انهيار الشركة الأصغر سيخلي الساحة أمام عملاقة النقل الذكي، لكنه قد يؤدي إلى تداعيات غير محمودة

لماذا تحتاج "أوبر" منافِستها "ليفت" للاستمرار في سباق السوق؟

تطبيق "أوبر" على هاتف ذكي يعرض قائمة بأسعار إحدى الرحلات - المصدر: بلومبرغ
تطبيق "أوبر" على هاتف ذكي يعرض قائمة بأسعار إحدى الرحلات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لطالما ساد اعتقاد حول "أوبر تكنولوجيز"، وهو أنها لن تحقق مكاسب حقيقية إلا من خلال إحدى طريقتين.

الطريقة الأولى، أن تصبح السيارات ذاتية القيادة واقعاً حقيقياً، وبالتالي؛ تتلاشى الحاجة لدفع أجور السائقين. وذلك لن يحدث، على الأقل قبل عدة سنوات.

أما السيناريو الثاني، فيتضمن إجراء تخفيضات كبيرة في الأسعار للقضاء على المنافسة قبل رفع الأجرة وخفض أجور السائقين بمجرد تقليص الخيارات المتاحة أمام المستهلكين وأصحاب العمل الحر.

هل وصلنا لتلك النقطة؟ قد تظن ذلك بالنظر إلى الوضع الحالي في السوق، فبعد أن قضت "أوبر" بسرعة على قطاع سيارات الأجرة في أنحاء العالم، بسطت الشركة أيضاً في الشهور السابقة سيطرتها على منافستها الأميركية القديمة "ليفت"، التي تراجعت حصتها السوقية إلى 24% فقط خلال مارس من 33% فيما قبل الجائحة، وفقاً للبيانات الواردة من "بلومبرغ سكند ميجر".

أظهرت البيانات الأحدث للإعلان عن أرباح الشركتين ارتفاع إجمالي الحجوزات المتزايدة 19% على أساس سنوي، وزيادة عدد العملاء 13%، فيما تستمر "ليفت" بالكاد في العمل، ورغم أنها فاقت مستهدفات المحللين في الفصل الأول، إلا أنها أصدرت توجيهات أقل من المتوقع، وبررت ذلك بنقص الاستثمارات اللازمة لاستعادة نجاحها في مواجهة "أوبر".

من شأن عدم نجاح "ليفت" في تنفيذ "التحول الصعب، والضروري في الوقت ذاته"، حسب وصف محللي "سيتي غروب"، أن يثير استياء العملاء الذين يدركون قيمة الاختيار، وقد يثير استياء "أوبر" أيضاً.

السوق تتسع للشركتين

عُيّن ديفيد ريشر رئيساً تنفيذياً جديداً لشركة "ليفت" في أبريل، بعدما نفد صبر المستثمرين من مؤسسيّ الشركة. وسرعان ما أعلن "ريشر" عن تسريحات - 26% من موظفي الشركة- وأقر بأن الفرصة الأفضل للشركة هي الحلول في المركز الثاني بعد "أوبر" العملاقة.

إذا صحّت نظرية الربحية المذكورة أعلاه، فربما الفرصة الآن مواتية لتضرب "أوبر" ضربتها، فتقضي على "ليفت" تماماً، وتنفرد بالسوق وحدها، وتبدأ عملها المثير في التلاعب بالعملاء.

لكن انهيار "ليفت"، إذا ساءت أوضاعها، لن يحقق لرئيس "أوبر" التنفيذي دارا خسروشاهي، إلا منافع قليلة، ففي حديثه إلى "بلومبرغ تي في" الأسبوع الماضي، بدا رئيس الشركة ذو الكلام المعسول كمغامر يكره الصراعات، وكان مضمون ما قاله إن المدن كبيرة وتتسع لكلتا الشركتين.

