كان من المفترض أن يأذن العام الجاري بعودة قوية لقطاع السفر الجوي، مع إعادة فتح الاقتصاد في الصين، وزيادة شركات الطيران لرحلاتها المجدولة، في حين تواصل المطارات موجة توظيف لديها للتعامل مع الطفرة.
لكن توجد عقبة محتملة أمام هذا النمو تلوح بالأفق في صورة نقص في محركات الطائرات وقطع الغيار، خاصة بالنسبة إلى طائرات شركتي "إيرباص" و"بوينغ" اللتين تتحملان الجزء الأكبر من الأعمال. يتفاقم العجز جراء حقيقة أنَّ شركات الطيران تطير معتمدة على أحدث أجيال المحركات التوربينية التي - برغم أنَّها أعلى كفاءة في استهلاك الوقود بما يصل 20% - كانت تخضع أيضاً لدورات صيانة بصورة متكررة أكثر مقارنة بسابقاتها الأشد قوة.
إثر ذلك، اضطرت شركات الطيران بأنحاء العالم كافةً لوقف تشغيل الطائرات بوقت تتأهب فيه لما سيكون موسم سفر شديد الزحام في الصيف المقبل. تشير شركة "إير بالتيك كورب" (Air Baltic Corp) إلى أنَّ 10 من 39 طائرة "إيرباص" من طراز "أيه 220" خارج الخدمة بالوقت الراهن جراء مشكلات في المحرك. وعلى صعيد الولايات المتحدة الأميركية؛ حذرت شركة "سبيريت إيرلاينز" للطيران الاقتصادي من أنَّها ستقلص خطط النمو نظراً لمجموعة من المحركات المعطلة. وتسعى شركة "إنديغو" الهندية للحصول على تعويض عن 30 طائرة تقريباً اضطرت لوقف تشغيلها جراء نقص قطع الغيار، علماً أنَّ بعضها يرتبط بالمحركات.
بدأت معوقات سلاسل التوريد تتفشى في القطاع حتى قبل اندلاع وباء كورونا، وعقب ذلك عانى مصنّعو المحركات من نقص متخصصي الميكانيك المهرة وشح مكونات التصنيع.
مشكلات فنية
تتميز أحدث المحركات التابعة لشركة "رايثيون تكنولوجيز" ومشروع مشترك بين "جنرال إلكتريك" و"سافران" (Safran) بوجود سبائك معدنية دخيلة وطلاء ومكونات غير مناسبة للعمل في درجات حرارة تشبه حرارة الأفران. توضح شركات الطيران أنَّ مكونات التوربينات تتلف بسرعة أكبر وتُرسل لورش الإصلاح بوقت مبكر أكثر من المتوقَّع في البداية.
أكد أكبر الباكر، الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية: أنَّها "تصدر سخونة أشد نتيجة عمل المحركات، والمواد المستخدمة فيها لا تتحمل الضغوط، لذلك توجد مشكلات مرتبطة بالمحرك أكثر مما اعتدنا على مواجهته سابقاً".
تضاعفت أوقات الانتهاء من أعمال إصلاح المحركات 3 مرات مع البقاء في انتظار مكونات معينة لمدة تفوق السنة ببعض الحالات. تتفاقم ضغوط الإمدادات الخاصة بقطع غيار المحركات، إذ تطالب شركتا "إيرباص و"بوينغ" بإنتاج أكبر من المحركات الجديدة، حيث تبذل قصارى جهدها لإنتاج طرازات الطائرات ذات الممر الواحد بمعدلات قياسية نظراً لأنَّها الأكثر مبيعاً.
أوضح كليف كولير، مستشار الطيران ومقيم بولاية تكساس، فيما يتعلق بقطاع المحركات: "بالوقت الحاضر، تصدر سخونة تفوق حرارة الجحيم". أضاف في إشارة إلى جهات تنفيذ أعمال الصيانة والإصلاح: "يوجد عجز في قطع الغيار بكل مكان، مما يؤثر سلباً على خدمات الصيانة والإصلاح والفحص الشامل".
تشتكي شركات الطيران من ضعف اعتمادية بشكل أكثر في محرك منافس من تصنيع قسم "برات أند ويتني" التابع لـ"رايثيون".
