يمر هذا الأسبوع عام على بدء إيلون ماسك عملية استحواذه على شركة "تويتر". ومنذ ذلك الحين، لم تتحقق توقعات انهيار المنصة بسبب عدم ظهور بديل واضح، إلى جانب أسباب أخرى. لكن تصرفات ماسك الغريبة على مدى الأيام القليلة الماضية تشير إلى ما يخاف منه، ويبدأ ذلك في إبراز أكثر الخلفاء ترجيحاً للمنصة.
في بداية تولي ماسك إدارة "تويتر"، بدا أن كلاً من المنصة اللامركزية "ماستودون" (Mastodon) ومنصة "بوست" (Post) الناشئة والمقابل الهندي "كوو" (Koo) لديها فرصة في التفوق على التطبيق الشهير برمز العصفور. ورغم تمتعها بنمو كبير، لم تبرز أي من هذه المنصات كفائز مؤكد.
ربما تكون شركة "صب ستاك" (Substack) هي ذلك المنافس، أو على الأقل، هذا ما يبدو أن ماسك يفكر فيه، نظراً لأنه قرر حظر الروابط المؤدية للمنصة المنافسة بعدما أعلنت "صب ستاك" عن منتج جديد يشبه "تويتر" بشكل كبير.
بديل محتمل لـ"تويتر"
شركة "صب ستاك" الناشئة، التي تعمل ظاهرياً كمنصة نشرة إخبارية مُرسلة بالبريد الإلكتروني ومقرها سان فرانسيسكو، توسعت في الخدمات التي تقدمها، من قنوات بودكاست ومقاطع فيديو إلى تعليقات وسلاسل تعليقات، إلى جانب تطبيق يقدم كل هذه الخدمات معاً.
لا تبدو منصة للنشرات الإخبارية بديلاً جليّاً لطبيعة "تويتر" اللحظية، لكن كان هناك دوماً احتمال أن تغتنم المنصة نفسها الفرصة وتضيف مزيداً من وسائل التفاعل. وهنا تأتي "صب ستاك نوتس" (Substack Notes). قامت المنصة بالإعلان التالي في 5 أبريل: "سيتمكن الكتّاب من نشر محتوى محدود المساحة ومشاركة الأفكار مع بعضهم البعض ومع قرّائهم. (نوتس) مُصمّمة للاستكشاف في كل أنحاء (صب ستاك)".
تتيح الخدمة الجديدة للمستخدمين التعليق والمشاركة –فلنسمِّها إعادة الترتيب– بشكل يشبه "تويتر". من خلال هذه الخصائص، ستساعد "صب ستاك" الجمهور على العثور على المحتوى والصنّاع الجدد، ما يجذب اهتمام المستخدمين ويشغلهم، وهو الغاية المنشودة من الوسائط الإعلامية على الإنترنت.
"صب ستاك" تجتذب ملايين القراء
منذ إطلاقها في 2017، اجتذبت المنصة 35 مليون قارئ –أي نحو ثُمن حجم قراء "تويتر"– ودفع مليونا مستخدم قيمة الاشتراك في المنصة. الجدير بالملاحظة أن 17 ألف كاتب يحققون دخلاً عبر هذه المنصة. وقد لا يبدو ذلك عدداً كبيراً، لكن عدداً محدوداً من مستخدمي "تويتر" يحققون دخلاً من تلك الخدمة أيضاً.
بحد أدنى من الاشتراك الشهري يبلغ 5 دولارات شهرياً، تحقق "صب ستاك" 120 مليون دولار على الأقل شهرياً. وبما أن عديد من الكتّاب يطلبون أجوراً أعلى بكثير، فقد يكون الرقم الفعلي أعلى كثيراً. قبل شرائها، بلغت عائدات "تويتر" السنوية 5 مليارات دولار سنوياً رغم أنها كانت عادةً تخسر المال.
يحتفظ ملايين الصحفيين والأكاديميين والمؤثرين بحساباتهم على "تويتر"، رغم الاحتجاجات بانهيار المنصة، لأنها لا تزال المنصة الرئيسية لجذب القراء ودفعهم تجاه المحتوى الموجود في منصات أخرى– بما في ذلك نشرات "صب ستاك" الإخبارية للمشتركين.
متى يفقد "تويتر" أهميته؟
طالما أن "تويتر" لا يزال المركز الذي يلتف حوله الناس لاسكتشاف أفكار جديدة ومناقشتها –أي ما يُسمى ساحة المدينة– لا يهم بالفعل إذا انتقل الناس لمنصة أخرى. الفكرة الرئيسية لمواقع التواصل الاجتماعي المدفوعة بالإعلانات، بما فيها "فيسبوك" و"إنستغرام" و"سناب تشات" و"تيك توك"، هي زيادة عدد الزيارات التي يمكن على أساسها بيع الإعلانات. لكن إن استطاعت هذه الخدمات إتاحة الاستكشاف والتفاعل بنفسها، يصبح "تويتر" حينها لا أهمية له.
