغ" الشهر الجاري أن يتوقف الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة وأن تكون زيادة مايو هي الأخيرة خلال دورة التشديد الحالية.
الناهض: ارتفاع نسبة الديون ساهم في تراجع أرباح قطاع البتروكيماويات بالسعودية
سيناريوهان لتداعيات زيادة المواد الخام
المرة السابقة التي رفعت فيها الحكومة السعودية أسعار المواد الخام كانت في 2016، ما تسبب في انخفاض هوامش أرباح القطاع بمقدار 300 نقطة أساس في المتوسط خلال ذلك العام. أيضاً، تراجعت الإيرادات بنسبة تراوحت بين 11% و12% بسبب انخفاض أسعار البيع، وهبوط خام برنت 17%.
أعدت الوكالة سيناريوهين لشركات البتروكيماويات لعام 2024. في السيناريو الأول، يتشابه تراجع هوامش الأرباح مع الانخفاض المسجل في 2016 بـ3% على افتراض أن أغلب الهبوط مرتبط بارتفاع أسعار المواد الأولية.
أما السيناريو الآخر، فيقدر تراجع هوامش أرباح القطاع بـ700 نقطة أساس مع احتساب عوامل إضافية مثل التضخم والنمو الضعيف للإيرادات بسبب تباطؤ الاقتصاد الكلي، وما ينتج عنه من انحسارٍ للطلب، وأيضاً تخمة المعروض التي تضغط على أسعار البيع.
في حال عدم تمرير ارتفاع التكاليف للمستهلكين أو اتخاذ إجراءات إدارية لتخفيف النفقات، تتنبأ الوكالة بأن يكون التأثير كبيراً على هوامش الأرباح بحيث تنخفض 25% في المتوسط عند احتسابها بالدولار وفقاً للسيناريو الثاني، وبنسبة 11% في المتوسط في السيناريو الأول.
من الممكن عدم رفع أسعار المواد الأولية، في حال صعدت أسعار خام برنت إلى 90 دولاراً للبرميل في عام 2023 و85 دولاراً للبرميل في عام 2024، إلى جانب تحقيق الحكومة فوائض مالية، وفق الوكالة.
شركات البتروكيماويات السعودية المدرجة في البورصة تستطيع تحمل الزيادة المحتملة في الأسعار على نحو عام، وفق "إس أند بي"، التي تتوقع بقاء هوامش الأرباح قبل اقتطاع الفوائد والضرائب والإهلاك وإطفاء الدين فوق 17% في كلا السيناريوهين. وأشارت إلى أن هوامش الربح المتوقعة أعلى من المتوسط لدى الوكالة، كما توقعت نسبة الديون المعدلة إلى الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين دون 1.5 مرة في المتوسط.
مرونة القطاع
تقول الوكالة إن قطاع البتروكيماويات السعودي مرن، بسبب انخفاض أسعار المواد الخام المحلية بكثير عن الأسعار العالمية، ورجحت استمرار انخفاض التكلفة حتى في حال تطبيق الزيادة المتوقعة في الأشهر القليلة المقبلة مقارنة بالشركات العالمية. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة الإيثان والميثان في السعودية أقل من دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بمتوسط الأسعار في منصة نقل الملكية الهولندية الذي بلغ 42 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في عام 2022 و7.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في أواخر مايو 2023.
وتاريخياً، ساعدت الأسعار المحلية التنافسية شركات المواد الكيميائية السعودية في الإبقاء على هوامش أرباحها أعلى من 17% حتى في أوقات تقلب الأسعار وعدم اليقين الاقتصادي، وفق الوكالة.