بالاعتماد على الرجل الملياردير في جذب الاستثمارات إلى البنية التحتية.. تناسى صانعو السياسة مشكلة ضعف العائد على رأس المال

"أداني غروب" لا تمثل الهند.. لكن مشكلاتها تعكس معاناة البلاد

لافتة "أداني غروب" في مومباي، الهند - المصدر: بلومبرغ
لافتة "أداني غروب" في مومباي، الهند - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

أدى تقرير نشرته شركة أبحاث مالية في نيويورك، إلى تفكير الهند ملياً بالإحباط الذي تعيشه منذ فترة طويلة بسبب البنية التحتية المتهالكة وغير الملائمة، وبكيفية محاولة الإسراع لسد الثغرات التي تعاني منها بين عشية وضحاها.

استهدف تقرير "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research) مجموعة "أداني غروب"، التي عكفت بشكل حثيث على جمع رأس المال من مختلف أنحاء العالم، وتوجيهه لتلبية طموحات الهند التي لم تتحقق بعد. ونفت المجموعة بقوة مزاعم شركة الأبحاث الاستثمارية المثيرة بالتلاعب بأسعار الأسهم والاحتيال المحاسبي.

بالنسبة إلى بعض الهنود، تمثل خسارة الشركة أكثر من 130 مليار دولار من قيمتها السوقية اعتداءً على كرامة الوطن. لكن حتى أولئك الذين يرفضون اقتران اسم مجموعة "أداني" بسمعة الهند، مضطرون إلى الاعتراف بالمشكلة الأكبر في هذه الأزمة، وهي أن الطموحات الجارفة الخاصة بأن تمتلك البلاد مطارات أفضل وطرقاً أوسع ورحلات قطارات أسرع وموانئ أكثر كفاءة وإمدادات طاقة أكثر موثوقية، وجودة أفضل للهواء، لم تكن مدعومة بأموال الهنود. فربما تغري قيم الأسهم المرتفعة للغاية جهات الإقراض بدعم الشركات التي تحوز على مجموعة كبيرة من الأصول لبعض الوقت، لكن في نهاية المطاف، لن يخفي سوء توجيه رأس المال، عجز البنية التحتية.

سوق الأسهم والملاذات الآمنة

عندما يتعلق الأمر بتوجيه رأس المال بكفاءة، تطرح سوق الأسهم في الهند خيارات عديدة. صحيح أن مستوى المدخرات المحلية منخفض بالفعل، وأن مديري الأصول بدأوا أخيراً يوظفونها بعيداً عن الملاذات الآمنة التقليدية التي تشمل الذهب والعقارات والودائع البنكية، إلا أنه بالنسبة إلى الأجانب المستعدين للتعامل مع المخاطر التي تنطوي عليها الأسواق الناشئة، فإن مردود رأس المال المستثمَر الذي يُقدم بفائدة تعادل 30%، يعتبر أمراً معتاداً في مثل هذه الحالة، باستثناء أن هذه الفرص لا تتاح عادةً في البنية التحتية خارج مجال الاتصالات، وذلك هو المجال الذي تنشط فيه مجموعة "أداني".

الشركات الأكثر كفاءة

بعض الشركات الهندية الأكثر كفاءة هي شركات السلع الاستهلاكية متعددة الجنسيات الموجودة منذ فترة طويلة، مثل "يونيليفر" (Unilever) و"كولغيت-بالموليف" (Colgate-Palmolive). فهي على قدم المساواة مع أمثال "تاتا كونسالتنسي سيرفيسز" (Tata Consultancy Services) و"إنفوسيس" (Infosys) و"ويبرو" (Wipro)، وهي شركات أميركية مصدِّرة للبرمجيات أصبحت الآن شركات متعددة الجنسيات بحد ذاتها.

ويمكن أن ينطبق الوصف ذاته على صانعة الدراجات الكهربائية (سكوتر) وعربات التوك توك التي تعمل بالوقود "باجاج أوتو" (Bajaj Auto)، التي تبيع نصف إنتاجها من الدراجات إلى دول نامية أخرى في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

يبلغ حجم صانعة السيارات "ماروتي سوزوكي إنديا" (Maruti Suzuki India) قرابة ضعف حجم شركتها الأم اليابانية من حيث القيمة السوقية.

العامل المشترك بين كل هذه الشركات، هو أنها كلّها تولِّد عوائد مرتفعة بشكل معقول على رأس المال المستثمَر، وهو ما يمكن توقعه في دولة يمثل فيها الشباب نسبة كبيرة ويبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة وتعج بالعمالة الرخيصة.

نمط غير مألوف

إذا تعمّقنا في أزمة انهيار مجموعة "أداني"، سنجد نمطاً غير مألوف، إذ لم تحظ يوماً معظم أسهم المجموعة التي انهارت هذا العام، بأعلى درجة لكفاءة رأس المال.

لدى "أداني إنتربرايزس" (Adani Enterprises)، وهي الشركة الرئيسية في المجموعة، عائد أقل من 10% على رأس المال المستثمَر، مثلها مثل شركة "أداني غرين إنيرجي" (Adani Green Energy) التي تُعد إحدى أكبر منتجي الطاقة الشمسية في الهند.

حتى إن الربحية المرتفعة لـ"أداني توتال غاز" (Adani Total Gas)، ربما تكون ناتجة عن فوز نشاط الشركة في توفير الغاز في المدن بعطاءات لإمداد منطقة جغرافية أكبر من ذي قبل بالغاز، وهو ما يتماشى مع رغبة الحكومة في توفير مصدر طاقة أكثر نظافة من الديزل والفحم وروث البقر لـ90% من السكان.

كانت الأرباح بعد خصم الضرائب ثابتة خلال الأشهر الـ9 حتى ديسمبر الماضي، وخسرت الأسهم نحو ثلاثة أرباع قيمتها منذ صدور تقرير "هيندنبرغ".

الواقع الصعب لمجموعة "أداني"

هذا هو الواقع الصعب الذي يواجه أغلب أنشطة مجموعة "أداني"، إذ تتمتع بمحفظة متشعبة تتنوع بين الموانئ والمطارات، مروراً بمناجم الفحم ومحطات الطاقة ومزارع الطاقة الشمسية وخطوط الأنابيب وتوربينات الرياح والمخازن وغيرها الكثير من الأنشطة.

لكن من الصعب تسييل رأس المال المحتجز في تلك الأنشطة. كما لا يستطيع المستهلكون، أو لا يودّون، دفع ما يكفي مقابل خدمات شركات الاحتكار الطبيعي التي يناسب حجمها وجودتها طموحات الطبقة المتوسطة المحدودة التي يُعتبر صوتها مسموعاً. غير أن عملية تحديد الأسعار، يجب أن يقوم بها عدد كبير من المستهلكين الأقل ثراءً.

لا عجب أن شركة توزيع الكهرباء المملوكة للدولة لا تنفك تدخل في دوامات من الخسائر والديون، رغم محاولات كثيرة لإعادة إحيائها. فهي غير قادرة على سداد فواتير منتجي الكهرباء في الموعد المحدد.

على الجانب الآخر، لا يمكن لبريق تقييم سوق الأسهم إخفاء العيوب في الاقتصاديات الأساسية. تقول المجموعة إن إعادة تمويل صافي ديونها البالغ 24 مليار دولار، لن تمثل مشكلة. لكن إذا ارتفعت تكلفة رأس المال، فقد تتعثر قوة "أداني" الهائلة.

صعود سريع وغير مقنِع

رغم أن التقييمات المرتفعة ساعدت المجموعة على التوسع في الاقتراض، إلا أنّ مستثمري الأسهم أنفسهم كانوا أقل اقتناعاً بالصعود السريع لنجم مجموعة "أداني".

تعززت المكاسب الهائلة على مدار السنوات الـ3 السابقة بفضل حماسة الملياردير، الذي سبق أن تخطت ثروته 100 مليار دولار، لعمليات الاستحواذ، والارتفاع المذهل في أسهم الشركات ذات نسبة التداول الحر المنخفضة. فقد دفعت تلك المكاسب مؤسس المجموعة، غوتام أداني، إلى مستوى يقترب من قمة مؤشر الأثرياء على المستوى العالمي.

رغم ذلك، كانت تلك الثروة قائمة على أسس ضعيفة. حتى قبل صدور تقرير شركة الأبحاث في 24 يناير الماضي، لم تكن المجموعة هي الوجهة المفضلة للمستثمرين المؤسسيين. يتابع محللو الأسهم بشكل حثيث أنشطة الموانئ والإسمنت التي استحوذت عليها المجموعة مؤخراً فقط، فيما وقف مديرو صناديق الاستثمار في مومباي على الحياد إلى حد كبير.

الفشل في إقناع المستثمرين

باستثناء "توتال إنرجيز" و"إنترناشونال هولدينغ" (International Holding) التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، وجهاز قطر للاستثمار، و"واربورغ بينكس" (Warburg Pincus)، و"لايف إنشورانس" (Life Insurance) الهندية المملوكة للدولة، لم تنجح المجموعة العملاقة في إقناع العديد من المستثمرين بكفاءتها الرأسمالية على المدى الطويل.

"أداني" تستخدم ورقة الاحتياطيات النقدية لتهدئة المستثمرين

أخيراً، علّقت شركة "توتال" الفرنسية شراكتها مع مجموعة "أداني" في مجال الهيدروجين الأخضر، فيما تخلّص أكبر صندوق تقاعد في النرويج، وهو صندوق الثروة السيادية، من حيازاته في شركة "أداني غرين" بالكامل.

وعلى الرغم من أن قُرب رجل الأعمال من رئيس الوزراء الهندي أمر معروف، إلا أنّ أداني نفى سعيه إلى الحصول على -أو تلقي- أي امتيازات سياسية. لكن الواقع هو أن قطب الأعمال، واءم بين توسعاته وبين أولويات رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

متطلبات الحكومة

في دولة نامية تنخفض فيها مستويات المعيشة، لا تملك الحكومة الوعاء الضريبي لكي تلتزم بمشروعات مكلفة تتطلب وقتاً طويلاً لتطويرها. ولمحاكاة الازدهار في البنية التحتية على غرار الصين، يود مودي تحقيق دخل من الأصول القائمة في الدولة.