تجسد عملية البحث هذه العلاقة. لا تكترث شركة "ألفابت" إن استخدمتَ "غوغل" للبحث عن معلومات عن الكتب أو الملابس، ثم النقر على الموقع التالي، لأن بإمكانها تقديم إعلانات أثناء قيامك بذلك. لكن يضحي هناك تهديد كبير إذا اتجه المتسوقون فوراً لموقع "أمازون" دون استخدام "غوغل".
خدمة "صب ستاك نوتس" الجديدة
عبر إطلاق خدمة "نوتس" (Notes)، قد تصبح "صب ستاك" بالنسبة لمنصة "تويتر" ما تمثله "أمازون" لـ"غوغل".
مع وجود آلاف الكتّاب ذوي النفوذ وقادة الفكر الموجودين بالفعل على "صب ستاك"، إلى جانب أن "تويتر" أضحى موبوءاً بمزيد من السُّمّية والرسائل العشوائية، تملك منصة النشرات الإخبارية بالبريد الإلكتروني المتخصصة إمكانية أن تصبح مساحة أكثر لطفاً ونقاءً واحتراماً للحديث.
فكرة أنه لا يديرها ملياردير نرجسي يُعرف بفرض قواعد جديدة حسب هواه، بمثابة علاوة إضافية. أحد أمثلة ذلك كان الرد الانتقامي على "نوتس" عبر حظر "صب ستاك". وتحديداً، لم يستطع الكتّاب إضافة التغريدات في قلب منشوراتهم على "صب ستاك". ثم بدأ ماسك حظرها كلياً أو جزئياً –عبر خفض ظهورها– لعديد من التغريدات التي يؤدي الرابط المذكور بها إلى "صب ستاك".
خطوة "تويتر" تأتي بنتيجة عكسية
على المستوى الداخلي، من الصعب تخيل أن المديرين التنفيذيين في الشركة الناشئة سعداء بهذه الخطوة العدائية التي قام بها ماسك؛ فعرقلة كاتبي المنصة ليست أمراً جيداً للعلامة التجارية. لكن سرعان ما بدأ يصبح للخطوة "تأثير سترايسند" (Streisand Effect)، ما منح المنصة المنافسة مزيداً من الاهتمام.
خلال أيام، بدأ آلاف الكتّاب والمستخدمين يتحدثون عن الحظر، وكانوا يستخدمون "تويتر" للتعبير عن آرائهم. ويُرجَّح أن مزيداً من الأشخاص عرفوا عن "نوتس" من خلال "تويتر" وليس "صب ستاك" نفسها. وإذا كان الغرض هو إجبار الكتّاب على اختيار المنصات، فقد حققت "تويتر" ذلك بطريقة غبية.
من بين هؤلاء الذين يتركون "تويتر" ويتجهون لـ"صب ستاك"، مات تايبي، وهو كاتب أُتيح له الاطلاع على "ملفات تويتر" (Twitter Files)، وهي تشكيلة من المستندات بالشركة من عهد ما قبل ماسك، يُفترض أنها تقدم أدلة على التحيز التدريجي للمنصة وموقفها المناهض لحرية التعبير.
فقدت الكثير من تقارير تايبي عن ذلك الموضوع مصداقيتها منذ ذلك الحين، بما في ذلك تراشق حاد مع مهدي حسن من "إم إس إن بي سي" (MSNBC)، اعترف فيه أنه قام بعدد من الأخطاء.
خارطة لمنصة جديدة
اختيار تايبي لـ"صب ستاك" بدلاً من "تويتر"، في خطوة تُعرِّض علاقته مع ماسك –التي تبدو قوية– للخطر، يمثل علامة قوية للغاية أن منصة التواصل الاجتماعي المملوكة للملياردير تصبح أداة أقل قيمة لصُناع المحتوى.
قد يكون ذلك بالفعل هو هدف ماسك. ففي نهاية المطاف، فهو اختار إلغاء علامات التوثيق الزرقاء القديمة– مفضلاً بيعها لأي شخص يرغب في دفع 8 دولارات شهرياً تحت شعار دمقرطة الخدمة.
لكن المستخدمين وصُناع المحتوى لا يرغبون في منصة فوضوية متاحة للجميع تسمح بمزج خطاب الكراهية مع الحُجّة المنطقية. ولا يعني وجود ملايين الأشخاص الذين يرغبون في التعبير عن رأيهم –وماسك يود منحهم تلك الفرصة– أن هناك ملايين يودون الاستماع لهم.
بالرد على منصة تتسم بقدر أكبر من الهدوء وتتيح لصُناع المحتوى الحصول على مقابل لعملهم، يبدو أن مالك "تويتر" الجديد قد قدّم خارطة طريق تشير إلى المنصة التي سنتجه إليها بعد ذلك.