سد الفجوة
تطير أحدث طرازات "برات" للمحركات التوربينية بمقدار 10 آلاف ساعة في المتوسط قبل الحاجة لفكها من أجل الإصلاح. نوّه غريغ هايز، الرئيس التنفيذي لشركة "رايثيون"، بمؤتمر "باركليز" الشهر الماضي، أنَّ هذا لا يشكل إلا نصف ما يطلق عليه "مدة التحليق جواً" لمحركها السابق، برغم الإصلاحات والتحديثات العديدة لزيادة طول الفترة الزمنية. أضاف أنَّ سد هذه الفجوة سيكون بمثابة التحدي أثناء الأعوام الخمسة المقبلة.
أكدت "سي أف إم" في بيان لها أنَّ محركها من نوع "ليب" "يماثل" محركها السابق "سي أف أم 56"، بنفس المرحلة من عمرها في الخدمة، بعد مرور 6 أعوام تقريباً على أول رحلة تجارية قامت بها. تابعت أنَّ المحركات المرسلة للإصلاح بالورش تذهب لمعالجة مشكلات معينة من الممكن الانتهاء منها بصورة أسرع من عمليات الفحص الشاملة.
أشار متحدث باسم "سي أف أم": "أحرزنا تقدّماً هائلاً على صعيد زيادة مدة التحليق جواً، وما زلنا ملتزمين بالاستمرار في التعاون مع العملاء للتخطيط بطريقة استباقية لزيارات ورش الإصلاح".
توجد 370 طائرة "إيرباص" من طرازي "أيه 320 نيو" و"أيه 220" A، علاوة على طائرة "بوينغ" من طراز "737 ماكس"، مصنفة بالوقت الحاضر على أنَّها مخزنة، بحسب بيانات شركة "سيريوم" (Cirium). تعتبر شركة بيانات وتحليلات الطيران أنَّ الطائرات تصنّف على أنَّها مخزنة عندما تتوقف عن العمل لمدة 30 يوماً أو أكثر لأي سبب من الأسباب المختلفة.
أشارت "إيرباص" إلى أنَّها تراقب بطريقة وثيقة أداء المحركات في طائراتها. ولم يصدر تعليق في حينه من "بوينغ".
تحتفظ شركات طيران عديدة بكمية من قطع الغيار المتاحة، ولكن ببساطة لا تتوفر محركات بديلة كافية لمواكبة عمليات الإصلاح. ربما تُجبر شركات الطيران على الاحتفاظ بطائرة أقدم لمدة أطول من المتوقَّع، والتحليق ساعات إضافية يومية لكل واحدة منها.
بأوقات الأزمات، ربما يُخرجون الطائرات من الأساطيل المخصصة لتدريب الطيارين ويُدخلونها في خدمة الطيران العادية. ربما قد يعيق العجز خطط القطاع لزيادة عدد الرحلات الجوية المطروحة خلال 2024 وما بعدها.
مخاطر هدف الإنتاج
تعوّل شركتا "إيرباص" و"بوينغ" على رفع إنتاج المحركات التوربينية للحفاظ على استمرار عمل خطوط تجميع طائرات من طرازي "أيه 320" و"ماكس". أوضح بول دولان، الرئيس التنفيذي لشركة "أفياشن تكنيكال سيرفيسز" (Aviation Technical Services)، وهي شركة صيانة أميركية كبرى، أنَّه على الأرجح ستمتد كثرة عمليات إصلاح المحركات للسنة المقبلة أو حتى 2025، مما يفاقم من مخاطر توفّر عدد قليل للغاية من محركات توليد الكهرباء لتحقيق أهداف إنتاج شركات تصنيع الطائرات.
منذ ما يزيد على عقد بقليل، توفّرت خيارات محرك جديدة لطرازي "أيه 320" و"737"، وأسهمت في تشجيع زيادة في الطلب لم يسبق لها مثيل. في الأغلب يأتي الوقود بمفرده وسط أكبر النفقات لشركات الطيران، لذا؛ فإنَّ أي تراجع بمعدل الاستهلاك يعزز بصورة فورية صافي الدخل النهائي .
عانت محركات "برات" المُستخدمة في طرازات من بينها "أيه 320 نيو" الأكثر مبيعاً التابعة لـ"إيرباص" وطائرة "أيه 220" الأصغر، علاوة على طائرة من طراز "إي2" الإقليمية التابعة لشركة "إمبراير" (Embraer)، من مشكلات المراحل الأولى من التصنيع بعد طرحها، إذ أبلغت شركات طيران عديدة عن أعطال بالمحركات أثناء الطيران. أشارت "برات" في وقت لاحق إلى أنَّه تم حل المشكلات، لكنَّ بعض شركات الطيران أكدت أنَّها ما زالت تعاني من صعوبات.
خارج الخدمة
ذكر تيد كريستي، الرئيس التنفيذي لشركة "سبيريت"، بمؤتمر أرباح عبر الهاتف في 7 فبراير الماضي، أنَّ محرك "برات" "سجل تراجعاً في أوقات الخدمة، وهي المشكلة المتفاقمة بشكل مطرد" منذ منتصف 2022، ولا تقتصر المشكلة فقط على (سبيريت)".
جرى فك محركات بعض طائرات من طراز "أيه 320 نيو" عقب مدة تشغيل تترواح من ألفين إلى 3 آلاف ساعة فقط، في حين أوقف تشغيل محركات طائرات من طراز "أيه 220" A220s عقب ألف ساعة فقط، بحسب دوغ هارند، محلل الطيران في شركة "برنشتاين" (Bernstein).
قدر هارند في تقرير دوّنه في الثاني من مارس الجاري أنَّ 18% من طائرات طراز "أيه 220" و13% من طائرات طراز "أيه 310 نيو" المعتمدة على هذه المحركات كانت خارج الخدمة بداية من أوائل مارس الجاري. كان أداء محرك "ليب" التابع لـ"سي أف إم" أفضل، برغم وقف 4% من طائرات طراز "أيه 320" و5% من طائرات طراز "ماكس"- الأمر الذي أثار ذعر العملاء.
رفض متحدث باسم "رايثيون" هذه التقديرات الخاصة بالطائرات التي تستخدم محرك "برات"، مؤكداً أنَّ أقل من 10% من تلك الطائرات متوقفة عن الخدمة. امتنعت الشركة عن التعليق بتفاصيل أكثر حول هذه المشكلة.
زيارات متكررة لورش الإصلاح
تعرض أيضاً نموذج محرك "ليب" التابع للمشروع المشترك بين "جنرال إلكتريك" و"سافران" لمشكلات. أوضح هارند أنَّ تراكم الكربون حول خرطوم الوقود تطلب عمليات فحص عقب ألف ساعة من التحليق. أضاف أنَّ الغلاف الخارجي للمحركات عالي الضغط أُعيد تصميمه على مدى الأعوام القليلة المنصرمة، "لكنَّه ما يزال يجعل أداء المحرك يتدهور"، وبالتالي؛ تحدث زيارات متكررة أكثر لورش الصيانة.
أكدت "سي أف إم" أنَّها أضافت أجزاء جديدة لغلاف المحركات عالي الضغط الذي بدأ إنتاجه في 2019، وتعمل على إعادة تأهيل ما تبقى من أسطول المحركات من نوع "ليب" من خلال هذا التعديل.
بمجرد فك المحركات لإجراء عمليات إصلاح، يترتب على ذلك متاعب مكلفة أخرى لشركات الطيران، منها الانتظار الطويل للحصول على قطع الغيار.
أشار كولير، مستشار الطيران، إلى أنَّه رصد مدة زمنية لاستلام مكونات غير أصلية تمتد لسنة أو أكثر.
قال آندي كرونين، الرئيس التنفيذي لشركة "أفولون هودلينغز" (Avolon Holdings)، مؤجرة الطائرات البارزة: " نشاهد عملياً إنشاء طابور انتظار جراء عدم كفاية السعة المخصصة للصيانة، لم يكن هذا القدر الكبير من عمليات الصيانة للمحركات مطلوباً على الإطلاق في هذه المرحلة من برنامج التشغيل".
يُبرز الموقف طريقة تأثير استمرار مشكلات سلاسل التوريد على شركات تصنيع الطائرات. قلّصت "إيرباص" السنة الماضية هدفها المحدد بتسليم 700 طائرة إثر حدوث هذه المشكلات. لكنَّها أخفقت حتى في بلوغ هذا الهدف المخفض.
اضطر مشروع المحرك المشترك التابع لـ"جنرال إلكتريك" لخفض أهدافه الإنتاجية. وما زالت "سي أف إم إنترناشيونال" تسعى لزيادة عمليات تسليم محركات "ليب" العام الجاري 50% لتصل إلى 1700 محرك تقريباً، لكنَّ هذا الرقم يقل عن الهدف السابق الذي كان يبلغ ألفي محرك.