قال "خسروشاهي": "أظن أنه يمكن لكلينا النجاح، فسوق وسائل النقل تنمو، والناس يخرجون بشكل أكثر، فيذهبون إلى المطاعم، ويعودون إلى العمل. وبالطبع نرى تلك الأوضاع المواتية، ولن أتفاجأ إذا نَمَت (ليفت) أيضاً في المستقبل".

مخاوف الاحتكار

لا أظن أن "خسروشاهي"، الذي أنقذ سمعة "أوبر" الرديئة من الانحطاط، كان غير صادق في قوله، فشركة "ليفت" لا تعمل إلا في الولايات المتحدة وكندا فقط، والساحل الغربي أشد مناطق عملها رواجاً، حيث يسير التعافي بعد الجائحة بوتيرة أبطأ من المناطق الأخرى، ويُفترض أن يتحسن وضع الشركة مع استعادة تلك الأسواق لنشاطها.

لا ترى "أوبر" في ذلك مشكلة، فإذا لم تعُد "ليفت" منافساً قوياً، سيحدث تغيير كبير في المشهد، حيث سيعاد توجيه انتباه الجهات التنظيمية، التي أدت إلى تنازلات كبيرة في ظروف العمل وإن كانت محدودة، إذ ستتداعى حجة "أوبر" بأن السائقين "مقاولون مستقلون" حال وجود خيار حقيقي أوحد لمنصات مشاركة الرحلات.

كما أن موقف الشركة المريب الذي يفترض أخذ ساعات القيادة "النشطة" فقط في الحسبان عند احتساب الأجور سرعان ما سيفقد مصداقيته، حيث يمكن للسائقين العمل لصالح تطبيقات أخرى أثناء القيادة.

كما أن أي تلميح باحتكار "أوبر" لمشاركة الرحلات سيدق ناقوس الخطر في واشنطن لدى لجنة التجارة الفيدرالية التي تترأسها لينا خان، والتي ربما تشعر بأن وجود شركة عملاقة تجمع بين نشاطي مشاركة الرحلات والتوصيل قد يفاقم صعوبة الأوضاع بالنسبة لشركة "دورداش"، رائدة التوصيل الحالية، إذا كانت "أوبر" في موضع يتيح لها استغلال أرباح مشاركة الرحلات في تثبيت أسعار الأغذية المرتفعة.

مشاعر المستخدمين

شهدنا صورة من هذا التوجه عندما تطلعت "أوبر" للاستحواذ على شركة الأغذية الصغيرة "غروبهوب" في 2020، مع دعوات التدقيق الشديد الصادرة من صقور مكافحة الاحتكار بمجلس الشيوخ الأميركي.

ربما تنقلب مشاعر العملاء التي تحسنت تجاه "أوبر"، فرغم أن أسعارها طالما كانت أعلى من أسعار "ليفت"، وفقاً لشركة "يبيت داتا" (YipitData) للبحوث، فإن أي تقلب في الأسعار سُيقابل بالشك والغضب في السوق إذا رفعت شركتا مشاركة الرحلات الأسعار خلال أوقات الذروة معاً، أما إذا تم الأمر من جانب شركة واحدة فقط، فسيُنظر إليه باعتباره استغلال.

ظهر وسم "احذفوا أوبر" (#DeleteUber) الذي لاقى رواجاً عندما شعر المستخدمون بأن الشركة تتربح من نقص سيارات الأجرة بسبب الإضراب، وقد سبب ذلك خسارة كثير في العملاء.

ربما تبدأ "أوبر" في جذب نوع خاص من الازدراء يكنّهُ الكثير من الأميركيين لمقدمي خدمات الإنترنت الاحتكارية أو لتلك الشركة التي تفرض عليهم، لسبب غير مفهوم، 5 دولارات مقابل حامل الأمتعة في كل مطار أميركي على ما يبدو.

ريادة "أوبر"

فضلاً عن ذلك، لا تحتاج "أوبر" لاتخاذ إجراء كبير للقضاء على "ليفت"، حيث وضعتها القيادة البارعة، بعد مرحلة الإغلاق، على طريق ثالث للأرباح المستمرة يركز على نمو الشركة وزيادة هامش أرباحها.

استحقت "أوبر" ريادتها، ففوجئت "ليفت" في مطلع 2021 بالاستثمارات السريعة في المعروض من السائقين، كما أن "أوبر" سبقت إلى تحفيز السائقين عبر المكافآت، إلى جانب التغييرات التي أجرتها على تطبيقها، مثل عرض رسوم الأجرة مسبقاً.

ازدهرت خدمة "أوبر إيتس" (Uber Eats) خلال الجائحة، واستمرت بعدها، مع تحسن الأوضاع الاقتصادية، فزادت معدل التوصيلات لكل ساعة، ولكل سائق، بفضل التطورات التكنولوجية. إضافة إلى أن خدمات مشاركة الرحلات الجديدة، مثل الحجز المسبق والحجز بالساعة، ساعدت على استمرار النمو.

تتعاون "أوبر" حالياً مع شركات سيارات الأجرة، عدوها القديم، وعقدت شراكات لبيع تذاكر المواصلات العامة، وعلى رأس كل ذلك، ترى الشركة فرصة في عملها الإعلاني الوليد ذي هامش الربح المرتفع.

تعديل الأرباح

كما أن الشركة تستخدم نطاق خدماتها الواسع للترويج لخدمة "أوبر ون" (Uber One)، وهي اشتراك مخفض للحصول على خصومات على الرحلات والتوصيل. وأبلغ "خسروشاهي" المستثمرين بأن المشتركين في "أوبر ون" ينفقون 4 أضعاف ما ينفقه غير المشتركين.

لا يمكن لشركة "ليفت"، التي لا يوجد بها وحدة توصيل، أن تدنو حتى من تقديم تلك الخدمات، فالحقيقة أن عجز "ليفت" عن إجراء أي تنويع مُجدٍ في عملها هو ما كلف كلا المؤسسيين منصبيهما، فلم تتحقق خططهما لتقديم خدمة التوصيل قط، وتلاشت طموحات تقديم خدمات الرعاية الصحية، كما أُلغيت خدمة تأجير السيارات.

لكل تلك الأسباب، لا يجب أن تعتمد زيادة أرباح "أوبر" على خفض أرباح السائقين أو زيادة أجور الرحلات، فقد عدلت أرباحها عن الفصول السبعة السابقة، كما أن تدفقها النقدي إيجابي، وتشير التوقعات إلى استمراره في هذا الاتجاه، رغم أنه يمكن الجدال بأن حساباتها ترسم صورة أكثر وردية عما يجب. كذلك انخفض صافي الدخل بفضل استثماراتها الخارجية، لكن الشركة قالت إنها في طريقها لتحقيق صافي الدخل وفقاً للمبادئ المحاسبية المقبولة عموماً (GAAP)، ولا يرى المحللون سبباً للتشكيك في تلك التصريحات.

انتهت أشد المنافسات احتداماً بين الشركتين الناشئتين في سان فرانسيسكو، وبينما اعتادت أسعار أسهم الشركتين بالتحرك في الوقت نفسه بشكل كبير، فترتفع وتنخفض مع توجهات المستهلكين وتهديدات الجهات التنظيمية، إلا أن الفرق بين مكاسب الشركتين بدأ في الاتساع، فبنهاية أسبوع الإعلان عن أرباح الشركتين، انخفضت أسهم "ليفت" 22% عن سعرها في مطلع 2023، وارتفعت أسهم "أوبر" 47%.

لكن "أوبر" تدرك قيمة المنافسة، لا سيما عندما تُعتبر شركة عملاقة، لذا؛ تحتاج "أوبر"، سعياً للحفاظ على مصالحها، أن تعكس "ليفت" هذا الهبوط وتظل منافساً قوياً، وإن كانت مُنافِسة أصغر.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة