تسعى شركات صناعة السيارات إلى شراء حصص في شركات تعدين الليثيوم من أجل تأمين الإمدادات اللازمة لصناعة بطاريات المركبات الكهربائية، لتلاحق بذلك المساهمين الذين سبقوها إلى تلك الشركات.
ومثال على ذلك، شركة "تسلا"، التي تشير تقارير إلى اهتمامها بشراء شركة "سيغما ليثيوم" (Sigma Lithium) المُدرجة في تورنتو، وإذا نجحت في إنهاء الاستحواذ، سوف تلحق بصناديق استثمار رائدة، من بينها "مانولايف فاينانشال" (Manulife Financial Corp)، وشركة إدارة الأصول "1832 أسيت مانجمنت" (Asset Management 1832)، و"دي زد بنك" (DZ Bank)، وشركات أخرى اقتنصت أسهماً في "سيغما ليثيوم"، حتى في ظل تراجع استثماراتها بشركة صناعة السيارات الكهربائية.
من السهل ملاحظة الإقبال الكبير، في ظل تزايد المطالبات من طرف صانعي السياسات والحكومات حول العالم بالإسراع ناحية وسائل تعتمد على الطاقة النظيفة، وضخ مليارات في تطوير البنية التحتية للسيارات الكهربائية، ما أدى إلى ارتفاع سعر الليثيوم، الذي يُستخدم في صناعة البطاريات، أحد المكونات الرئيسية للسيارات والحافلات والشاحنات الكهربائية، حتى حقق أفضل أداء بين السلع على مدار العامين الماضيين.
فرصة بأسعار أقل
"يوفر الليثيوم للمستثمرين فرصة للاستفادة من نمو صناعة السيارات الكهربائية لكن بأسعار أقل بكثير، دون أن تتعرض لمخاطر بيع رئيس تنفيذي أسهماً بمليارات الدولارات، في ظل حاجة التكنولوجيا الأساسية لكافة بطاريات السيارات الكهربائية إلى الليثيوم، كما لم يعد هناك لاعب مؤثر في السوق لا يحتاج إلى الليثيوم باعتباره المعدن الرئيسي في الصناعة"، وفق ويل ماكدونو، الرئيس التنفيذي لشركة "إي إم جي أدفيزورز" (EMG Advisors)، التي تدير الصندوق المتخصص في الاستثمار بالعقود الآجلة لليثيوم والكوبالت والنحاس والنيكل "إي في آند سولار باتيري ماتريالس" (EV & Solar Battery Materials) المتداول في البورصة تحت رمز (CHRG).
قفزت أسهم "ليثيوم أميركا" (Lithium Americas Corp)، بعدما أصبحت "جنرال موتورز" أكبر مستثمر في شركة التعدين الكندية، الأمر الذي دعم بدء الشركة للحفر الأولي لمنجم جديد هذا الأسبوع، في الوقت الذي تطارد فيه باقي شركات صناعة السيارات مؤتمرات التعدين من أجل تأمين الإمدادات.
اقرأ أيضاً: حملة صينية على المناجم تهدد إمدادات الليثيوم العالمية
أكبر نقطة ضعف
قال جون سيامباغليا، الرئيس التنفيذي لشركة "سبروت أسيت مانجمنت" (Sprott Asset Management) خلال مقابلة: "يتحدد مدى قوتك بسيطرتك على أكبر نقطة ضعف في سلسلة التوريد الخاصة بك وهي الليثيوم".
وأضاف سيامباغليا أن أزمة الإمدادات دفعت المستثمرين إلى لعب دور أكبر في التحول نحو السيارات الكهربائية، من خلال توجيه رؤوس الأموال إلى المنبع، وشراء شركات إنتاج الليثيوم، بأقل من قيمتها الحقيقية.
في فبراير، أطلقت "سبروت أسيت مانجمنت" صندوقاً متداولاً في البورصة يُركز على الاستثمار في شركات تعدين الليثيوم للاستفادة من إقبال المستثمرين.
أسهم رخيصة
لم ينعكس ارتفاع أسعار الليثيوم نتيجة زخم الطلب على أسعار أسهم الشركات المُنتجة للمعدن، إذ يتداول سهم "ألبيمارل" (Albemarle Corp)، أكبر شركة لإنتاج المعدن، التي سجلت نمواً بالمبيعات والأرباح، بمضاعف ربحية يتراوح حول 11 مرة، بأقل من مضاعف ربحية مؤشر "ستاندرد آند بورز 500 للمواد" البالغ 14.8 مرة، كما لا يمثل سوى نسبة طفيفة من مضاعف ربحية "تسلا" البالغ 56 مرة.
إلى جانب أسعارها الرخيصة، يرى مديرو الصناديق والمحللون أن لدى أسهم شركات إنتاج الليثيوم عامل جذب إضافي يتمثل في المشترين الجدد من عمالقة صناعة السيارات الأميركية.
اقرأ أيضاً: اتفاق أوروبي أميركي وشيك بشأن المواد الخام لصناعة البطاريات
قال بيدرو بالاندراني، رئيس الأبحاث في "غلوبال إكس إي تي إفس" (Global X ETFs) خلال مقابلة: "ربما لن تكون تلك آخر الصفقات التي سنراها في القطاع"، في إشارة إلى موجة شراء شركات صناعة السيارات أسهم شركات تعدين الليثيوم.
استثمار بديل
يتوقع بالاندراني زيادة ملكية شركات السيارات في شركات التعدين، مع تقديرات بتضاعف حجم سوق الليثيوم 5 مرات ليصل إلى 3.7 مليون طن متري سنوياً، خلال العقد المقبل، مقارنةً بنحو 800 ألف طن متري حالياً.
أضاف بالاندراني: "تتمتع شركات تعدين الليثيوم، التي تتبع قطاع الخدمات، بهوامش أقرب لشركات التكنولوجيا"، بينما يشهد مستثمرو السيارات الكهربائية تخبطاً في مسار شركات صناعة السيارات الكهربائية الناشئة، إضافة إلى زيادة الغموض بشأن مستقبل السيارات الكهربائية، في ظل زيادة اعتماد شركات صناعة السيارات التقليدية على الغاز.
اقرأ أيضاً: "فورد" تستثمر 3.5 مليار دولار في مصنع للبطاريات بتقنية صينية
يبقى الاستثمار في شركات التعدين أثناء مراحلها المبكرة أمراً محفوفاً بنوعية مختلفة من المخاطر التي تواجه شركات صناعة السيارات، والمساهمين بشكل عام، والمتمثلة في عدم بلوغ إنتاج المنجم للمعدل المتوقع أو درجة النقاء المطلوبة.
تحذير من التحول إلى المنبع
حذر جيف كوري، رئيس أبحاث السلع في "غولدمان ساكس" مؤخراً من شراء شركات صناعة السيارات لأسهم شركات تعدين الليثيوم، قائلاً: "عندما يتحرك مستهلكو السلع إلى المنبع، غالباً ما ينتهي الأمر بالدموع".
لكن المستثمرين وشركات صناعة السيارات تواصل الرهان على شركات تعدين الليثيوم، واستمرار التحول نحو السيارات الكهربائية، ما يعزز الطلب على المعدن.
قال بالاندراني من في "غلوبال إكس إي تي إفس": "الليثيوم أصبح القاسم المشترك بكافة البطاريات على اختلاف تكنولوجيا التصنيع الخاصة بها، ومن المرجح استمرار الأمر لعشر أعوام أو 15 عاماً مقبلة"، فيما توقع تفوق أداء أسهم شركات إنتاج الليثيوم.