تراهن كبريات شركات العقارات في مصر على تصدير العقار كآلية لتحسين الربحية وجلب العملة الصعبة، في وقت يشهد الاقتصاد المصري أزمة في توفير الدولار. وتستهدف تلك الشركات التحرك في اتجاهين للفوز بهذا الرهان، الأول: العمل على جذب المزيد من المشترين المصريين في الخارج، ونظرائهم الأجانب من الخليج على وجه الخصوص، والثاني: البحث عن شراكات لإقامة مشروعات جديدة خارج مصر.
تأتي تلك التحركات من جانب الشركات في وقت تزايدت فيه الضغوط نتيجة ارتفاع تكاليف البناء بنسبة وصلت إلى 100% لبعض السلع، مما دفع إلى زيادة أسعار الوحدات العقارية، وأجبر المطورين على إعادة هيكلة دراسات الجدوى الخاصة بهم.
على هامش معرض "عقارات النيل"، الذي عُقد الخميس الماضي، في العاصمة السعودية الرياض أبدى عدد من كبريات الشركات العقارية المصرية تفاؤله بسوق العقار في مصر برغم التحديات، واعتبروا أنَّ نظرة المصريين إلى العقارات كمخزن للقيمة قد ساهمت في عدم تراجع المبيعات حتى الآن.
في مقابلة مع "اقتصاد الشرق" قال أحمد شلبي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "تطوير مصر"، إنَّ تصدير العقار من أهم الملفات التي يمكن أن تُحدث نقلة للاقتصاد المصري، لما سينتج عنه من زيادة في الحصيلة الدولارية.
بحسب "شلبي"؛ فإنَّ تصدير العقار لا يواجه مشكلة حين يتعلق البيع بالمواطنين العرب، لكن هناك مشكلات حينما يرتبط بعملية البيع لجنسيات أجنبية غير عربية، وهي المشكلات التي تعمل الحكومة على حلها عبر إقرار قوانين ولوائح جديدة.
أضاف: الدولة تعمل على دعم تصدير العقار عبر إتاحة التملك للأجانب، ورئيس الوزراء أعلن عن فتح عدد لتملك الوحدات للأجانب، وهو قرار مهم، في ظل وجود مساعٍ لوضع آلية سهلة بشأن الملكية.
في مارس الماضي، قررت مصر منح جنسيتها لكل من يشتري عقاراً بما لا يقل عن 300 ألف دولار، أو يجمّد وديعة بنكية بـ500 ألف دولار لمدة 3 سنوات، دون فوائد، على أن تسترد بعد انتهاء المدة بالعملة المصرية، ضمن جهودها المتعددة لتوفير العملة الصعبة.
يرى رئيس "تطوير مصر" أنَّ المحور الثاني بالنسبة لتصدير العقار مرتبط بجذب استثمارات أجنبية بقطاع العقارات، بينما يتمثل المحور الثالث، في قيام المشروعات المصرية بالعمل على مشروعات خارج مصر.
برغم زيادة تكاليف البناء؛ لكنَّ "شلبي" يعتقد أنَّ سوق العقارات المصرية ما تزال قوية جداً، ودلل على ذلك بقيام شركته بتعديل مستهدف مبيعات هذا العام، والذي كان يتراوح بين 12 إلى 15 مليار جنيه، ليصبح من 18 إلى 20 مليار جنيه، فضلاً عن زيادة معدل تسليم الوحدات إلى 2000 وحدة، مقارنة بـ1100 وحدة العام الماضي.
محمد الدهان، المدير التنفيذي لشركة "سيتي إيدج" للتطوير العقاري يرى هو الآخر أنَّ ملف تصدير العقار من الملفات الحيوية بالنسبة للقطاع والدولة على حد سواء، إذ يقول إنَّ هناك مناطق في مصر أصبحت جاذبة للمشترين الأجانب بشكل أكبر من الوقت الماضي، كما أنَّ شريحة مشتري العقار لم تعد قاصرة فحسب على المصريين المغتربين، وهو ما يبرز بوضوح في منطقة الساحل الشمالي.
بحسب تصريحات "الدهان" لـ"اقتصاد الشرق"؛ فإنَّ هناك اهتماماً من الدولة بتصدير العقار من خلال تطوير البنية التحتية، ويذكر أنَّ 65% من مبيعات الشركة كانت لمصريين داخل مصر، بينما تتشكل نسبة الـ35% من المصريين أو الأجانب خارج مصر.
"نستهدف المصريين في الخارج باعتبارهم هدفاً سهلاً، وثانياً نستهدف المشترين من الخليج، ثم المشترين في أوروبا وأميركا"، وفقاً لـ"الدهان"، الذي كشف أنَّ شركته تسعى لتحقيق مبيعات بـ25 مليار جنيه، مقارنة بـ19 مليار جنيه مبيعات العام الماضي، واستثمار ما بين 4 إلى 5 مليارات جنيه في مشروعات خاصة، بجانب خطة للاستحواذ على أراضٍ جديدة هذا العام.
تطرّق "الدهان" إلى زيادة تكاليف البناء نتيجة انخفاض الجنيه المصري، وقال إنَّ أسعار العقارات شهدت ارتفاعاً نتيجة تراجع العملة، الذي أدى بدوره إلى تغيير خطط الأسعار، ودفع الشركات لخفض مساحات الوحدات للتحكم في السعر والتكلفة.
منذ مارس 2022؛ فقدت العملة المصرية أكثر من نصف قيمتها أمام نظيرتها الأميركية، مع بدء دورة التشديد النقدي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، التي نتج عنها خروج استثمارات أجنبية في أدوات الدين بأكثر من 20 مليار دولار، فضلاً عن الضغوط التي انعكست على الاقتصاد المصري نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
محمد هاني العسال، عضو مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي المشارك لشركة "مصر إيطاليا" يشير إلى وجود اهتمام كبير بتصدير العقار منذ سنوات، لكن هذا الاهتمام زاد في الفترة الأخيرة من جانب المطوّرين والدولة.
توقَّع "العسال" أن يكون للتركيز على التصدير فعالية قوية وانعكاس إيجابي، وفرصة حقيقية للاستثمار في العقار، الذي يدر عائداً سنوياً بأكثر من 30% إلى 40%. ويرى أنَّ "التوقيت الحالي هو الأفضل لشراء العقارات من جانب الأجانب نتيجة تراجع سعر الجنيه".
بحسب رئيس "مصر إيطاليا"؛ فإنَّ زيادة المشروعات العقارية بالفترة الماضية في مصر، مثل العاصمة الإدارية ومشروعات المدن الجديدة، ستساعد في تعزيز التوجه نحو تصدير العقار. ويتفق "العسال" مع "شلبي" من شركة "تطوير مصر" بأنَّ أزمة تسجيل العقارات هي المشكلة الكبرى أمام فكرة التصدير، لكنَّه يشير إلى وجود تحركات حكومية بالفعل لحل المشكلة في الفترة المقبلة.
وبحسب محمد خالد العسال، الرئيس التنفيذي لـ"مصر إيطاليا"؛ فإنَّ الشركة تستهدف مبيعات بقيمة 11 مليار جنيه العام الجاري، واستثمارات في حدود 4 مليارات جنيه، مع التركيز على مشروعات في شرق القاهرة.
يرى "العسال" أنَّ ارتفاع تكلفة البناء كان من بين المشكلات التي واجهت شركات التطوير العقاري، إذ إنَّ بعض الخامات ارتفعت بنسبة 100%، مما ترتب عليه قيام كل الشركات بإعادة دراسة الجدوى الخاصة بالمشروعات للحفاظ على الربحية ومواعيد تسليم الوحدات.
لم تمنع زيادة التكاليف مشتري العقارات عن التراجع؛ فخلال الفترة من مارس 2022 إلى مارس 2023، تمت زيادة أسعار الوحدات بنسبة 100%، وبرغم ذلك؛ فإنَّ المستهلك المصري ما يزال يُقبل على العقارات باعتبارها مخزناً للقيمة، بحسب "العسال" الذي ذكر أنَّ المبيعات ارتفعت في أول 4 شهور من العام الجاري بنسبة 35% عن المستهدف، كان منها 30% لصالح المصريين في الخارج.
وأضاف: "المصريون في الخارج ينظرون للعقار باعتباره ملاذاً آمناً، وهناك عمل على استقطاب المشترين الأجانب إلى بعض المناطق مثل الساحل الشمالي.. أعتقد أنَّ قانون منح الجنسية مقابل العقار سيسهل كثيراً".
من جانبه يعتبر باسم كليلة، رئيس مجلس إدارة معرض "عقارات النيل" أنَّ تحرير سعر الصرف أفاد كثيراً تصدير العقار في مصر، وعزز من تنافسية القطاع. وقال إنَّ قانون منح الجنسية كان من ضمن الحوافز التي ستسهم في دعم توجه تصدير العقار.
ويشير "كليلة" إلى أنَّه برغم التحديات التي شهدتها الشركات الفترة الماضية؛ لكنَّ قطاع العقارات المصرية ما يزال صاحب أعلى عائد على الاستثمار في الشرق الأوسط بنسبة تصل إلى 25%.