يواجه أباطرة الأعمال الهنود المثقلون بالديون وقتاً عصيباً، ففي شهرٍ واحد فقدت إمبراطورية غواتام أداني العاملة في مجال البنية التحتية أكثر من ثلاثة أخماس قيمتها البالغة 236 مليار دولار. لكن رغم سيطرة صعود أداني المدوي وسقوطه المروع على عناوين الأخبار فإنه في زاوية أخرى من البلاد قد تكون هناك عاصفة أخرى أصغر حجماً تتشكل لتعصف بقطب معروف آخر.
فشركة "فيدانتا ريسورسز" (Vedanta Resources) المملوكة لأنيل أغاروال، التي كانت يوماً ما مدرجة في بورصة لندن، ترزح تحت عبء من الديون، بما فيها سندات قيمتها مليار دولار تستحق في يناير. ومع ذلك فإن أحدث محاولاته لتقليص هذا العبء أزعجت الشريك الوحيد الذي لا يسعه تحمل الإزعاج، ألا وهو "إدارة نيودلهي".
في مثل هذا الوقت تقريباً من العام الماضي كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لا يزال على وشك البدء في رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم الجامح، وبدأت حرب روسيا في أوكرانيا في رفع أسعار السلع الأولية لتسجل أكبر مكاسب فصلية لها في أكثر من ثلاثة عقود. حينها، كان أغاروال يقلّب في رأسه فكرة إدماج "فيدانتا ريسورسز" المحمَّلة بالديون مع وحدتها المتخمة بالسيولة والمدرجة في مومباي "فيدانتا" (Vedanta). لكن تلك الخطة، التي نشرت عنها سابقاً "بلومبرغ نيوز"، لم تتقدم خطوة واحدة.
عقبات على طريق السداد
مع ذلك، تمكنت "فيدانتا ريسورسز" من تخفيف أعباء ديونها الصافية من نحو 10 مليارات دولار في مارس من العام الماضي إلى أقل بقليل من 8 مليارات دولار. ومع إعلان الوحدة المدرجة عن توزيع أرباح الشهر الماضي، من "المرجح للغاية" أن تفي شركتها الأم وصاحبة حصة الأغلبية فيها بالتزاماتها حتى سبتمبر 2023، وفقًا لـــ"ستاندرد آند بورز غلوبال".
المستثمرون يترقبون خطة "فيدانتا" بعد نجاح طرح السندات
إلى هنا كانت الأمور تسير بشكل جيد، لكن عندما حاول أغاروال تأمين الموارد المالية لتسديد 1.5 مليار دولار على شكل قروض ومدفوعات سندات في الفترة بين سبتمبر من العام الجاري ويناير 2024 اصطدم بعقبة، فما كان من المفترض أن يكون ربحاً مضموناً تحوّل إلى مغامرة غير محسوبة العواقب لحاملي سندات "فيدانتا ريسورسز"، إلى درجة هوى معها سعر الأوراق المالية المستحقة في أغسطس 2024 إلى أقل من 70 سنتاً للدولار. وستكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة لجمع الأموال.
الملياردير أغاروال يرهن حصته لتسريع صفقة "فيدانتا" الهند
قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" في وقت سابق من الشهر الجاري إنه إذا فشلت "فيدانتا ريسورسز" في هذا المسعى فإن التصنيف الائتماني للشركة مصدرة السندات البالغ "-B"، والذي يُعتبر متدنياً بالفعل وضمن فئة السندات دون الدرجة الاستثمارية، قد يتعرض لضغوط. وقد يكون صافي ديون غواتام أداني البالغ 24 مليار دولار أكبر ثلاث مرات من ديون أغاروال، لكن سنداته لا تزال مصنفة في أدنى درجات الفئة الاستثمارية.
أبعاد سياسية للأزمة
ما أثار قلق الجميع هو أن شركة "هندوستان زنك" (Hindustan Zinc)، التي بدأ أغاروال شراءها من حكومة الهند قبل عقدين من الزمن في صفقة خصخصة، تمتلك سيولة نقدية تبلغ مليارَي دولار، أي أقل بكثير من ذي قبل. بالإضافة إلى ذلك، تجني شركة التعدين ما بين 300 و600 مليون دولار من "إبيتدا" (Ebitda) كل ثلاثة أشهر.
لذلك قررت "فيدانتا"، التي تمتلك الآن 65% من الشركة، في يناير التخلص من شركة "تي إتش إل زنك" (THL Zinc) التي تأسست في موريشيوس، وبيعها إلى شركة "هندوستان زنك" (Hindustan Zinc).
تلك الصفقة النقدية، التي تمثل مصالح التعدين في جنوب أفريقيا وناميبيا، قُدرت بنحو 3 مليارات دولار على مراحل وعلى مدى 18 شهراً. ونظراً إلى أن "فيدانتا ريسورسز" تمتلك 70% في "فيدانتا"، كان من المفترض أن تلبي الأخيرة احتياجات السيولة لشركتها الأم.
إلى هنا كانت الأمور تسير وفق المخطط لها قبل أن تظهر مشكلة وحيدة، إذ رفضت نيودلهي، التي لا تزال تملك نحو 30% من "هندوستان زنك"، الصفقة. وقالت الحكومة الهندية في رسالة بتاريخ 17 فبراير: "نحثّ الشركة على البحث عن طرق أخرى غير نقدية للحصول على هذه الأصول"، مهددة بأن تلجأ إلى السبل القانونية إذا قررت "هندوستان زنك" المضي قدماً في عملية الشراء.
مخاطر تعثر أغاروال
يمثل هذا الأمر مشكلتين لقطب التعدين، الأولى هي أنه ما لم يغير الانتعاش الاقتصادي في الصين الأمور إلى الأفضل فقد تنتهي حقبة ما بعد جائحة كورونا من الأرباح الاستثنائية للسلع الأولية.
وإذا لم يتمكن أغاروال من الحصول على أموال "هندوستان زنك" وإيصالها في نهاية المطاف إلى "فيدانتا ريسورسز" التابعة له فقد لا يستطيع سداد الديون، ما يضطره إلى الاقتراض أكثر. ولأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لم يلمّح بعدُ إلى أنه سيتوقف عن رفع أسعار الفائدة فيما تنخفض قيمة سندات "فيدانتا ريسورسز" الحالية، فقد يواجه صعوبة في جمع أموال جديدة بتكلفة معقولة.
أما المشكلة الثانية التي يواجهها أغاروال فهي عبار عن تحدٍّ سياسي، فلو حاول بيع الأصول عنوة، وتسببت هذه العملية في استياء الحكومة، فإنّ طموحه في الشراكة مع "فوكسكون تكنولوجي غروب" (Foxconn Technology Group) التايوانية في مصنع أشباه موصلات قيمته 19 مليار دولار قد يذهب أدراج الرياح.
أغارول.. طموحات ملياردير السلع الهندي تصطدم بتكلفة التمويل
يقع ذلك المشروع بالفعل تحت مجهر الساسة المعارضين في ولاية ماهاراشترا، الذين انتقدوا نقله في اللحظات الأخيرة إلى ولاية غوجارات المجاورة التي ينحدر منها رئيس الوزراء ناريندرا مودي. إلى جانب ذلك، سيتحمّل دافعو الضرائب نصف تكلفة وحدات تصنيع الرقائق، ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة في الهند العام المقبل.
على الجانب الآخر، شككت أصوات مؤثرة، مثل الخبير الاقتصادي في جامعة شيكاغو، راغورام راجان، وهو محافظ سابق للبنك المركزي الهندي، في مشاركة "فيدانتا" بالمشروع. وأشار راجان إلى افتقارها إلى الكفاءة في صناعة الرقائق. وقال في مقابلة تليفزيونية: "أنا ببساطة لا أفهم كيفية اختيار هؤلاء المشاركين".
لا "تلعب" مع الحكومة
قبل سبع سنوات، كان القلق يستبدّ بدائني أغاروال أكثر من الآن. في ذلك الوقت، ساعدته شركة تعدين الزنك عبر توزيعات أرباح خاصة. لم تعترض نيودلهي على هذه المناورة، لأنه في ذلك الوقت كان لدى الشركة أكثر من 5 مليارات دولار سيولة نقدية. إلى جانب ذلك، حصلت وزارة المالية أيضاً على نصيبها من الغنيمة بصفتها مساهم أقلية، غير أن أغاروال تجاوز الحد على ما يبدو هذه المرة.
اتهمت شركة أبحاث مالية في نيويورك "أداني غروب" بالتلاعب في أسعار الأسهم والاحتيال المحاسبي، وهي مزاعم نفاها مالك المجموعة غوتام، الذي كانت ثروته تتجاوز حاجز الـ100 مليار دولار، نفياً قاطعاً.
لكن أسهم المجموعة تتهاوى باستمرار. ومع تسبب الفضيحة في وضع إدارة مودي تحت تدقيق شديد في ما يتعلق بتشابك المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، يجب أن تكون الأولوية القصوى لقطب المعادن أغاروال هي البقاء بعيداً عن عناوين الأخبار. فالمناوشات القانونية مع الحكومة ليست بالاستراتيجية الصحيحة لتجنب إثارة الجدل، وبالتالي الابتعاد عن المخاطرة.