لكن أين هو المستثمر المتحمس من القطاع الخاص الذي يشتري البنية التحتية القديمة المملوكة للدولة ويؤسس المنشآت الجديدة، مثل مطار ثانٍ في مومباي؟ وبعد مناصرة "آي إل آند إف إس" (IL&FS) لهذا الاتجاه، أشهرت المجموعة إفلاسها في 2018.

حتى لو لم ينجح نموذج نظام الظل المصرفي الذي تعتمد عليه "آي إل آند إف إس"، فإن مستثمري الأسهم على مستوى العالم لا يزالون يضخون مليارات الدولارات في الهند سنوياً مقابل عوائد مغرية. وهذا يغري روّاد الأعمال في البلاد باستخدام الآلية ذاتها لإنشاء البنية التحتية أيضاً.

شبكة مطارات وموانئ مترامية

أثبت أداني أن الأمر ممكن تحقيقه. فقد بسط سطوته على سلسلة إمداد الطاقة التقليدية التي تعتمد على الفحم في الهند، وراهن بقوة على مصادر الطاقة المتجددة، بما فيها الهيدروجين الأخضر. واشترى 6 مطارات تديرها الدولة دفعة واحدة، وهو يشيّد الآن أيضاً مطاراً ثانياً في مومباي لتخفيف الازدحام الذي يشهده المطار الآخر الذي يديره بالفعل.

بعدما كان يملك مرفأ واحداً في تسعينيات القرن الماضي، أصبح أداني صاحب شبكة تضم 13 ميناء ومحطة على امتداد ساحل الهند. استحوذ رجل الأعمال، البالغ من العمر 60 عاماً، مؤخراً على ميناء حيفا في إسرائيل، حيث يُعدّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صديقاً حميماً لنظيره الهندي.

كما يملك أداني أيضاً حصة قدرها 51% من ميناء كولومبو الغربي الجديد في سريلانكا التي عصفت بها الديون، حيث ترغب الهند في مكافحة النفوذ الصيني. كما طلبت بنغلادش، التي من المفترض أن تبدأ في شراء الكهرباء من مجموعة "أداني"، مؤخراً بمراجعة اتفاقية الشراء.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

حلم لم يكتمل

بشكل عام، تحدثت المجموعة سابقاً عن استثمار 107 مليارات دولار على مدى عقد من الزمان، وهو ما جاء على هوى السياسيين الذين يرغبون في إنفاق 1.4 تريليون دولار على البنية التحتية، لكن ليست لديهم فكرة عن كيفية تحقيق ذلك.

قبل أن تصبح مجموعة "أداني" مرادفاً للاقتصاد الهندي داخل البلاد وخارجها، أصدرت "هيندنبرغ ريسيرش" تقريرها الصادم، الذي يتكون من 106 صفحات، وتزعم فيه شركة الأبحاث أن الملياردير كان يحاول القيام بأكبر عملية احتيال في تاريخ الشركة. ردّت مجموعة "أداني" بتقرير من 413 صفحة يفنّد مزاعم الشركة الأميركية، لكنها فشلت في إنقاذ خطة لطرح أسهم للاكتتاب.

منذ ذلك الحين، هوت أسهم المجموعة، حتى مع اكتساب معركة إنقاذ سمعة الشركة أبعاداً سياسية. تحاول المعارضة دفع "مودي" لتوضيح طبيعة علاقته برجل الأعمال المولود في ولاية غوجارات مسقط رأسه، قبل إعادة ترشحه للانتخابات العامة خلال 2024.

نتيجة المعركة

بغض النظر عن نتيجة المعركة المحتدمة، هناك أمر واحد واضح من دون شك في هذا الصدد، وهو أنه، من المطارات والطرق إلى الهيدروجين الأخضر ومراكز البيانات والتعدين، قد تحتاج الشركات الخمس التي كان التكتل يخطط لطرحها بين عامي 2026 و2028، إلى البقاء في كنف الشركة الأم لفترة أطول بكثير، وسيكّلف ذلك الكثير.

ربما يشعر حاملو السندات والبنوك بالرضا إذا ما رأوا أصولاً ملموسة كافية كضمانات، لكن مستثمري الأسهم تتضرروا مرّة من قبل. ولذلك، سيحتاجون إلى أدلة على تحقيق ربحية قوية من الأنشطة الرئيسية.

وبما أن ذلك أكثر صعوبة من إظهار الطموح اللامتناهي، ربما تضطر الهند في نهاية المطاف إلى البحث عن بدائل. فالدولة تستحق أن تكون لها بنية تحتية متميزة، وكل ما عليها أن تفعله هو البحث عن وسيلة أفضل لتحمّل تكلفتها.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك