في ظل إغلاق الأسواق الغربية أبوابها في وجه الذهب الروسي، تتقدم شركات مغمورة للمساعدة في إيجاد مشترين جُدُد للسبائك.
أصبحت السبائك الروسية ممنوعة من التداول بعد غزو أوكرانيا، حيث حظرتها مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي من خلال منع استيرادها في الصيف الماضي. تسبّب ذلك في أزمة كبيرة لصناعة الذهب الضخمة في روسيا، إذ لا تستطيع سوقها المحلية استيعاب الكميات المستخرجة سنوياً من المعدن والتي تُقدّر قيمتها بنحو 20 مليار دولار، مما يترك المجال للبنك المركزي أو لمشترين أجانب للحصول على البقية.
استحوذت العشرات من شركات الخدمات اللوجستية والتجار، وهم لاعبون صغار في سوق الذهب، منذ ذلك الحين على تجارة السبائك الروسية، وفقاً لبيانات من شركة "إمبورت جينياس" (ImportGenius) المعنية بتتبع التجارة استناداً إلى أرقام الجمارك الروسية لمدة ستة أشهر حتى أغسطس الماضي. وبدلاً من وصول الشحنات الضخمة إلى لندن للاستقرار في خزائن أكبر بنوك السبائك مثل "جيه بي مورغان تشيس" (.JPMorgan Chase & Co) و"إتش إس بي سي هولدينغز" (HSBC Holdings Plc)، تتجه الإمدادات الروسية بشكل تدريجي إلى أماكن، مثل الإمارات العربية المتحدة وهونغ كونغ وتركيا، حيث لا تعترضها قيود.
روسيا تُضيف مليون أوقية لاحتياطي الذهب أثناء فترة الحرب
تغيّر مسار تجارة السلع عالمياً
يشكّل هذا الوضع مثالاً آخر على التغيير الذي طرأ على مسار تجارة السلع العالمية في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا. عقوبات مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي تفرض حظراً على استيراد الذهب الروسي داخل أسواقها وتحظر على الشركات الموجودة فيها تداوله في مكان آخر. لكن ما يزال يُسمح للشركات في البلدان الأخرى بالتعامل في المعدن الروسي بسبب عدم وجود عقوبات ثانوية، لذلك لا يوجد ما يشير إلى انتهاك أي قواعد.
تهيمن شركات الأمن والحراسة على نقل المعادن الثمينة عالمياً، مثل شركتي "برينكس" (Brink’s) و"لوميس" (Loomis)، اللتين توقفتا عن نقل السبائك الروسية منذ اندلاع الحرب.
اضطلعت عدة شركات بسدّ هذه الفجوة، مثل "في باور فاينانس سيكيوريتي" (هونغ كونغ) (VPower Finance Security (Hong Kong))، التي تقول إنها تنقل الأموال والذهب لعددٍ من أكبر البنوك في الصين. فقد نقلت الشركة شحنات ذهب روسية تزيد قيمتها عن 300 مليون دولار عبر هونغ كونغ في مارس حتى أغسطس 2022، وفقاً لبيانات شركة "إمبورت جينياس".
تعد هذه القيمة جزءاً بسيطاً من 1.2 مليار دولار من الذهب الروسي الذي تسلمه "جيه بي مورغان" في أول شهرين من عام 2022 وحده، مما يسلّط الضوء على التحدي الذي تواجهه هذه الشركات في بيع كميات كبيرة فور اندلاع الحرب. لكن يبرز الدور الداعم لقنوات البيع الجديدة في هذا الصدد، حيث تمكنت شركتا التعدين "بولي ميتال إنترناشونال" (Polymetal International Plc) و"بوليوس" (Polyus PJSC) من سحب المخزونات غير المباعة التي أنتجتها في النصف الأول لعام 2022.
إنفوغراف: الروس والمصريون الأكثر شراءً لسبائك الذهب
وجهة للتصدير
برزت الإمارات كوجهة جديدة للذهب الروسي، حيث تلقت صادرات تزيد قيمتها عن 500 مليون دولار في الأشهر الستة حتى أغسطس الماضي. تستحوذ دبي على معظم المشترين، ولطالما كانت المدينة مركزاً لتجارة المعادن النفيسة بين الشرق والغرب. تظهر البيانات أن شركة "بالوما بريشوس" (Paloma Precious DMCC)، وهي شركة لتجارة الذهب لها مكاتب في المنطقة الحرة وسوق الذهب في دبي، قد استوردت ذهباً بقيمة 109 ملايين دولار.
استحوذت "مجوهرات البحرين" (Al Bahrain Jewellers LLC)، وهي شركة تجارية أخرى في السوق، على واردات ذهب بأكثر من 50 مليون دولار من روسيا. استوردت المعدن شركة "أوبن مينيرال" (Open Mineral AG) ومقرها في أبوظبي، وهي شركة تجارية أسسها مسؤولون تنفيذيون سابقون في شركة "غلينكور" (Glencore Plc) ومن بين المساهمين الرئيسيين فيها صندوق الثروة السيادي شركة "مبادلة للاستثمار".
يبدو أن بعض الشركات التجارية في دبي لديها خبرة محدودة في مجال المعادن النفيسة. فمن جانبها، تصف شركة "أكتافا تريدينغ" (Actava Trading DMCC)، التي استوردت ذهباً روسياً بقيمة 25 مليون دولار تقريباً في أغسطس، نفسها بأنها شركة متخصصة في تجارة المحاصيل تركز على منطقة البحر الأسود.
رفضت "بالوما" و"أوبن مينيرال" التعليق على البيانات، فيما لم ترد "في باور" و"مجوهرات البحرين" و"أكتافا" على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية لطلب التعليق.
أصبحت تركيا وجهة رئيسية أخرى، والتي مرّت بها صادرات ذهب روسية بقيمة 305 ملايين دولار عبر مطار إسطنبول في الفترة من مارس إلى أغسطس، وفقاً لبيانات "إمبورت جينياس".
كانت هناك أيضاً تحولات في الجهة التي تجري الصفقات داخل روسيا. فقد كانت بنوك كبرى، مثل "في تي بي بنك" (VTB Bank PJSC) و"سبير بنك" (Sberbank PJSC)، تسيطر سابقاً على صادرات البلاد، لكن العقوبات المفروضة عليها أدت إلى سيطرة البنوك الأصغر على هذه الصادرات. بدأت شركات تعدين الذهب والمصافي الاضطلاع بدور أكبر في الشحنات أيضاً.
كذلك البنك المركزي الروسي من بين الجهات التي تشتري الذهب، حيث بلغت مشترياته حوالي مليون أوقية في العام الماضي أو نحو ذلك. ودفعت العقوبات الأميركية المفروضة على احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي إلى بحث البنك عن بدائل للدولار.